وصلنا إلى مكتب كايلب.

لم أكن بحاجة إلى التحديق طويلًا لأدرك حقيقة واضحة—إذا كان مكتب والدي يعكس قوته المطلقة، فإن مكتب كايلب كان إعلانًا غير مباشر عن وراثته لتلك السلطة.

القاعة كانت واسعة، مزينة برخام داكن يتخلله اللون الذهبي، نوافذ زجاجية ضخمة تمتد من الأرض حتى السقف، تكشف عن منظر مذهل للمدينة الممتدة تحتنا. مكتب خشبي فاخر يحتل منتصف الغرفة، تحيط به رفوف كتب مملوءة بأبحاث ووثائق لم أشك للحظة بأنها تحتوي على أسرار لا يجب أن تُقرأ.

لكن أكثر ما لفت انتباهي هو… الكراسي.

أمام المكتب، وُضعت أريكة سوداء أنيقة، مقابل كرسي وحيد يبدو وكأنه مصنوع خصيصًا لشخص واحد فقط.

جلستُ على الأريكة دون تفكير، أما سايلوس، الذي بدا وكأنه لا يهتم سوى براحة نفسه، فقد جلس بجانبي بكل هدوء، ممددًا إحدى ذراعيه على طرف الأريكة، وكأنه في منزله تمامًا.

كايلب لاحظ ذلك، بالطبع. لم يقل شيئًا، لكنه اتجه إلى كرسيه ببطء، جلس عليه بانسيابية متعمدة، ثم شبك يديه أمامه ونظر إلينا بهدوء

"إذن، لنبدأ مباشرة." قال كايلب أخيرًا، نبرته جادة كعادته. "لقد طلبتِ معرفة كل شيء عن البروتوكول، صحيح؟"

أومأتُ، متجاهلة الشعور الغريب الذي بدأ يتسلل إليّ.

"البروتوكول ليس مجرد إجراء طبي، تونه." أكمل، وعيناه مثبتتان عليّ. "إنه مصمم خصيصًا للأشخاص الذين… مثلكِ."

لم تعجبني طريقته في انتقاء كلماته. "مثلي؟"

"أولئك الذين يمتلكون قدرات لا ينبغي العبث بها دون رقابة."

لم أكن متأكدة مما إذا كان هذا تحذيرًا أم إهانة مغلفة، لكنني قررت ألا أقاطع بعد.

"إذا استمررتِ في استرجاع ذاكرتكِ بهذه الطريقة الفوضوية، فإن عقلكِ لن يتحمل الضغط لفترة طويلة." نظر إليّ بجدية. "هناك احتمال أن تفقدي السيطرة تمامًا."

شعرتُ بسايلوس يتحرك بجانبي، لم يبدُ متفاجئًا، لكنه كان يستمع باهتمام… اهتمام غريب، كما لو أن جزءًا منه يعرف هذه المعلومة مسبقًا.

"والبروتوكول يمنع هذا؟" سأل سايلوس، وكأن الأمر لم يكن مهمًا حقًا، لكنه أراد أن يسمع الإجابة على أي حال.

كايلب لم يرد عليه مباشرة، بل وجه كلامه لي. "إنه الطريقة الوحيدة لاستعادة ذاكرتكِ بالكامل دون أن تؤذي نفسكِ."

صمتّ للحظة، أفكر في كلماته. كان هذا منطقيًا بطريقة مزعجة،

"وهذا البروتوكول متوفر فقط عندكم، صحيح؟" سألته، وأنا أضع يدي فوق ركبتيّ، محاولة أن أبدو متماسكة.

"صحيح."

"إذن، لا خيار لدي سوى الوثوق بكم."

"أو المخاطرة بفقدان نفسكِ تدريجيًا."

شعرتُ بوخزة انزعاج، لكنه لم يكن مخطئًا تمامًا.

هنا، تنهد سايلوس ببطء، ثم قال بصوت مسرحّي، وكأنه يروي مأساة قديمة: "آه، كايلب العزيز، دائمًا بارع في تقديم الأمور وكأنها خيارات بينما هي ليست كذلك حقًا."

كايلب لم يُظهر أي تأثر، فقط ألقى نظرة هادئة عليه، ثم قال ببرود: "لا أحتاج لمحاضرات منك."

ابتسم سايلوس بسخرية خفيفة، ثم نظر إليّ وقال بصوت منخفض: "إنه يحاول أن يخيفكِ، لا أكثر."

"أنا لا أحاول شيئًا، أنا فقط أضع الحقائق أمامها." ردّ كايلب، ثم أضاف وهو ينظر لي مباشرة: "الخيار لكِ، لكن تأكدي أن بعض الأبواب، إن فُتحت بطريقة خاطئة… لا يمكن إغلاقها مجددًا."

أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم نظرتُ إليهما، إلى الرجلين اللذين يمثّلان وجهين متناقضين لنفس العملة.

كايلب، بمنطقه البارد، بعقليته التي تضع النظام فوق كل شيء.

وسايلوس، الذي لا يهتم إلا بفعل الأمور بطريقته الخاصة، دون الالتفات إلى العواقب.

أما أنا؟

أنا كنتُ في المنتصف، في المكان الذي لم يكن مريحًا أبدًا.

"لنبدأ العلاج." قلتُ أخيرًا، وأنا أرفع رأسي بثبات.

سايلوس لم يبدُ راضيًا، لكنه لم يجادل.

أما كايلب؟ فقط ابتسم، تلك الابتسامة التي جعلتني أشعر بأنه كان يعلم منذ البداية ماهو جوابي.

"والآن بعد أن انتهينا من هذه المحادثة الجدية المملة…" قال سايلوس وهو يتكئ إلى الخلف على الأريكة، "أليس لديك شيء آخر لنقدمه، كايلب؟ كوب شاي، ربما؟ جلسة علاج نفسي؟ أي شيء أكثر تسلية من هذا؟"

كايلب تجاهله تمامًا، ونظر إليّ مباشرة. "ستبقي هنا الليلة، أليس كذلك؟"

رمشتُ مرتين. "ماذا؟"

"يجب أن تكوني تحت المراقبة. لا يمكننا المخاطرة بأي نوبة مفاجئة لاسترجاع الذكريات أثناء مغادرتكِ."

"أوه، كم هو لطيف منك أن تقلق عليها." قال سايلوس بنبرة جافة، ثم نظر إليّ، وابتسم بسخرية واضحة. "هل ترين؟ قال إنه لا يحتاج لمحاضراتي، لكنه قلق جدًا عليكِ لدرجة أنه سيحتجزكِ هنا مثل سجينة."

"ليس سجينة، فقط تحت المراقبة." قال كايلب ببرود، ثم استدار إلى مكتبه وبدأ في كتابة شيء ما على إحدى الوثائق، وكأن الحديث قد انتهى.

نظرتُ إليهما، ثم زفرتُ ببطء.

رائع… ليلة أخرى عالقة بين شخصين لا يستطيعان التنفس في نفس الغرفة دون التلاعب ببعضهما البعض.

___

لم يكن الجناح مجرد غرفة، بل كان جناحًا فخمًا معزولًا داخل مبنى آخر، بعيدًا عن ضوضاء المقر الرئيسي.

"هذا سيكون مكان إقامتكِ الليلة." قال كايلب بينما كنا ندخل عبر الأبواب المصفحة.

نظرتُ حولي—الجدران كانت زجاجية، تطل على سماء المدينة المضاءة، الأثاث كان أنيقًا لكن بسيطًا، وهناك أجهزة متقدمة مثبتة في الزوايا، لم أكن متأكدة مما إذا كانت للمراقبة أم للحماية.

بالطبع، لم يكن المكان يبدو كزنزانة… لكنه لم يكن منزلًا أيضًا.

وقبل أن أستطيع قول شيء، جاء تعليق سايلوس الجاف: "آه، كايلب، كم أنتَ مضياف. غرفة فاخرة، إطلالة خلابة… فقط ينقصها قيد إلكتروني حول معصمها، وستكتمل التجربة."

كايلب لم يلتفت إليه حتى. "لا داعي لأن تبقى معها."

سايلوس رفع حاجبه ببطء، وكأن كايلب اقترح عليه شيئًا مستحيلًا. "عذرًا، ماذا قلتَ؟"

"سمعتَ جيدًا." التفت إليه كايلب أخيرًا، نبرته هادئة لكنها قاطعة. "وجودك هنا غير ضروري."

ضحك سايلوس ضحكة قصيرة، ثم استدار ناحيتي وقال بمرح زائف: "سمعتِ ذلك، تونه؟ وجودي غير ضروري." ثم التفت إلى كايلب مجددًا، ونبرته أصبحت أكثر جدية. "هذا ليس قرارك."

"في الواقع، هو كذلك." ردّ كايلب ببرود. "هذه منشأتي، وهذه قواعدي."

كنتُ أقف بينهما، أراقب هذا المشهد كما لو كنتُ في مباراة شطرنج حيث كل خطوة محسوبة.

أخذ سايلوس خطوة إلى الأمام، عيناه تلمعان بسخرية خافتة. "وأنتَ تعتقد أنني أهتم لقواعدك؟"

كايلب لم يتراجع، فقط رفع ذقنه قليلًا وقال بحدة: "وأنتَ تعتقد أنني سأسمح لك بالتجول هنا كما يحلو لك؟"

شعرتُ بالجو يزداد توترًا، وكأن أي حركة خاطئة قد تشعل انفجارًا.

تنهدتُ، ثم قلت بصوت هادئ لكنه قاطع: "كفى."

استدار كلاهما نحوي في نفس الوقت، لكنني لم أكن مهتمة بتحديقهم المتجمد.

"إذا كنتُ سأبقى هنا، فسأقرر من يبقى معي." نظرتُ إلى كايلب أولًا. "وأنتَ تعلم أنني لن أثق بك وحدك بعد كل شيء."

ثم نظرتُ إلى سايلوس. "وأنتَ تعلم أن تحديك لكايلب عند كل فرصة ممكنة لن يساعدني بشيء."

مرّت لحظة صمت، ثم زفر كايلب وقال: "كما تشائين."

أما سايلوس، فقد ابتسم لي نصف ابتسامة، وقال بنبرة ساخرة: "عزيزتي، أحيانًا أنسى كم أنتِ شجاعة."

رفعتُ حاجبي. "وأحيانًا، أنسى كم أنتَ مزعج."

ضحك، بينما هزّ كايلب رأسه وكأنه فقد الأمل في كلينا.

2025/05/25 · 3 مشاهدة · 1011 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025