"لقد لمستَ شيئًا لم يكن يجب عليك لمسه، رافاييل."
للحظة واحدة فقط، رأيتُ تعبيرًا مختلفًا يعبر وجه رافاييل.
شيء يشبه الحذر… أو ربما إدراكًا متأخرًا بأنه قد ذهب أبعد مما يجب.
لكنه اختفى بسرعة، واستبدله بابتسامة صغيرة.
"حسنًا، حسنًا، الجميع هنا متوترون جدًا. ربما علينا جميعًا أن نهدأ، نتحدث، نأخذ كوبًا من الشاي؟"
"اقطع هذا الهراء." قال كايلب بحدة،ثم نظر إليّ. "هل تشعرين بأي شيء… غير طبيعي الآن؟"
شعرتُ بوخزة باردة داخل معدتي، ثم أدركتُ أنني كنتُ لا أزال أختنق بشعور العطش الذي لم يكن طبيعيًا.
"أنا…" توقفتُ للحظة، ثم قلتُ بصوت ضعيف: "أحتاج إلى الماء."
"أوه، صحيح!" قال رافاييل، صافعًا جبهته وكأنه تذكر فجأة شيئًا مهمًا. "كنتُ أنسى أن أذكر هذه النقطة الصغيرة."
"أي نقطة؟" سألتُ، لكنني كنتُ متأكدة أنني لن أحب الإجابة.
"حسنًا…" امال راسه ثم ابتسم كما لو كان يخبرني بأمر بسيط. "من الآن فصاعدًا، ستجدين أن جسمكِ يحتاج إلى البقاء قريبًا من الماء. بعيدًا عنه ستشعرين بالضعف، وربما حتى الألم."
كايلب شتم بصوت منخفض، وسايلوس لم يتحرك، لكنني شعرتُ بالهواء من حوله يصبح أكثر حرارة.
أما أنا؟
فقد شعرتُ بالدماء تتجمد في عروقي.
"إلى متى؟" همستُ.
ابتسم رافاييل. "إلى الأبد."
شعرتُ بأنني على وشك السقوط.
لم أعد أملك دورة حياة بشرية. لم أعد أستطيع الابتعاد عن الماء. لم أعد أستطيع الشعور كما في السابق.
ورافاييل… أصبح متصلاً بي بطريقة لا أستطيع فهمها بالكامل.
هذا لم يكن مجرد ثمن.
هذا كان لعنة.
ساد الصمت للحظات بعد كلمات رافاييل الأخيرة، لكنني لم أكن بحاجة إلى سماع المزيد.
كل شيء كان واضحًا.
هذا لم يكن مجرد تغيير… بل كان تحولًا لا رجعة فيه.
لكن قبل أن أستوعب كل شيء، شعرتُ بشيء آخر.
شيء أكثر ظلامًا.
الهواء في الغرفة أصبح ثقيلًا.
وكأن شيئًا كان يستعد للانفجار.
التفتُ ببطء، وعندها رأيته
سايلوس.
كان لا يزال واقفًا هناك، في نفس المكان الذي كان فيه منذ البداية.
لكنه لم يكن كما كان قبل لحظات.
الهالة من حوله كانت مختلفة.
كانت أكثر قتامة. أكثر خطورة.
شعرتُ كما لو أن المكان كله بدأ يفقد ملامحه، كأن الظلال نفسها بدأت تتحرك حوله.
ثم… تحدث.
لكن صوته لم يكن كما اعتدته.
كان أعمق. أشد.
"رافاييل."
كان مجرد نطق اسمه كافيًا ليجعل الجو يبرد فجأة.
رافاييل، الذي كان حتى الآن يستمتع بكونه نجم العرض، توقف للحظة، ثم أدار رأسه إليه.
ابتسم، لكنه لم تكن تلك الابتسامة المسترخية المعتادة.
بل كانت أقرب إلى التوتر المخفي خلف قناع اللامبالاة.
"أوه، هل قررتَ أخيرًا الانضمام إلينا، سايلوس؟ كنتُ أعتقد أنك ستبقى في الخلف تراقب فقط، كعادتك."
سايلوس لم يتحرك، لكنه كان ينظر إليه بطريقة جعلتني أشعر بقشعريرة حادة.
"ما الذي فعلته بها؟"
كانت نبرته هادئة… هادئة جدًا.
ورافاييل؟
كعادته، لم يكن مهتمًا بالأسئلة المباشرة.
"أوه، عزيزي، لماذا هذا الغضب؟ أليست تونه الآن أكثر قوة مما كانت عليه من قبل؟"
لكنني شعرتُ به.
شعرتُ بالغضب الذي كان يتصاعد داخل سايلوس، كما لو أنه كان يحاول السيطرة عليه بصعوبة.
ثم، فجأة…
اختفى.
لم يكن هناك.
لحظة واحدة كان أمامي، وفي اللحظة التالية… لا شيء.
رافاييل تجمد للحظة، لكن قبل أن يتمكن حتى من الاستدارة—
تحطم الجدار.
لم يكن مجرد تحطم بسيط.
لقد كان انفجارًا.
وكأن قوة غير مرئية قد دفعت الجدار بأكمله للخارج، مما جعل شظايا الخرسانة تتطاير في كل اتجاه
ثم… رأيته.
سايلوس كان يقف في وسط الغبار، عيناه الحمراوان تتوهجان بشراسة لم أرها من قبل.
كان جسده مشحونًا بطاقة قاتمة، كأن الظلال نفسها كانت تتحرك من حوله، تلتف حوله كما لو كانت امتدادًا له.
وفي اللحظة التالية، تحرك.
بسرعة غير بشرية.
لم أتمكن حتى من تتبع حركته بالكامل، لكنه كان قد وصل إلى رافاييل في ثانية واحدة، و—
انفجار آخر.
هذه المرة، لم يكن الجدار هو الذي تحطم.
بل كان رافاييل نفسه.
أو بالأحرى، المكان الذي كان يقف فيه قبل لحظة.
لأنه في اللحظة التي رفع فيها سايلوس يده، تحطمت الأرضية تحته، مما جعل الهواء من حولنا يهتز بطاقة مرعبة.
لكن رافاييل لم يكن هناك.
ظهر على الجانب الآخر من الغرفة، جسده لا يزال سليمًا، لكنه لم يكن يبتسم هذه المرة.
"أوه، هذا لم يكن لطيفًا على الإطلاق." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل نبرة حذرة لأول مرة.
سايلوس لم يرد.
لم يكن بحاجة لذلك.
لأن الظلال من حوله كانت تتحدث نيابة عنه.
كل جزء من جسده كان ينبعث منه شيء يشبه الطاقة الحية، وكأن الغضب نفسه قد تحول إلى شكل مادي.
كايلب، الذي كان يراقب بصمت، بدا متوترًا للحظة، لكنه لم يتحرك.
أما أنا؟
شعرتُ… بالخوف.
ليس من سايلوس نفسه، بل من القوة التي كان يمتلكها.
من ما كان يمكنه فعله.
ثم، قبل أن يتحدث أحد آخر، سمعنا صوتًا آخر.
تصفيق.
بطيء.
منتظم.
التفتنا جميعًا، وعندها رأيته.
والدي.
كان واقفًا هناك، ينظر إليّ كما لو أنني كنتُ لوحة فنية رائعة.
ثم قال، بصوت بارد كعادته:
"مذهل."
شعرتُ بدمائي تتجمد.
"أبي…" همستُ، لكنني لم أكن متأكدة مما كنتُ سأقوله.
اقترب بخطوات هادئة، ثم نظر إليّ كما لو أنني لم أكن ابنته، بل… مشروع ناجح.
"كنتُ أعلم أن التجربة ستنجح، لكنني لم أتوقع أن تكون بهذه الروعة."
كايلب تصلب مكانه، وسايلوس التفت إليه ببطء، لكن والدي لم يهتم بأي منهما.
كان ينظر إليّ.
وكأن ما حدث لم يكن كارثة… بل انتصار.
شعرتُ بشيء داخلي يتحطم.
"كنتَ تعرف؟" همستُ، صوتي بالكاد كان مسموعًا.
والدي رفع حاجبه، وكأنه لم يفهم لماذا كنتُ مصدومة.
"بالطبع."
شعرتُ بأنفاسي تتسارع. "أنتَ… أنتَ خططتَ لهذا؟"
"ليس بالكامل." قال ببساطة، ثم أضاف ببرود: "لكنني كنتُ مستعدًا لكل الاحتمالات. والآن، انظري إلى نفسكِ، تونه. لقد أصبحتِ أعظم ما صنعتُه على الإطلاق."
لم أستطع الرد.
لم أستطع حتى التنفس.
لأنني أدركتُ الحقيقة.
بالنسبة له، لم أكن ابنته.
كنتُ مجرد تجربة علمية ناجحة.
ارتفعت أصداء الانفجارات في المكان، الجدران تتشقق، الأرضية تهتز تحت أقدامنا.
الحرب بدأت.
سايلوس ورافاييل كانا يلتفان حول بعضهما مثل قوتين متضادتين، واحدة تتغذى من الظلال، والأخرى من البحر.
كل ضربة، كل حركة، كانت تترك أثرًا مدمرًا في المبنى بأكمله ، وكأن العالم نفسه لم يعد قادرًا على تحمل وجودهما معًا.
كايلب لم يقف مكتوف اليدين.
رأيته يندفع نحو رافاييل، عينيه مشتعلة بغضب لم أره فيه من قبل، وكأن كل شيء مكبوت داخله قد انفجر أخيرًا.
لكنني؟
لم أكن قادرة على التحرك.
كنتُ لا أزال واقفة هناك، أنظر إلى والدي الذي كان يتحدث بهدوء، وكأن ما يحدث حوله لا يعنيه.
"هذا رائع." تمتم، وكأن المشهد أمامه كان عرضًا علميًا مذهلًا.
شعرتُ بشيء بارد يزحف في داخلي.
"أنتَ…" بدأتُ، لكنني لم أجد الكلمات.
التفت إليّ، نظراته لم تكن مليئة بالحزن، أو الخوف، أو حتى القلق.
بل كانت فخورة.
"كنتُ أعرف أن هذه التجربة ستكون ناجحة، لكن رؤيتكِ هكذا…" ابتسم بخفة، ثم أضاف بصوت ناعم لكنه مشبع بالسلطة: "لقد أصبحتِ شيئًا أعظم مما توقعتُ."
شعرتُ بالدماء تغلي في عروقي.
"أنا لستُ تجربة!" صرختُ، لكن صوتي خرج ضعيفًا أكثر مما أردت.
"بالطبع أنتِ كذلك." قال ببساطة. "ولكن هذا ليس شيئًا سيئًا، تونه. على العكس تمامًا، لقد فتحتِ لنا بابًا جديدًا. الإمكانيات التي يمكننا استكشافها الآن لا حصر لها."
رفعتُ يدي إلى رأسي، شعرتُ بالغثيان. لم يكن فقط بسبب كلماته… بل بسبب شيء آخر.
أحتاج إلى الماء.
لكن لم يكن هناك شيء قريب.
أشعر أن حلقي يحترق، أن جلدي بدأ يجف، أن شيئًا في داخلي ينهار ببطء.
لكن والدي لم يكن يهتم.
"بمجرد أن تستقر حالتكِ، لدينا مهام لنجهزكِ لها. هناك عوالم أخرى تحتاج إلى كائن مثلكِ، تجارب خارج الأكوان… أنتِ ستكونين نموذجًا مثاليًا."
شعرتُ بأنفاسي تتقطع.
"تجارب… خارج الأكوان؟"
"أنتَ تتحدث عني وكأنني مجرد أداة." قلتُ، صوتي بالكاد خرج.
"لأنكِ كذلك." قالها بلا تردد. "وأفضل الأدوات هي التي يتم استخدامها بالشكل الصحيح."
شعرتُ بقشعريرة تجتاحني، لكن ليس بسبب كلماته فقط.
بل بسبب الألم الذي بدأ يتصاعد في داخلي.
كان كل شيء يصبح ضبابيًا، أصوات القتال أصبحت بعيدة، كأنني كنتُ أُغرق ببطء في بحر لا نهاية له.
جسدي ينهار.
حاولتُ أن أخطو خطوة للأمام، لكن قدميّ لم تتحركا.
أشعر أن الهواء أصبح ثقيلًا، أن رؤيتي بدأت تتلاشى.
ثم…
سعلتُ.
لكن لم يكن مجرد سعال.
كان هناك شيء دافئ في فمي.
نظرتُ للأسفل…
رأيتُ الدم.
كل شيء تجمد.
حتى القتال، حتى الصرخات، حتى الفوضى.
رأيتُ سايلوس يتوقف فجأة، الظلال من حوله تنكمش، وكايلب يحدق بي بعينين متسعتين، ورافاييل…
للمرة الأولى، لم يكن يبتسم.
لكنني لم أتمكن من رؤية المزيد.
لأن العالم كله… أصبح أسود.
ثم…
سقطتُ.