"لقد كبرتِ."

كانت كلماته جافة، لا دفء فيها. مجرد ملاحظة باردة، كأنه يتحدث عن شيء عادي وليس عن ابنته التي عادت إليه بعد سنوات من الغياب.

شعرتُ بشيء يغلي بداخلي. هل هذا كل ما لديه ليقوله؟ لا "اشتقت إليكِ"، لا "أنا آسف"، لا شيء؟

قبل أن أتمكن من الرد، تحرك سايلوس بجانبي، عبورًا إلى داخل الغرفة. لم يكن مهتمًا بالتحفظات، ولم يكن بحاجة إلى إذن.

"هل هذا كل شيء؟" قال بنبرة ساخرة وهو يتقدم للأمام، يديه لا تزالان في جيب سترته. "خمس سنوات، وهذه هي تحيتك؟"

رأيت كيف شدّ والدي فكه للحظة، وكيف تلاشت تلك البرودة المصطنعة للحظة وجيزة، ليحل محلها شيء أكثر حدة—غضب مكبوت، توتر، ربما حتى كراهية.

"لم أدعك إلى هنا، سايلوس." قال بصوت منخفض، لكنه كان مشبعًا بالتهديد.

سايلوس ابتسم، تلك الابتسامة البطيئة التي تجعل أي شخص يفقد أعصابه. "لا، لكنك لم تتمكن من منعي، أليس كذلك؟"

شعرتُ بالكهرباء في الجو، كأن كل شيء قد ينفجر في أي لحظة.

كايلب، الذي كان واقفًا عند الباب، زفر بصمت، وكأنه يعرف أن هذه المواجهة كانت حتمية.

لكنني لم آتِ إلى هنا لأكون متفرجة في صراع بينهما.

تحركتُ أخيرًا، متجاهلة التوتر الذي يملأ الغرفة، وقلت بصوت لم أعرف كيف تمكنتُ من إبقائه ثابتًا:

"لماذا فعلتَ ذلك؟"

نظر إليّ والدي، لم يرمش، كأنه كان يتوقع سؤالي.

"فعلتُ ماذا؟"

شعرتُ بالغضب يصعد إلى صدري. "لا تتظاهر بأنك لا تعرف. أنت تعلم. تعلم كل شيء."

مرت لحظة طويلة من الصمت، ثم قال أخيرًا: "إذا كنتِ تتحدثين عن فقدانكِ للذاكرة… فالأمر ليس كما تظنين."

شعرتُ بقبضتي تتشنج. "إذن، أخبرني كيف هو إذن؟"

حدق بي طويلًا، كأنه يزن خياراته، ثم قال بجفاف: "كنتِ خطرة جدًا، تونه."

تجمدتُ.

"ماذا؟"

تابع، نبرته لم تتغير، لكنها كانت تحمل شيئًا أكثر ظلامًا مما توقعتُه. "قدراتكِ لم تكن مستقرة، والطريقة الوحيدة لحمايتكِ… كانت بإبعادكِ عن كل هذا."

أبعدني؟

حمايتي؟

لقد تركني في كذبة، جعلني أعيش حياة لم تكن لي، سرق مني خمس سنوات كاملة، والآن… يسمي ذلك حماية؟

لم أتمكن من منع الضحكة القصيرة التي خرجت مني، لكنها لم تكن مرحة. كانت ضحكة شخص على وشك الانفجار.

"حمايتي؟" كررتُ، عيناي لا تفارقان عينيه. "لقد أرسلتني إلى عالم مزيف، جعلتني أعيش حياة ليست لي، وأنت تسمي ذلك حماية؟"

لم يتراجع، لم يبدُ عليه الندم حتى. فقط قال ببرود: "لقد فعلتُ ما كان يجب فعله."

شعرتُ بجسدي كله يرتجف، ليس من الخوف، بل من الغضب.

لكن قبل أن أتمكن من الرد، كان سايلوس هو من تحدث، صوته هادئ، لكنه كان يحمل نبرة خطيرة للغاية.

"هل هذا ما تقوله لنفسك لتبرر الأمر؟ أنك كنتَ تحميها؟" اقترب أكثر، كأنه يتحداه بصمته قبل كلماته. "أم أنك ببساطة لم تكن تثق بها بما يكفي لتواجه الحقيقة؟"

شيء ما في نظرة والدي تغير للحظة، لكنه سرعان ما عاد إلى جمودِه المعتاد.

"أنتَ آخر شخص يمكنه الحديث عن الثقة، سايلوس."

سايلوس لم يبتسم هذه المرة. فقط حدّق به للحظة طويلة، قبل أن يقول بصوت منخفض جدًا، لكنه كان أشبه بصوت عاصفة قادمة:

"ربما… لكن على الأقل، لم أخدعها."

مرت لحظة ثقيلة من الصمت.

ثم، لأول مرة منذ دخلتُ هذه الغرفة، رأيتُ شيئًا يتغير في تعابير والدي. لم يكن غضبًا هذه المرة… بل كان شيئًا آخر.

شيئًا لم أتمكن من فهمه تمامًا.

لكنني كنتُ أعلم أن هذه المواجهة… لم تنتهِ بعد.

بل كانت البداية فقط.

كان الصمت بيننا ثقيلا، أكثر كثافة من الهواء نفسه. كنتُ أنظر إليه، إلى الرجل الذي يفترض أن يكون والدي، لكن كل ما رأيته كان شخصًا غريبًا، شخصًا لم أشعر معه بأي رابط، بأي دفء… بأي شيء.

كنتُ أرتجف، لكن ليس من الخوف. كان الغضب يتغلغل في عظامي، يغلي في دمي، يضغط على صدري حتى شعرتُ أنني قد أنفجر.

لم يكن ينظر إليّ كأب يرى ابنته بعد خمس سنوات من الفقدان. لم يكن حتى يحاول أن يبدو نادمًا.

"أهذا كل شيء؟" خرجت الكلمات من شفتي قبل أن أتمكن من إيقافها، كانت حادة، مغموسة بالمرارة. "تعترف بكل بساطة وكأن الأمر لا يعنيك؟ وكأنك لم تحطم حياتي بالكامل؟"

لم يرمش حتى. "ماذا كنتِ تودين مني أن أفعل؟ أكذب؟"

تجمدتُ للحظة، ثم ضحكتُ بسخرية، لكن لم يكن هناك أي مرح في صوتي. "نعم! على الأقل كنتَ ستمنحني عذرًا لأحاول مسامحتك! لكنك لم تحاول حتى. اعترفت كأن الأمر لا يهمك، كأنني لا أُهمك."

"تونه، هذا ليس صحيحًا."

"بل هو صحيح!" صرختُ، شعرتُ بأن صوتي يتصدع، كأن شيئًا ما في داخلي ينهار. "كايلب أخبرني أنك كنت تحبني، أنك كنت تحاول حمايتي… لكنني لا أرى هذا الحب! لا أراه فيك، لا أراه في كلماتك، لا أراه في أي شيء!"

أخذ خطوة صغيرة نحوي، لكنني رفعتُ يدي بسرعة، متراجعة للخلف. "لا تقترب مني!"

توقف، وعيناه كانت تدرسني وكأنني لغز يحاول حله، لكنني لم أكن لغزًا. كنتُ ابنته… وكان قد أضاعني.

"أنت تقول إنك كنت تحميني، لكن الحقيقة أنك لم تكن تثق بي. كنتَ خائفًا مني، مما قد أصبح عليه، مما قد أفعله."

لم يقل شيئًا، وهذا وحده كان كافيًا ليؤكد شكوكي.

أحنيتُ رأسي قليلًا، وشعرتُ بدموعي تحرق عيني، لكنني رفضتُ أن تسقط. رفضتُ أن أُظهر له أي ضعف.

"لقد صنعتَ لي حياة جديدة، عالمًا جديدًا، أبًا جديدًا… لكنك لم تدرك شيئًا، أليس كذلك؟" رفعتُ بصري إليه، نبرتي كانت أكثر هدوءًا، لكن هذا الهدوء كان أخطر من أي صراخ.

"لقد أحببتُ والدي المزيف أكثر مما أحببتُك."

رأيتُ كيف توتر فكه للحظة، كيف تغيرت ملامحه، لكنه لم يقاطعني.

"أتعلم لماذا؟ لأنه أحبني بصدق. لأنه لم يتخلَّ عني، لم يختر أن يتركني ضائعة في عالم لا أنتمي إليه. لقد كان سندي، حتى لو لم يكن حقيقيًا… لكنه كان أكثر صدقًا منك."

"تونه—"

"لا! لا تحاول تبرير شيء لا يمكن تبريره!" تقدمتُ نحوه بخطوات غاضبة، وواصلتُ بصوت مرتجف لكنه ثابت. "لقد تخليتَ عني، حكمتَ عليّ بالنسيان، قررتَ أن حياتي ستكون أفضل بدونك… وربما كنتَ على حق. لأنني الآن، وأنا أقف أمامك، لا أشعر بأنني ابنتك. لا أشعر بأنني أنتمي إليك."

أخفضَ نظره للحظة، ثم قال بصوت بارد: "أنتِ لا تفهمين."

شعرتُ بانفجار الغضب مرة أخرى. "إذن اجعلني أفهم! أخبرني، لماذا؟ لماذا فعلتَ ذلك؟ ولماذا لا يبدو أنك تشعر بأي ندم؟"

صمت للحظة طويلة، ثم قال بهدوء قاتل: "لأنني كنتُ أعرف أنكِ ستعودين يومًا ما."

تجمدتُ، أنفاسي توقفت للحظة.

" تونه." تابع، عيناه لم تفارقاني. "لم يكن هناك مفر من هذه اللحظة، من هذه المواجهة. كنتِ ستعودين دائمًا، لأنكِ لم تكوني يومًا شخصًا عاديًا."

شعرتُ ببرودة تجتاح جسدي، ليس فقط بسبب كلماته… بل بسبب الحقيقة التي بدأت تتسلل إلى عقلي.

"إذن… كنتَ تنتظرني؟" همستُ، بالكاد استطعتُ سماع صوتي.

"دائمًا."

مرّت لحظة صمت مشحونة بالكثير من الأشياء غير المفهومة.

ثم سمعتُ صوتًا منخفضًا خلفي.

"لطالما كان لاعب شطرنج ماهرًا."

التفتُ فورًا، وعيناي التقتا بعيني سايلوس، الذي كان يقف هناك، مستندًا إلى الجدار، ملامحه لم تكن ساخرة كعادته… بل كانت تحمل شيئًا أشبه بالخطر.

"كل هذا كان مجرد خطة، أليس كذلك؟" تابع، وهو يخطو ببطء داخل الغرفة. "إبعادها، تركها تنضج بعيدًا عن كل هذا، ثم انتظار عودتها عندما يحين الوقت المناسب."

لم يقل والدي شيئًا، لكن نظرته أكدت ما قاله سايلوس.

شعرتُ بالدماء تغادر وجهي. "هل هذا صحيح؟" همستُ، شعرتُ بصوتي يرتجف.

كان هناك صمت ثقيل، ثم…

"نعم."

شعرتُ بشيء ينهار بداخلي، كأنني كنتُ أبحث عن سبب واحد فقط لأتمسك به، لكنه حطّمه بكل بساطة.

لم يكن يريد حمايتي.

لم يكن يحاول إنقاذي.

لقد كان يعدّني، يجهزني، ينتظر اللحظة التي سأعود فيها إليه.

أغمضتُ عيني للحظة، ثم فتحتُها، ونظرتُ إليه نظرة طويلة، نظرة حملت كل شيء لم أقله بصوت عالٍ.

ثم قلتُ، بهدوء:

"إذن، لقد كنتَ دائمًا تتوقع عودتي إليك."

"نعم."

أومأتُ برأسي ببطء، ثم ابتسمتُ ابتسامة باردة، مختلفة تمامًا عن أي ابتسامة سابقة.

"لكن ما لم تتوقعه…" تقدمتُ نحوه حتى أصبحتُ على بعد خطوات منه.

ثم همستُ بصوت بالكاد كان مسموعًا، لكنه كان يحمل أكثر مما يمكن أن تحمله أي صرخة:

"هو أنني لن أكون كما تريدني أن أكون."

استدرتُ بعدها، وتوجهتُ إلى الباب، دون أن أنظر خلفي، دون أن أسمح له برؤية الألم في عيني.

لكنني شعرتُ به هناك، خلفي، ي

راقبني وأنا أبتعد.

وشعرتُ بشيء آخر…

هذه المواجهة لم تكن النهاية.

بل كانت البداية فقط.

2025/05/22 · 3 مشاهدة · 1259 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025