: "الغرفة المقدسة."
شعرتُ بتيار بارد يسري في عمودي الفقري. "ماذا عنها؟"
"إنها مصدر الرابط بينكِ وبينه. كسر الارتباط… يعني تدمير الغرفة."
اتسعت عيناي. "تدميرها؟"
أومأ كايلب ببطء. "إذا أردتِ التخلص من هذا الرابط، فيجب علينا إنهاء كل ما يربطكما منذ البداية. والغرفة هي البداية."
كان هناك شيء في نبرته جعلني أتوقف. "لكن…" أخذتُ نفسًا عميقًا، شعرتُ بأنني بدأتُ أفهم الأمر بطريقة لم تعجبني. "هذا سيؤدي إلى شيء أسوأ، أليس كذلك؟"
سايلوس، الذي كان حتى الآن مجرد مستمع مستمتع، قال بهدوء غير معتاد: "نعم."
"تونه… "كايلب نظر إليّ بجدية قاتمة. "الغرفة المقدسة ليست مجرد مكان. إنها حجر الأساس في معاهدة السلام بين عالم البحار وعالم البشر. تدميرها… يعني إعلان الحرب."
"ماذا؟"
تجمدتُ.
شعرتُ بأن العالم كله توقف للحظة.
"حرب؟" همستُ.
"نعم."
"تدمير الغرفة يعني إنهاء الاتفاق الذي يمنع عالم البحار من التدخل في عالمنا." قال سايلوس ببطء، نبرته فقدت مرحها المعتاد. "يعني إعطائهم سببًا للتحرك، ليردوا على ما سيعتبرونه خيانة."
وضعتُ يدي على رأسي، محاولة استيعاب حجم الكارثة التي انكشفت أمامي.
"إذن، لكي أكسر ارتباطي به، عليّ أن أشعل حربًا؟"
كايلب لم ينطق، لكن نظرته كانت كافية لتأكيد ما قلته.
"يا إلهي." تمتمتُ. "هذا ليس مجرد ثمن… هذا كارثة."
"بالضبط." قال سايلوس، وهو يعقد ذراعيه. "والآن، لديكِ خياران: إما أن تعيشي مع هذا الرابط إلى الأبد… أو تسببي حربًا قد لا يستطيع أحد إيقافها."
شعرتُ بالغثيان. لا يوجد خيار جيد هنا.
إما أن أبقى أسيرة لهذا الرابط، محاصرة بمصير لا أفهمه بالكامل…
أو أصبح السبب في إشعال حرب بين عالمين.
"هذا جنون." قلتُ بصوت مرتجف.
"هذا الواقع." ردّ كايلب بهدوء.
مرّت لحظات طويلة من الصمت.
ثم، فجأة، قاطعها صوت سايلوس، الذي قال بنبرة أخف، لكنه لم يكن يخفف من وطأة الموقف:
"على الأقل، لن تكون حربًا مملة."
نظرتُ إليه بحدة، بينما كايلب أطلق زفرة طويلة، وكأنه فقد الأمل تمامًا .كان واقف عند باب الجناح، ينظر إليّ بعينين جادتين كعادته.
"لديّ بعض الأعمال التي يجب أن أنهيها." قال بصوت ثابت، لكنني كنتُ أعرف أنه كان يتأكد من أنني سأكون بخير قبل أن يغادر.
أومأتُ برأسي دون أن أقول شيئًا.
نظر إلى سايلوس للحظة، ثم زفر ببطء، وكأنه يكره فعل ما سيقوم به. "اعتن بِها."
سايلوس رفع حاجبه، وكأنه كان على وشك إطلاق تعليق ساخر، لكن كايلب لم يمنحه الفرصة. ألقى علينا نظرة أخيرة، ثم خرج دون أن يضيف شيئًا.
سمعنا صوت الباب يُغلق، تاركًا المكان في صمت ثقيل.
شعرتُ بأنني أتنفس أخيرًا.
لكن ذلك لم يدم طويلًا، لأنني سرعان ما شعرتُ بشيء آخر.
خوف.
ليس مجرد قلق عادي، بل شعور عميق بأنني محاصرة في دوامة من الأحداث التي لا أملك السيطرة عليها.
تدمير الغرفة المقدسة؟ إشعال حرب بين عالمين؟ كيف يمكنني حتى استيعاب فكرة أنني قد أكون السبب في شيء بهذا الحجم؟
لا خيار لي…
لا مفر.
ارتعش جسدي قليلًا، رغم أن الغرفة لم تكن باردة.
"أنتِ تفكرين كثيرًا." جاء صوت سايلوس الهادئ بجانبي، مما جعلني أرفع رأسي نحوه.
كان ينظر إليّ، عينيه الحمراوان تتوهجان بلون داكن تحت الضوء الخافت، وكأنهما تقرآن كل ما يجول في داخلي.
"كيف لا أفكر؟" تمتمتُ، صوتي كان ضعيفًا. "أشعر وكأنني محاصرة."
لم يقل شيئًا فورًا. لكنه اقترب.
خطوة… ثم أخرى.
ثم، قبل أن أستوعب، كان قد وقف أمامي مباشرة، أقرب مما كنتُ مستعدة له.
"أتعلمين؟" قال بصوت منخفض، عينيه لم تفارقا وجهي. "إذا أردتِ، يمكنني أن أنهي كل هذا الآن."
"ماذا تعني؟"
انحنى قليلًا، صوته أصبح أكثر نعومة، لكن كلماته حملت شيئًا أكثر خطورة.
"أعني أنه إذا كنتِ تريدين، يمكنني أن أمحو كل شيء. الغرفة، رافاييل، والدكِ، حتى كايلب إن رغبتِ بذلك."
حبستُ أنفاسي.
"سايلوس…"
"أنا جاد، تونه." همس، نبرته لم تكن ساخرة هذه المرة، لم تكن حتى مستفزة. كانت… حقيقية.
"أنا لا أهتم بعالمهم، بقوانينهم، بماضيكِ أو بمستقبلكِ. كل ما يهمني… هو أنتِ."
شعرتُ بقشعريرة خفيفة تسري في جسدي.
"إذا كنتِ تريدين، سأدمر الأكوان كلها من أجلكِ."
اتسعت عيناي قليلًا، شعرتُ بثقل كلماته، ليس لأنه كان يبالغ… بل لأنني شعرتُ أنه كان يعني تمامًا ما يقوله.
بلعتُ ريقي بصعوبة. "هذا… هذا جنون."
ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن ساخرة. "وربما لهذا السبب تتناسبين معي تمامًا."
لم أكن أعرف ماذا أقول.
كان الجو مشحونًا بطريقة لم أكن مستعدة لها، لكنني لم أبتعد. لم أشعر بالخوف منه، بل بشيء آخر… شيء أكثر عمقًا.
"أنا هنا، تونه." قال أخيرًا، نبرته أصبحت أكثر هدوءًا، لكنها لم تفقد قوتها. "بغض النظر عن القرار الذي تتخذينه، بغض النظر عن الاتجاه الذي ستسلكينه… سأكون بجانبكِ."
شعرتُ بشيء ما يلين داخلي.
الحقيقة هي… أنه لم يكن هناك أحد آخر قال لي هذا من قبل.
كايلب يريد مني أن أتبع القواعد، والدي يريد أن يحدد قدري، رافاييل يطاردني لسبب لا أفهمه… لكن سايلوس؟
هو فقط يقف بجانبي.
أغمضتُ عيني للحظة، ثم تنفستُ بعمق. "شكرًا لكَ، سايلوس."
عندما فتحتُ عيني، وجدتُ ابتسامته قد أصبحت أكثر دفئًا، لكنها لم تكن أقل شراسة.
"أوه، لا تشكريني بعد، عزيزتي." قال وهو يميل برأسه قليلًا. "لأنني بالتأكيد سأستغل هذا ضدكِ لاحقًا."
ضحكتُ، ضحكة خفيفة لكنها صادقة.
"كنتُ أعلم أنكَ ستقول شيئًا كهذا."
"بالطبع، من أنا إن لم أكن مستفزًا بعض الشيء؟"
هززتُ رأسي، لكنني لم أبتعد عندما جلس بجانبي على الأريكة.
ظلّ صامتًا للحظات، ثم قال بنبرة أكثر هدوءًا: "أنتِ متعبة، أليس كذلك؟"
أومأتُ ببطء.
لم أكن أعترف بذلك بصوت عالٍ، لكنني كنتُ أشعر بالإرهاق. عقلي كان يطفح بالمعلومات، بالأفكار، بالمخاوف.
"إذن، استرخي." قال ببساطة.
رفعتُ حاجبي. "وهل لديكَ خطة سحرية لجعل ذلك يحدث؟"
ابتسم ابتسامة جانبية، ثم مدّ يده إلى الطاولة الصغيرة بجانبه، وأخذ كأس الماء الذي كان هناك.
"حسنًا، يمكنني أن أرمي هذا الماء عليكِ، لكنني أعتقد أن ذلك قد يجعل الوضع أسوأ."
ضحكتُ مجددًا، لكنها كانت ضحكة خافتة هذه المرة، وكأنني بدأتُ أشعر ببعض الاسترخاء أخيرًا.
"أنتَ لا تساعد."
"بل أفعل، بطريقتي الخاصة."
هززتُ رأسي، لكنني لم أقاوم عندما مال برأسه قليلًا، وكأنه كان يدرس تعابيري عن قرب.
"هل أنتِ بخير؟" سأل أخيرًا، بصوت لم يكن مرتفعًا لكنه كان يحمل اهتمامًا حقيقيًا.
نظرتُ إليه للحظة، ثم أومأتُ ببطء.
"الآن، نعم."
رأيته يبتسم، ليس بسخريته المعتادة، بل بابتسامة صغيرة، وكأنه كان سعيدًا لسماع ذلك.
لم أكن أعرف ما الذي سيأتي لاحقًا، لم أكن أعرف ما إذا كنتُ سأتمكن من اتخاذ القرار الصحيح.
لكن هذه الليلة…
على الأقل، كنتُ أعلم أنني لستُ وحدي.
—
استيقظتُ على صوت طفيف… أشبه بهمس الليل عندما يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل شروق الشمس.
فتحتُ عينيّ ببطء، لأجد نفسي لا أزال في الجناح، الضوء الخافت القادم من النافذة يرسم ظلالًا ناعمة على الجدران.
لم أكن وحدي.
سايلوس كان جالسًا بجانبي، يحدّق عبر النافذة، عاقدًا ذراعيه. شعره الفضي كان يعكس نور المدينة البعيد، وعيناه الحمراوان كانتا تحملان شرارة لم أستطع تفسيرها.
لم يكن يتحدث، لم يكن يتحرك… لكنه لم يكن مسترخيًا أيضًا.
"أنتَ لم تنم، أليس كذلك؟" تمتمتُ، صوتي كان خافتًا لكنني كنتُ متأكدة من أنه سمعني.
التفتَ إليّ، حاجبه يرتفع قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة. "لا . لكنني أستمتعت بمشاهدتكِ نائمه . يبدو الأمر… مسالمًا."
حدّقتُ به لثانية. "هل كنتَ تراقبني وأنا نائمة؟"
"مراقبة؟ يا لها من كلمة ثقيلة." قال بابتسامة جانبية، ثم أضاف، وكأنه يصححني: "لنفترض أنني كنتُ أتأكد أنكِ لم تختفي فجأة."
"لأنني أفعل ذلك طوال الوقت، أليس كذلك؟"
"حسنًا، مع كل الفوضى التي تحيط بكِ، لن أفاجأ إذا استيقظتِ يومًا ووجدتِ نفسكِ في بُعد آخر."
زفرتُ، ثم جلستُ مستقيمة، مددتُ يدي لأبعد آثار النوم عن وجهي. "كم الساعة؟"
"لقد أشرقت الشمس قبل نصف ساعه."
نظرتُ إليه مجددًا. "وأنتَ لم تتحرك من هنا طوال هذا الوقت؟"
"قلتُ لكِ، كنتُ أتأكد أنكِ بخير."
شعرتُ بشيء غريب يتسلل إلى داخلي. اهتمامه بي لم يكن مجرد كلمات جوفاء، ولم يكن مجرد تصرف عابر.
كان حقيقيًا.
ابتسمتُ بخفة. "هذا… لطيف منك."
رفع حاجبه وكأنه تفاجأ بتعليقي، ثم قال بصوت هادئ لكن بنبرة تحمل بعض المزاح: "احذري، تونه، إذا قلتِ شيئًا لطيفًا آخر عني، قد أبدأ بالتصرف كشخص مسؤول."
ضحكتُ، ضحكة خفيفة لكنها كانت صادقة. "أوه، لا يمكننا المخاطرة بذلك."
جلسنا بصمت للحظات، لكن الصمت لم يكن ثقيلًا هذه المرة.
ثم، دون أن أنظر إليه، قلتُ: "سايلوس… ماذا ستفعل لو كنتَ مكاني؟"
رأيته يميل برأسه قليلًا، يفكر في سؤالي.
"تقصدين بشأن رافاييل؟"
"بشأن كل شيء."
مرر يده في شعره، ثم قال ببطء: "حسنًا… لو كنتُ مكانكِ، كنتُ سأختار الخيار الأكثر فوضوية."
"هذا ليس مفيدًا."
"بل هو كذلك، إن كنتِ تفهمين كيف تعمل الفوضى."
نظرتُ إليه، أنتظر تفسيره.
"الفوضى، تونه، هي الطريقة الوحيدة التي تجبر الجميع على كشف أوراقهم. عندما تنكسر القواعد، يتوقف الجميع عن التظاهر، وعندها فقط… تستطيعين رؤية الحقيقة."
شعرتُ بقشعريرة خفيفة. "وهل هذا ما تريده؟ أن تنكسر كل القواعد؟"
ابتسم ببطء. "أنا فقط أريدكِ أن تكوني حرة."
كانت كلماته تتردد في رأسي حتى بعد مرور لحظات طويلة.
الحرية… هل كنتُ أملكها حقًا؟
قبل أن أتمكن من التفكير أكثر، سمعنا طرقًا خفيفًا على الباب.
كايلب.
فتح الباب، دخل بخطوات ثابتة، لكنني لاحظت أن ملامحه كانت أكثر جمودًا من المعتاد.
"هناك مشكلة." قال مباشرة.
نظرتُ إليه بقلق. "ما الذي حدث؟"
تبادل نظرة خاطفة مع سايلوس، ثم قال: "لدينا زائر."
شعرتُ بشيء ينقبض داخلي. "من؟"
كايلب لم يجب فورًا. ثم، ببطء، قال: "رافاييل."