"أنا هنا."صوت سايلوس

لم يكن حلمًا. لم أكن نائمة.

فتحتُ عينيّ بسرعة، قلبي ينبض بعنف. الغرفة كانت مظلمة إلا من ضوء خافتٍ يتسلل من النافذة. حدّقتُ في الظلال، لكن لم يكن هناك أحد. ومع ذلك، كنتُ متأكدةً من أنني سمعته، بكل وضوح. ..صوته العميق الهادئ. من المستحيل ان لا اميزه.

وقفتُ من سريري ببطء، أتحرك بحذر وكأنني أخشى أن يتحطم الصمت من حولي. تقدّمتُ نحو المرآة الكبيرة في زاوية الغرفة، لا أعرف لمَ، لكنني شعرتُ أنني سأراه هناك. وعندما وقفتُ أمامها، شهقتُ بصوتٍ خافت.

في المرآة، لم يكن انعكاسي كما هو.

كان هناك شيءٌ غريب. كأنها صورة مزدوجة، وجهٌ فوق وجهي، شبحٌ شفافٌ يشبه ملامح سايلوس، عينيه الحمراء اللون تحدقان بي بثبات. كان يهمس بشيء، لكنني لم أسمعه بوضوح.

امتدت يدي دون وعي نحو سطح المرآة، وأصابع يدي تلامست مع انعكاسي. كان إحساسًا باردًا، لكن… حيًّا. كأنني ألمس شخصًا حقيقيًا، لا مجرد زجاج. شعرتُ بقشعريرةٍ تجتاحني، وسحبتُ يدي بسرعة. في اللحظة ذاتها، تلاشى الظل، وعادت صورتي إلى طبيعتها.

تراجعتُ خطوة إلى الوراء، أنفاسي متقطعة.

"ماذا يحدث لي؟"

لكنني كنت أعرف. هذا لم يعد مجرد حلم. شيءٌ ما كسر القواعد.

الحدود بين عالمينا تنهار

في الليالي التالية، أصبحتُ أكثر وعيًا بوجود سايلوس. لم يكن يظهر أمامي مباشرة، لكنني كنت أشعر به في الهواء من حولي، أسمع همساتٍ خافتةً تحمل اسمي حين أكون وحدي، وأحيانًا، كان الظلام في الغرفة يبدو أقل وحدة، كأن هناك شخصًا يقف هناك، غير مرئي، لكنه موجود.

ثم، حدث شيء غيّر كل شيء.

كنتُ في سيارة الاجرة، متوجهةً إلى عملي . الشوارع كانت مزدحمةً كعادتها، السيارات تصطف في طابورٍ لا نهائي، والضوضاء تملأ المكان. كنتُ أحدّق عبر النافذة بشرود، أفكر في كل ما مررتُ به في الأيام الأخيرة.

وفجأة، وسط الزحام، رأيته.

سايلوس.

كان واقفًا هناك، على الرصيف المقابل. لم يكن حلمًا. لم يكن انعكاسًا في المرآة. كان حقيقيًا، موجودًا في هذا العالم.

ارتديتُ نظارتي الشمسية بسرعة، وقلبي يخفق بعنف. كنتُ خائفةً من أن يكون مجرد وهم، مجرد خدعة من عقلي المتعب. لكن عندما رفعتُ نظري مجددًا، كان لا يزال هناك، ينظر إليّ مباشرةً، كأنه كان ينتظر أن أراه.

هل عبر إلى عالمي؟ هل هذا حقيقي؟

تحركت من مكاني بسرعة محاولة فتح الباب، متجاهلةً النظرات المستغربة من السائق، لكن قبل أن أتمكن من النزول، كان قد اختفى.

وقفتُ في منتصف الطريق، أنظر حولي بذهول.

"لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا… لا يمكن."

لكن في أعماقي، كنتُ أعرف أن شيئًا ما قد تغيّر. الأحلام لم تعد مجرد أحلام. وسايلوس لم يعد مجرد ظلٍّ في لياليّ.

بين الحلم والواقع… أين الحقيقة؟

في تلك الليلة، لم أستطع النوم. جلستُ في سريري، أحدق في السقف المظلم، أراقب الظلال التي تتراقص مع ضوء المصباح الخافت. كنتُ أفكر في كل شيء، في الأحلام، في ظهوره في عالمي، في كلماته التي لا تزال عالقةً في ذهني.

"أنا هنا."

لماذا قال ذلك؟ هل كان يحاول إخباري بشيء؟

تملكني إحساسٌ غريب، كأنني كنتُ على وشك اكتشاف سرٍّ كبير، سرٍّ يغير كل شيء. نهضتُ من سريري، وسرتُ نحو المرآة مرة أخرى، أشعر بأنني إن نظرتُ جيدًا، سأراه.

وقفتُ هناك، أحدّق في انعكاسي، أبحث عن أي علامة، أي إشارةٍ تدل على وجوده.

ثم، رأيتُه....

لم يكن خلفي هذه المرة، بل كان يقف داخل المرآة، كأنه عالمٌ آخر يمتد خلف الزجاج. كانت عيناه مسمرتين على عينيّ، وكان وجهه يحمل تعبيرًا جادًا، كأنما كان يحاول إخباري بشيء بالغ الأهمية.

"لا تستيقظي."

همس بها بصوتٍ خافت، لكنه اخترقني كأنّه رسالة محفورةٌ في أعماقي.

ارتجفتُ.

"ماذا تقصد؟" همستُ بدوري، لكن لم يكن هناك جواب. فقط ظله في المرآة، ينظر إليّ بثبات، وكأنه يحاول أن يحفر صورته في ذهني قبل أن يتلاشى.

ثم، في لحظة، اختفى.

لم يكن لدي وقت للتفكير. فجأةً، شعرتُ بدوارٍ حاد، وكأن الأرض تميل تحت قدمي. حاولتُ التمسك بشيء، لكنني شعرتُ بجسدي يسقط… أو ربما، كان العالم من حولي هو من يسقط.

الظلام اجتاحني.

وحين فتحتُ عينيّ مجددًا، كنتُ في مكانٍ آخر.

مكانٌ أعرفه جيدًا.

عالم سايلوس....

لا أستطيع التنفس.

كأنني فقدت كل الهواء .

تقع عيني عليه اخيرا واقفا هناك. ينضر لي بعيون متألمه .. مددت يدي له لعلي استطيع مسكهه لكني لا أشعر بشيء

افقد حواسي تدريجيا .. ويحيط الظلام بي مره اخرى

أفتح عيني على ظلام الغرفة، أنفاسي متقطعة، وقلبي يطرق ضلوعي بجنون. يدي ترتجف وأنا أرفعها لأمسح العرق البارد عن جبيني. هذا لم يكن حلمًا… لا يمكن أن يكون مجرد حلم.

لقد رأيته.

سايلوس.....

كان أمامي، أقرب من أي مرة مضت. لا ضباب، لا تشويش. رأيت ملامحه بوضوح، نظراته التي لم تفارقني، وكأنها تخترق روحي. لم يتكلم… لم يكن بحاجة لذلك. كنت أشعر به، كما لو أن حضوره امتد من الحلم إلى الواقع، كما لو أن الهواء بيننا كان مشحونًا بشيء لا أفهمه.

مددت يدي نحوه… لكنه اختفى. تبخر كأن يدي اخترقت الفراغ.

شهقت وأنا أجلس في سريري، أضغط يدي على صدري لأهدئ دقات قلبي. الغرفة من حولي هادئة، لكنها تبدو غريبة، كأنها ليست غرفتي، كأن شيئًا من الحلم لا يزال عالقًا هنا.

أقف وأتجه نحو النافذة. أحتاج للهواء، لأي شيء يجعلني أستعيد اتزاني. لكن حتى عندما يلفحني البرد، لا يهدأ شيء في داخلي. هذا لم يكن مجرد حلم. أعلم ذلك.

شيء ما يحدث. شيء يتجاوز حدود الأحلام.

وقفت أمام النافذة، أحدق في المدينة النائمة تحت الأضواء الخافتة. الشوارع في هذه الساعة تكاد تكون خالية، لا شيء سوى أضواء المصابيح التي ترسم ظلالًا طويلة على الأرصفة. المدينه هادئة كما اعتادت، لكن داخلي؟ داخلي أشبه بعاصفة لا تهدأ.

أمرر أصابعي على زجاج النافذة البارد، أحاول استيعاب ما حدث. لم يكن هذا مجرد حلم عابر، لم يكن مشهدًا ضبابيًا يختفي مع أولى لحظات الاستيقاظ. لقد رأيته… شعرت به. حتى الآن، لا يزال صداه يتردد داخلي، كأنه ترك أثرًا لا يمكن محوه.

لكن هذا مستحيل.

أهز رأسي وأضغط بأصابعي على صدغي، أحاول طرد هذا الإحساس. ربما مجرد أوهام؟ ربما لأنني فكرت فيه كثيرًا، أصبح جزءًا من أحلامي؟ لكن… متى فكرت فيه كثيرًا؟

أتراجع عن النافذة وأتجه نحو سريري. أحتاج للنوم، لكنني أعرف أن النوم لن يأتي بسهولة هذه الليلة.

رائحة المعقمات والمواد الكيميائية تملأ أنفي، صوت الأجهزة يعمل في الخلفية، والأوراق متناثرة على الطاولة أمامي. العمل في المختبر داخل المستشفى يجعلني معتادة على هذه الأجواء، لكن اليوم كل شيء يبدو أبطأ، وكأن عقلي يرفض التركيز.

كل شيء حولي يبدو بعيدًا. كأنني أنظر إلى العالم من خلف زجاج ضبابي.

"تونه، هل أنتِ بخير؟"

أرفع رأسي بسرعة نحو صوت سارا صديقتي. كانت تنظر إلي بقلق، حاجباها معقودان وهي تميل برأسها قليلًا. أومئ بسرعة، أحاول رسم ابتسامة مطمئنة.

"أنا بخير، فقط لم أنم جيدًا."

تتأملني للحظة قبل أن تضع يديها على خصرها، عيناها تضيقان بشك. "هذا واضح. وجهك شاحب، وعيناك متورمتان. كأنكِ رأيتِ… لا أعلم، شيئًا مرعبًا؟"

أكتم ابتسامة مرهقة. شيء مرعب؟ لا، لم يكن رعبًا… لكنه لم يكن طبيعيًا أيضًا.

"مجرد كوابيس سخيفة."

أقولها وأنا أعود إلى العمل، محاولة إنهاء المحادثة. لكن داخلي يعرف… هذا ليس كابوسًا.

شيء ما يحدث، وأنا عالقة في منتصفه.

علامات على الجسد

عندما أنهيت مناوبتي وعدت إلى المنزل، شعرت وكأنني أجرّ نفسي. كل خلية في جسدي تطلب النوم، لكنني أخاف مما قد أراه إذا استسلمت.

أتوجه إلى الحمام، أفتح صنبور الماء البارد وأغسل وجهي، علِّي أستعيد تركيزي. لكن ما أراه في المرآة يجعلني أتجمد.

هناك علامة حمراء على معصمي.

أحدق فيها، أرفع يدي وألمسها برفق. ليست خدشًا، ولا كدمة… كأن أحدًا أمسك بي بقوة.

بلحظة، يعود الحلم إلى ذهني كالسهم. عندما كنت في ذلك المكان الغريب، عندما رأيت سايلوس… حين اختفى، كنت قد مددت يدي نحوه.

لا، لا يمكن أن يكون هذا… لا يمكن أن يترك الحلم أثرًا على جسدي!

أتراجع ببطء، أغمض عيني، أحاول إقناع نفسي أنني متعبة فقط، أنني ربما اصطدمت بشيء أثناء النوم ولم ألاحظ.

لكن أعماقي تهمس بشيء آخر.

هذا ليس من الواقع.

بين النوم واليقظة

أرتمي على سريري، أحدق في السقف، وأخذ نفسًا عميقًا. لا جدوى من المقاومة.

أغمض عيني… وأترك نفسي تنجرف.

أفتح عيني.

لكنني لست في غرفتي.

أجد نفسي واقفة في ممر طويل، الجدران داكنة، الإضاءة خافتة جدًا وكأن الضوء نفسه متردد في التواجد هنا. أشعر ببرودة المكان، برودة غير طبيعية، كأن الهواء نفسه مشبع بالرهبة.

"أخيرًا، جئتِ."

صوته يأتيني من الظلام. لا أراه، لكنني أعرفه.

سايلوس.

ألتفت بسرعة، أحاول رؤيته، لكن كل ما يحيطني هو الفراغ.

"أين أنت؟"

"أنا هنا منذ البداية. لكن السؤال هو… هل أنتِ مستعدة لرؤية الحقيقة؟"

2025/05/11 · 12 مشاهدة · 1302 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025