26 - الخوف ام الاحترام؟

خرجتُ من المكتب، والخطوات التي كنتُ أظنها ثابتة بدت لي الآن متعثرة.

كان الهواء في الممرات أضيق مما شعرتُ به عند الدخول، وكأن المكان نفسه يضغط على صدري، يمنعني من التنفس.

أشعر بنيران تغلي في داخلي، بألم عميق يزحف في أضلعي، لكنه لم يكن ألمًا جسديًا… بل كان أكثر قسوة.

خيبة الأمل.

كنتُ أود الصراخ، البكاء، الركض بعيدًا حتى أترك كل هذا خلفي، لكنني لم أستطع. لم يكن لدي هذا الخيار.

كان عليّ أن أبدو قوية.

لا أستطيع السماح له برؤية دموعي. لا أستطيع السماح لأي شخص برؤية ضعفي.

بلعتُ ريقي، أغمضتُ عيني لثانية واحدة فقط، ثم تابعتُ المشي.

لم أكن بحاجة إلى النظر خلفي لأعرف أن سايلوس كان هناك.

لم يكن يتحدث، لم يكن يحاول مواساتي، لكنه كان يتبعني كظلي.

كان حضوره ثقيلا. ليس لأنه يشكل عبئًا… بل لأنه كان الوحيد الذي لم أشعر معه أنني بحاجة إلى التصنع.

لم يكن ينطق بكلمة، لكنه كان يفهم.

ربما لهذا السبب لم أستطع مواجهته أيضًا.

"تونه." ناداني بصوت هادئ، لكنه لم يكن ضعيفًا.

لم أرد.

"تونه، توقفي."

استمررتُ بالسير، رأسي منخفض، أنفاسي متسارعة، وكأنني أهرب من شيء يطاردني.

ثم، قبل أن أتمكن من التقدم أكثر، شعرتُ بيده تمسك بمعصمي بلطف. لم تكن قبضة تجبرني على التوقف، لكنها كانت كافية لتجعلني أشعر أنني لا أستطيع الفرار أكثر.

"لا داعي لهذا." قال بهدوء، وكأنه يعلم تمامًا ما أفعله.

رفعتُ نظري إليه، وعيناي كانت مشبعة بالدموع التي رفضتُ السماح لها بالسقوط.

"لا داعي لماذا؟" همستُ، صوتي بالكاد خرج مني.

نظر إليّ للحظة طويلة، ثم قال بصوت منخفض لكنه اخترقني كما لو كان نصلًا:

"لا داعي لأن تتظاهري بالقوة أمامي."

شعرتُ بارتعاشة خفيفة في شفتي، فعضضتها بقوة حتى منعتُ نفسي من فقدان السيطرة.

لكن قبل أن أتمكن من الرد، قاطعنا صوت آخر.

"تونه، سايلوس!"

التفتُ بسرعة، لأجد كايلب يركض نحونا، وجهه كان يحمل مزيجًا من القلق والتوتر.

توقف أمامنا، التقط أنفاسه سريعًا، ثم قال مباشرة: "يجب أن تستمعي لي."

لم أرد. لم أكن في حالة مزاجية جيدة لسماع أي شيء من أي شخص.

لكن كايلب لم يكن ينتظر إذنًا.

"والدك أخبرني بشيء مهم. عن ذاكرتكِ."

شعرتُ بشيء يتجمد في داخلي.

"ماذا عنه؟"

كايلب زفر، ثم قال بنبرة أكثر جدية: "قال إن الطريقة التي تسترجعين بها ذاكرتكِ الآن… ستؤذيكِ. ستضغط على عقلكِ بشكل خطير، وربما… قد تؤدي إلى نتائج لا يمكن إصلاحها."

شعرتُ بقلبي يسقط. "ماذا تعني؟"

"أعني أن كل ما تمرين به الآن—الأحلام، الذكريات التي تتدفق فجأة، الصداع، الاضطراب العاطفي… كلها علامات على أن عقلكِ يحاول استيعاب أكثر مما ينبغي في وقت قصير جدًا."

بلعتُ ريقي بصعوبة، لكنني حافظتُ على مظهري المتماسك. "وماذا بعد؟"

كايلب نظر إليّ بجدية، ثم قال بصوت منخفض: "قال إن هناك بروتوكولًا خاصًا لاسترجاع ذاكرتكِ دون أن تتأذي، وإنه الوحيد الذي يملكه."

تجمدتُ للحظة.

البروتوكول…؟

"هذا هراء." جاء صوت سايلوس حادًا، نبرته كانت مليئة بالرفض. "إنه فقط يريد إبقاءها تحت سيطرته أكثر."

كايلب لم يبدُ منزعجًا من تدخله، فقط نظر إليه، ثم عاد ببصره إليّ.

"أنا لا أطلب منكِ الوثوق به، تونه. لكنكِ رأيتِ كيف كنتِ تتألمين، كيف عقلكِ يتصدع تحت وطأة كل هذه الذكريات المتقطعة." توقف للحظة، ثم قال بصوت أكثر هدوءًا: "ألا تعتقدين أنه على الأقل… قد يكون محقًا؟"

شعرتُ ببرودة في أطرافي.

هل هو محق؟

هل الطريقة التي كنتُ أستعيد بها ذاكرتي كانت تدمرني ببطء؟

لكن… هل يمكنني الوثوق به؟

أخذتُ نفسًا عميقًا، وأغلقتُ عيني للحظة، محاولةً ترتيب أفكاري وسط هذا الفوضى.

عندما فتحتهما، نظرتُ إلى كايلب مباشرة، ثم قلتُ بصوت ثابت:

"أريد أن أعرف كل شيء عن هذا البروتوكول."

رأيتُ كيف ارتخت ملامحه قليلاً، لكنه لم يبتسم، فقط أومأ برأسه.

"سأخبركِ… لكن لا يمكننا الحديث هنا."

كنتُ أعلم أن هذا لم يكن سوى بداية جديدة لمعضلة أخرى.

كنتُ أبحث عن الحقيقة… لكن الحقيقة لم تكن سهلة أبدًا.

والآن، أمامي طريقان:

إما أن أرفض تصديق أي شيء يأتي من والدي، وأواصل استرجاع ذاكرتي كما أفعل الآن، حتى لو كان ذلك يعني إيذاء نفسي.

أو…

أنني قد أكون مضطرةً للعودة إليه.

لا أعرف أي خيار أكثر إيلامًا.

لكنني كنتُ متأكدة من شيء واحد فقط—

يجب علي استرجاع ذاكرتي بسرعه....

_____

تحركنا خلف كايلب عبر الممرات الطويلة للمبنى، خطواتنا تتردد على الأرضية اللامعة، بينما كل العيون كانت تراقبنا.

كان المشهد واضحًا… لا حاجة لكلمات لتفسيره.

كل شخص مررنا به توقف للحظة، ثم انحنى باحترام عندما عبر كايلب أمامه. بعضهم كانوا جنودًا بزي رسمي، آخرون كانوا موظفين في مكاتبهم، لكن جميعهم تصرفوا بالطريقة نفسها—انحناءة سريعة، نظرة تقدير، احترامٌ لم يكن مجرد مجاملة، بل كان نابعًا من شيء أعمق.

سلطة.

كايلب لم يكن مجرد عضو في هذه المنظمة، لم يكن مجرد رجل ذو منصب… كان شخصًا يُنظر إليه كقائد، شخصًا يتبعه الجميع دون سؤال.

أما سايلوس؟

كان الأمر مختلفًا تمامًا معه.

في كل مرة مررنا بجانب أحد الحراس أو المسؤولين، كانت العيون تتجمد للحظة، الأيدي تتجه دون وعي إلى الأسلحة، وكأنهم ينتظرون منه أي حركة غير متوقعة.

كانوا متوترين، حذرين، بعضهم حتى لم يحاول إخفاء نظرات التهديد التي ألقوها عليه.

لكن سايلوس… لم يهتم.

لم يتأثر بأي نظرة، لم يتوقف للحظة، لم يعطِهم حتى شرف الاعتراف بوجودهم.

مشاهدة هذا التناقض بينهما—بين الاحترام المطلق الذي يحظى به كايلب، والخوف المشوب بالعداء الذي يحيط بسايلوس—جعلتني أدرك مدى عمق الصراع بينهما.

لكنني لم أقل شيئًا.

اكتفيتُ بالصمت، بالتأمل، بمراقبة المشهد كما لو أنني ضيف في عالم لا أنتمي إليه تمامًا.

ثم، فجأة، دون أن أفكر، تحركتُ نحو سايلوس.

خفضتُ صوتي حتى لا يسمعنا أحد، ثم سألته بهدوء:

"ما رأيك؟"

توقّف للحظة، وكأنه لم يكن يتوقع سؤالي.

ثم استدار إليّ، حاجبه يرتفع قليلاً، قبل أن يرسم ابتسامة جانبية كسولة، تلك الابتسامة التي تحمل شيئًا بين السخرية واللامبالاة.

"في ماذا تحديدًا؟" سأل، صوته كان منخفضًا، لكنه لم يكن خافتًا بما يكفي ليخفيه عن كايلب، الذي لم يلتفت، لكنه كان يستمع بالتأكيد.

أشرتُ برأسي إلى الأشخاص من حولنا، إلى الطريقة التي يراقبونه بها، وكأنهم لا يتوقعون منه سوى الخيانة في أي لحظة.

"في كل هذا."

ابتسامته لم تختفِ، لكنها أصبحت أهدأ، أقل مرحًا.

"إنه أمر طبيعي، أليس كذلك؟" قال، وكأن الأمر لا يعنيه إطلاقًا. "أنتِ إما تُحكم قبضتكِ على الناس مثل كايلب، أو تجعلهم يخافونك مثلي."

حدّقتُ فيه للحظة. "وهذا لا يزعجك؟"

أدار وجهه للأمام مجددًا، يده لا تزال في جيب سترته السوداء، وسار بجانبي وكأن هذا الحديث لم يكن أكثر من محادثة عادية.

"لماذا قد يزعجني؟" قال أخيرًا. "الخوف والاحترام وجهان لعملة واحدة، في النهاية، كلاهما يمنحك السلطة."

كان هناك شيء بارد في نبرته، شيء جعلني أتساءل… هل يصدق هذا حقًا؟ هل يعتقد أن الخوف يمكن أن يكون بديلاً عن الولاء؟

كايلب، الذي ظل صامتًا طوال الوقت، قرر أخيرًا التدخل.

"الخوف ليس سلطة، سايلوس." قال بصوت ثابت دون أن ينظر إليه. "إنه مجرد وهم مؤقت."

سايلوس ضحك بخفة. "أوه، وهل الاحترام أبدي؟"

كايلب لم يرد، لكنني رأيت كيف اشتدت ملامحه للحظة.

أما أنا… فقط راقبتُ التوتر الصامت بينهما، وبينما كنتُ أفكر في معنى كلماتهما، أدركتُ شيئًا واحدًا.

هذا المكان، هذا النظام، هذه القواعد التي تحكم المنظمة… لم يكن أحد فيها بريئًا تمامًا.

كايلب قد يكون الشخص الذي يحظى باحترام الجميع، لكنه لم يصل إلى هذا المنصب دون صراع. وسايلوس قد يكون مكروهًا هنا، لكنه لم يكن يهتم، وربما هذا ما يجعله خطيرًا جدًا.

2025/05/23 · 3 مشاهدة · 1126 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025