أشعر بجسدي يتصلب. "أي حقيقة؟ ما الذي يحدث؟"

يتردد صوته، كأن المكان كله يردد كلماته. "لقد بدأ كل شيء الآن، تونه. ولم يعد لديكِ خيار سوى مواجهته."

فجأة، يضيء المكان بانفجار من الضوء، وكأنني انزلقت خارج جسدي للحظة. أرى لمحات… مشاهد متقطعة… ظلال تتحرك، وجوه مشوشة، أصوات بعيدة…

ثم—

أشعر بيد تلمس معصمي، بقوة، بنفس المكان الذي ظهرت عليه العلامة.

أصرخ، وأفتح عيني.

أنا في سريري.

الهواء في غرفتي ثقيل، كأنني تركت جزءًا مني هناك، في ذلك المكان الغريب.

أخفض نظري إلى معصمي… والعلامة هناك. أقوى. أعمق.

ثم أرى شيئًا يجعل الدم يتجمد في عروقي.

على طرف يدي، هناك خط داكن… ليس مجرد علامة، بل شيء يشبه الحروف… حروف لم أرها من قبل، لكنها… تبدو وكأنها اسم.

اسمه."سايلوس"

حدّقتُ بالاسم المنقوش على طرف يدي، أنفاسي تتسارع. لم يكن مجرد خدش عابر أو وهم بصري، كان هناك، واضحًا، وكأنه حُفر في جلدي بطريقة لا أفهمها.

مررتُ أصابعي عليه ببطء، أتحسس ملمسه، لكنه لم يكن بارزًا. لم يكن جرحًا أو ندبة… كان أشبه بشيء يتخللني، يندمج معي.

ماذا يعني هذا؟ هل أنا… ملك له؟ هل هذه علامة ملكية؟ لعنة؟ تحذير؟

شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي. كيف يمكن أن يصبح شيء من حلم واقعًا ملموسًا؟ كنت أعتقد أن الحدود بين عالمي وعالمه غامضة، لكن لم أتخيل أبدًا أن شيئًا من هناك قد يعلق بي هنا.

أخذت نفسًا مرتجفًا، ثم نهضتُ من سريري بسرعة. يجب أن أفعل شيئًا.

غسلتُ يدي بعنف، لكن الحروف لم تختفِ. فركتُها بأصابعي حتى احمر جلدي، لكنها ظلت هناك، وكأنها جزء مني الآن.

بلعتُ ريقي، ونظرتُ لنفسي في المرآة. عيناي واسعتان، وجهي شاحب. لكن هناك شيء آخر. شيء لم ألاحظه منذ لحظات.

عينيّ…اتسعت عيناي أكثر وأنا أدرك التغير الطفيف فيهما. اللون، بريق خافت غريب، كأن هناك ظلًا آخر يسكن داخلي.

تراجعتُ خطوة، وكأنني أهرب من نفسي.

ثم......

"أخيرًا لاحظتِ."

تجمدتُ في مكاني.

الصوت لم يكن في رأسي.

كان في الغرفة.

استدرتُ ببطء، ولم يكن هناك أحد. لكنني شعرت به. لم يكن مجرد إحساس، بل يقين.

"سايلوس؟" همستُ باسمه، وصداي أجابني كأنني نطقتُه من عالمين مختلفين في الوقت نفسه.

"ألم أخبركِ أن كل شيء بدأ الآن؟"

ضغطتُ على صدغيّ، أتنفس بصعوبة. "ماذا فعلتَ بي؟"

ضحك بصوت خافت، ضحكة تحمل ثقلًا غريبًا، وكأنها جاءت من مكان بعيد جدًا.

"أنا لم أفعل شيئًا… أنتِ من عبرتِ الباب، تونه."

ارتجفتُ. الباب؟ أي باب؟ هل يقصد ذلك الضوء؟ هل يقصد الحلم؟

شعرتُ بدوار، كأنني عالقة بين حقيقتين.

"لا أفهم…"

"ستفهمين قريبًا."

كانت كلماته هي آخر ما سمعته قبل أن ينقطع الصوت فجأة، تاركًا الغرفة في صمت خانق.

لكنني كنت أعلم أنه لم يرحل حقًا.

في اليوم التالي.

ذهبتُ إلى العمل كما لو أن شيئًا لم يحدث، لكن داخلي كان يعج بالفوضى. كل مرة أنظر إلى يدي، أشعر بشيء غريب، بشيء يتغير داخلي ببطء.

كنت في المختبر، أحاول التركيز على فحص العينات، لكن عيني استمرتا في الانحراف نحو زملائي. لا أعلم لماذا، لكنني بدأت أشعر أنني أراهم بطريقة مختلفة. كأنني… ألاحظ أشياء لم أكن ألاحظها من قبل.

تعابير وجوههم، نبض عروقهم، حتى تنفسهم…

شعرتُ بانقباض في صدري. ماذا يحدث لي؟

أغمضتُ عينيّ للحظة، ثم فتحتهما مجددًا، محاوِلة تجاهل كل هذا. لكن عندما رفعتُ رأسي، رأيتُ شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقي.

على الزجاج الفاصل بين المختبر والممر…

كان هناك اسم مكتوب… بالبخار.

"تونه."

لم يلمس أحد الزجاج. لم يكن هناك أحد في الجهة الأخرى.

لكنني كنت واثقة… أنني لم أعد وحدي.

حدّقتُ في اسمي المكتوب على الزجاج، أنفاسي محبوسة.

لم يلمسه أحد. لم يكن هناك أحد.

لكنني كنت واثقة… أنني لم أعد وحدي.

شعرتُ بنبضات قلبي تتسارع، يديّ تتعرقان رغم برودة الغرفة. لم أستطع النظر بعيدًا، وكأن اسمي كان مغناطيسًا يسحبني نحوه. حاولتُ إقناع نفسي بأنه مجرد وهم، أن الفرق في درجة الحرارة هو ما صنع هذا البخار، لكنه لم يختفِ.

بل على العكس، بدأ يتغير.

الحروف بدأت تتمدد… تتحرك… كأن أحدًا كان يعيد كتابتها من الجهة الأخرى.

ثم، ببطء، بدأ الاسم يتلاشى، وحلّ محله شيء آخر.

"استيقظي."

شهقتُ وتراجعتُ للخلف حتى اصطدمتُ بالطاولة. أحد زملائي التفت نحوي، حاجباه معقودان. "هل أنتِ بخير؟"

أومأتُ بسرعة، لكن صوتي لم يخرج. كيف يمكن أن أكون بخير؟ لم يكن هذا طبيعيًا، لم يكن…

بلعتُ ريقي، نظرتُ إلى الزجاج مرة أخرى، لكنه كان فارغًا. كأن شيئًا لم يكن.

لكني كنت أعلم أنني لم أتخيل ذلك.

"استيقظي."

هذه الكلمة… لم تكن مجرد رسالة عابرة. كانت تحذيرًا.

في تلك الليلة

لم أستطع النوم بسهولة. كنت أستلقي على السرير، أحدق بالسقف، عقلي يكرر ما رأيته اليوم.

استيقظي.

ماذا يعني ذلك؟ هل أنا في حلم الآن؟ هل كان يقصد أنني غارقة في شيء لا أفهمه؟

أغمضتُ عينيّ، أحاول إجبار نفسي على النوم.

لكن هذه المرة، لم أسقط في الظلام المعتاد.

لم أشعر بذلك الانسحاب البطيء من الواقع.

بل حدث الأمر فجأة.

كأنني قفزتُ من جسدي إلى عالم آخر.

عندما فتحتُ عينيّ، كنت في مكان مختلف تمامًا.

الأضواء خافتة، الجو مشحون برائحة الدم والبارود.

وسايلوس كان هناك.

لكنه لم يكن وحده.

كان محاطًا برجاله، وأمامهم وقف شخص آخر… شخص جعل معدتي تنقبض من الصدمة.

انا؟!

لقد كنت انضر الى نفسي!

"أخيرًا جئتِ."

الصوت خرج من شفتيها—من شفتيّ.

كانت تشبهني تمامًا، لكنها لم تكن أنا. لا، لم يكن الأمر مجرد انعكاس. هذه… كانت نسخة أخرى مني، تقف هناك، تتنفس، تنظر إليّ وكأنني الدخيلة هنا.

تقدمتُ خطوة، لكن سايلوس رفع يده، مشيرًا لي بالتوقف.

"لا تتحركي."

نظرتُ إليه، عينيّ تبحثان عن إجابة. "ما الذي يحدث هنا؟ من هذه؟"

الأخرى ابتسمت، ابتسامة بطيئة تحمل شيئًا غريبًا، شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقي.

"أنا؟" مالت برأسها قليلًا، نظرتها ساخرة. "أنا أنتِ، تونه."

شعرتُ بصداع حاد، كأن رأسي ينفجر من الداخل. الصور اختلطت، الذكريات تشوشت. لا… لا يمكن…

"تعتقدين أنكِ أنتِ الأصلية؟"

كان هذا نفس ما فكرتُ فيه منذ ساعات، لكن سماعه بصوتي أنا جعل الأمر أكثر رعبًا.

نظرتُ إلى سايلوس، وكأنه يملك الإجابة. لكنه لم يقل شيئًا. فقط راقبنا بصمت.

وكأن الإجابة… يجب أن تأتي مني.

حدّقتُ في الأخرى، شعور ثقيل يضغط على صدري. لا يمكن أن تكون أنا. هذا مستحيل.

لكنها كانت هناك، تتنفس، تنظر إليّ بثقة وكأنها تملك الحقيقة التي أجهلها.

"أنتِ لستِ أنا." نطقتُ بالكلمات ببطء، كما لو أنني أحاول إقناع نفسي قبلها.

الأخرى رفعت حاجبها، ضحكت بصوت منخفض. "أوه، لكنني أنا، تونه. وربما…" تقدمت خطوة، عيناها تلمعان بلون غريب، مألوف. "أنا أكثر منكِ مما تظنين."

شعرتُ بدوار، كأن الأرض تحت قدميّ تهتز. التفتُّ إلى سايلوس، يديّ مشدودتان إلى جانبي، أنفاسي ثقيلة.

"قل شيئًا!" صرختُ، عجزتُ عن تحمل صمته أكثر.

لكنه لم يتزحزح. فقط رمقني بنظرة باردة، قبل أن ينطق بهدوء مخيف:

"الوقت لم يعد في صالحكِ، تونه."

2025/05/12 · 6 مشاهدة · 1033 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025