"لقد استعدتُ ذاكرتي، سايلوس."

لم يتحرك.

لم يبطئ السيارة.

لكنه لم يتجاهل كلماتي أيضًا.

رأيته، من زاوية عيني، كيف اشتدت أصابعه حول المقود، كيف تغيرت طريقة جلوسه قليلاً، كأن جسده كله انتبه لما قلته.

مرّت بضع ثوانٍ من الصمت، قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه محمّل بشيء ثقيل:

"كل شيء؟"

أدرتُ رأسي نحوه، نظرتُ إليه مباشرة، وقلتُ:

"كل شيء."

لم يكن هناك مفاجأة على وجهه.

لم يكن هناك ارتباك.

كان هناك فقط… استيعاب.

وكأنه كان يعرف أن هذه اللحظة ستأتي، لكنه لم يكن متأكدًا متى أو كيف.

ثم، أخيرًا، تحدث.

"إذن… تذكرين من كنتِ قبل....؟"

شعرتُ بقشعريرة خفيفة تمر في داخلي، ليس بسبب السؤال نفسه، بل بسبب الحقيقة التي كنتُ أدركها الآن.

"أنا لا أعتقد أن هناك ‘قبل’ و‘بعد’، سايلوس." قلتُ، بصوت هادئ لكنه ثابت. "أنا كنتُ دائمًا أنا. سواء كنتُ تلك الفتاة التي اتبعت أوامر والدها دون سؤال، أو الفتاة التي عاشت في عالم مزيف لخمس سنوات… أو الفتاة التي تجلس بجانبك الآن."

التفتَ إليّ أخيرًا، عيناه الحمراوان تراقبان وجهي، تدرسان كل تفصيلة، وكأنه كان يحاول أن يرى إذا كنتُ أختلف الآن عن الفتاة التي عرفها من قبل.

"لكن الآن، أنتِ تتذكرين كل شيء."

أومأتُ.

"تذكرين كل شيء عني؟"

توقفتُ للحظة، ثم نظرتُ إليه، وقلتُ ببطء:

"أنتَ آخر شخص قد أنساه، سايلوس."

مرّت لحظة طويلة من الصمت بيننا، لكن لم يكن صمتًا فارغًا.

كان مليئًا بكل شيء لم نقله، بكل شيء لم يكن يحتاج إلى أن يُقال.

ثم، أخيرًا، ابتسم سايلوس تلك الابتسامة الصغيرة التي لم يكن أحد يستطيع تفسيرها، وقال:

"حسنًا إذًا… لنرَ كيف ستتعاملين مع العالم الآن، بعد أن عادت إليكِ الحقيقة."

لم أكن متأكدة متى توقفنا.

لكنني كنتُ متأكدة من شيء واحد—أنني كنتُ بين ذراعيه.

رأسي مستند إلى صدره، أشعر بحركته مع كل نفس يأخذه، بنبضات قلبه التي كانت منتظمة رغم كل شيء مررنا به.

عندما فتحتُ عينيّ، وجدتُ أننا وصلنا.

القلعة.

بخطوات ثابتة، عبر سايلوس الممرات الطويلة، متجاهلًا نظرات الخدم والحراس، الذين وقفوا فور رؤيته.

لم يبالِ بأي شيء حوله.

كل ما فعله هو أنه استمر في المشي، يحملني وكأنني لم أكن ثقيلة، وكأنني كنتُ شيئًا مألوفًا بين يديه.

وكأنني… أنتمي هنا.

وصل إلى باب جناحي الخاص، دفعه بقدمه، ثم دخل مباشرة.

كانت الغرفة كما تركتها.

واسعة، كانت باللون الأبيض فقط، مختلفة تمامًا عن بقية القلعة التي كان الأسود والأحمر يسيطران عليها.

لم تكن تبدو وكأنها جزء من هذا المكان، لكنها كانت كذلك.

كنتُ كذلك.

وضعني على السرير بلطف، جعلني أستلقي تحت الأغطية، ثم جلس بجانبي، مرفقه مستند على ركبته، وعيناه تراقبان وجهي.

رأيتُ كيف تفحصني للحظة، كيف كان يدرسني كما لو أنه كان يبحث عن شيء ما، عن أي أثر لما حدث لي.

ثم… ابتسم.

ابتسامة لم تكن ساخرة بالكامل، لكنها لم تكن جادة أيضًا.

"أعتقد أنني سأضطر لتغيير ديكور هذه الغرفة."

لم أرد، فقط نظرتُ إليه بصمت.

لكنه لم يكن ينتظر ردّي أصلًا.

أشار بيده إلى الجدران، إلى الأثاث، وقال بصوت مبالغ فيه:

"أقصد… الأبيض فقط؟ فعلًا؟ أعلم أنكِ كنتِ تحبين هذا، لكن تونه، أنتِ الآن شيء آخر. أعتقد أننا بحاجة إلى إضافة بعض… الماء هنا وهناك، بما أنكِ أصبحتِ حورية البحر الخاصة بنا."

ابتسمت على تعليقه مجاملةً

لو كنتُ ما زلتُ أشعر، كنتُ سأضحك.

لكنني لم أكن كذلك.

رغم ذلك، كان جزء مني يعرف أنه كان يحاول.

يحاول أن يجعل الأمر يبدو أقل سوءًا، أن يبقي على شيء طبيعي وسط كل شيء غير طبيعي يحدث لي.

لهذا، حتى لو لم أكن أشعر…

فقد كنتُ أقدر ذلك.

"لا تقلق." قال فجأة، وكأنه قرأ أفكاري. "سأجد طريقة لإعادتكِ كما كنتِ."

نظرتُ إليه للحظة، ثم همستُ، بصوت بالكاد سمعته بنفسي:

"ولكن… ماذا لو لم يكن هناك طريقة؟"

رأيتُ كيف توقفت ابتسامته، كيف تجمد للحظة، ثم استعاد ملامحه المعتادة بسرعة.

لم يجب على سؤالي.

لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك.

لأنني رأيتُ الإجابة في عينيه.

ظلّ سايلوس صامتًا للحظة، عينيه تحدقان في وجهي، كما لو أنه كان يحاول البحث عن شيء لم يكن متأكدًا من وجوده.

ثم، فجأة، تنهد، وانحنى قليلًا للأمام، مسندًا مرفقيه على ركبتيه.

"أتعلمين، تونه؟" قال بصوته المعتاد، ذلك المزيج من السخرية واللامبالاة المصطنعة. "لقد مررنا بالكثير، لكن هذه أول مرة أشعر فيها أنكِ أكثر غرابة من المعتاد."

رفعتُ حاجبي قليلًا. "أكثر غرابة؟"

أومأ، وعيناه تلمعان بذلك الضوء الذي لا أستطيع تفسيره. "نعم. في العادة، عندما أقول شيئًا سخيفًا عن ديكور غرفتك، كنتِ إما تهاجمينني بالكلمات، أو تنظرين إليّ وكأنكِ تريدين خنقي."

ابتسم نصف ابتسامة، لكنه لم تكن سعيدة حقًا. "أما الآن؟ أنتِ فقط… تبتسمين، دون رد فعل."

لم أعرف ماذا أقول.

لأن ما قاله كان صحيحًا.

أنا لم أعد أنا.

لكنني لم أكن شيئًا آخر أيضًا.

لمحتُ كيف أمال رأسه قليلًا، كما لو أنه كان يدرس تعابيري. ثم، بهدوء، قال:

"أكره هذا."

لم أكن بحاجة للسؤال ماذا يكره.

كنتُ أعرف.

لكنه لم يمنحني فرصة للتفكير أكثر، لأنه فجأة، رفع يده ولعب بخصلات شعري المبللة، صوته هادئ لكنه ثابت:

"لا يهم ما حدث، لا يهم كيف أصبحتِ الآن، هناك شيء واحد عليكِ تذكره دائمًا، تونه."

نظر إليّ مباشرة، وكلماته التالية خرجت ببطء، وكأنها وعد محفور في الزمن:

"أنا لن أترككِ وحدكِ. سواء كنتِ تكرهينني أم لا، سواء شعرتِ بذلك أم لا، لن أختفي."

مرّت لحظة طويلة من الصمت بيننا.

لكن رغم البرود الذي كان يسكنني…

شعرتُ بشيء ما.

ليس شعورًا كاملًا، ليس دفئًا حقيقيًا…

بل مجرد… ظلٌ من إحساس قديم.

كأنني كنتُ على وشك أن أشعر.

لكني لم أكن جاهزة لذلك بعد.

لذا، أغمضتُ عينيّ ببطء، واستسلمتُ للهدوء.

لكن حتى في ذلك الصمت، كنتُ أعرف أنني لستُ وحدي.

لأنني شعرتُ بوجوده بجانبي.

كما وعد.

ساد الصمت في الغرفة.

كان سايلوس لا يزال جالسًا بجانبي، ذراعيه متشابكتان، وملامحه تحمل تلك اللامبالاة المزيفة التي كان يجيد إظهارها.

لكنني كنتُ أعرف.

كنتُ دائمًا أعرف.

ورغم الفراغ الذي كنتُ أشعر به، لم يكن بإمكاني تجاهل سؤال واحد بدأ يتشكل في عقلي.

لذلك، بعد لحظة من الهدوء، قلتُ فجأة:

"ما الذي سيحدث من الآن فصاعدًا؟"

رأيتُ كيف رفع حاجبًا، كيف أدار رأسه نحوي ببطء، كأنه كان ينتظر هذا السؤال.

لكنني لم أكن أنظر إليه.

كنتُ أحدق في سقف غرفتي، عينيّ ثابتتان، أفكاري تحاول أن تستوعب ما حدث.

كايلب…" تمتمتُ، وكأنني كنتُ أحاول تذوق اسمه بعد استعادة ذاكرتي. "سيطرة رافاييل عليّ… وأيضًا، تدميرك للمبنى الرئيسي لمنظمة الأمن الفضائي؟"

التفتُّ إليه أخيرًا، لأجده ينظر إليّ بطريقة لا أستطيع تفسيرها.

ثم، بعد لحظة من الترقب، قال ببساطة:

"أوه، نعم، هذا. حسنًا، ربما… خطأ تكتيكي بسيط؟"

حدّقتُ به للحظة طويلة.

ثم قلتُ ببطء، وكأنني كنتُ أختبر الكلمات:

"خطأ تكتيكي بسيط؟ لقد دمّرتَ مقر المنظمة بالكامل."

أمال رأسه قليلًا، كأنه كان يفكر. "حسنًا، ليس بالكامل. بعض الأجزاء لا تزال قائمة… نوعًا ما."

زفرتُ ببطء، ضغطتُ أصابعي على جبهتي. "سايلوس…"

"تونه." قاطعني، نبرته مليئة بالبراءة المصطنعة.

نظرتُ إليه، وعندما رأى تعابيري، ضحك بهدوء، ثم مال نحوي قليلًا، كأنه كان يريد أن يخفف عني بطريقة ما.

"استمعي إليّ، كان الوضع فوضويًا، كنتِ تحت سيطرة رافاييل، كايلب كان يصرخ كعادته، ووالدكِ كان يراقب الأمر كما لو أنه يشاهد تجربة علمية ممتعة." أشار بيده بلا مبالاة. "لذلك، فعلتُ ما أفعله دائمًا—حسمتُ الأمور بطريقتي الخاصة."

"بطريقتك الخاصة؟" كررتُ، وكأنني لم أصدق ما كنتُ أسمعه.

"نعم، طريقتي الخاصة." قال بثقة، ثم ابتسم تلك الابتسامة التي كانت دائمًا تحمل مزيجًا من الغموض والتسلية. "وأنتِ لا تستطيعين إنكار أن الأمر كان فعالًا جدًا."

رغم كل شيء، رغم أنني لم أعد أستطيع الشعور كما كنتُ في السابق…

شعرتُ أنني أريد أن ألكمه.

"حسنًا، ماذا عن كايلب؟" قلتُ، محاوِلةً تغيير الموضوع.

"ماذا عنه؟"

"لقد كان غاضبًا بالفعل عندما تركته في المطعم، والآن، بعد كل هذا؟ لا أعتقد أنه سيكون سعيدًا جدًا."

"أوه، لا تقلقي بشأنه." لوّح بيده بلا اهتمام. "كايلب سيغضب، سيصرخ، وربما سيرسل لي بعض التهديدات الرسمية عبر المنظمة، ثم سينتهي به الأمر يعود إلينا كما يفعل دائمًا."

"وكيف يمكنك أن تكون واثقًا من ذلك؟"

"لأن كايلب، رغم كل شيء، لا يزال يرى نفسه مسؤولًا عنكِ بطريقة أو بأخرى." نظر إليّ نظرة جانبية. "كما أنني متأكد أنه لن يسمح لنفسه بخسارتكِ مجددًا، خاصة الآن بعد أن عدتِ."

لم أعلّق على كلماته، لكنني كنتُ أعرف أنه كان محقًا.

"وماذا عن رافاييل؟"

تغيرت أجواء الغرفة قليلًا عند ذكري اسمه.

رأيتُ كيف اشتدت ملامح سايلوس لجزء من الثانية، كيف تقلصت عيناه الحمراوان قليلًا قبل أن يعود إلى تعابيره اللامبالية.

"أوه، رافاييل العزيز." تمتم، وكأنه كان يتذوق الاسم بازدراء.

ثم ابتسم، لكنه لم تكن ابتسامته الساخرة المعتادة.

بل كانت… باردة.

"سأتعامل معه."

2025/06/03 · 2 مشاهدة · 1316 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025