أبعدتُ يدي عن يد سايلوس وكأنني صُعقت بالكهرباء، أنفاسي متقطعة، وقلبي يكاد يخرج من صدري.

سايلوس لم يبدُ مندهشًا. فقط راقبني بصمت، وكأنه كان يتوقع هذا.

"ماذا… كانت تلك؟" همستُ، بالكاد أجد صوتي.

"ذكرياتكِ."

هززتُ رأسي بعنف، أرفض التصديق. "لكنها ليست حقيقية! لم أعش هذه اللحظات من قبل، لا أتذكر هذه المرأة، أو ذلك الرجل، أو…" توقفتُ، يدي ترتجف.

لأنني كنتُ أكذب.

جزء مني… كان يعرف أنه لا يكذب.

جزء مني كان يتذكر.

سايلوس اقترب خطوة، صوته هادئ لكنه ثقيل بالمعاني:

"لطالما كنتِ تملكين حياتين، تونه."

ارتجفتُ. لم أكن مستعدة لسماع هذا.

لكن عقلي لم يمنحني فرصة للهرب.

ذكريات أخرى بدأت تتدفق.

كنتُ صغيرة… لكنني كنتُ أرى أشياء لا يراها الآخرون.

كنتُ أسمع أصواتًا لا يسمعها أحد.

في بعض الليالي، كنتُ أستيقظ على صوت شخص يناديني، رغم أن الغرفة كانت فارغة.

كنتُ أرى ظلالًا تتحرك في المرآة، رغم أنني كنتُ وحدي.

كنتُ أشعر بأشياء… أشياء لا يمكن تفسيرها.

لكنني أقنعتُ نفسي أنني أتخيل.

أجبرتُ نفسي على نسيانها.

لكن الحقيقة كانت واضحة الآن:

لم يكن أيٌّ منها خيالًا.

التفتُّ إلى سايلوس، عيناي مليئتان بالأسئلة، بالرهبة، بالخوف.

"من أنا؟"

سايلوس لم يجب فورًا. فقط حدّق في وجهي طويلًا، كأنه يزن كلماته بعناية.

ثم قال أخيرًا، بصوت خافت لكنه حاسم:

"أنتِ الشخص الذي كان يجب أن تكونيه دائمًا."

كلماته كانت مثل صدى بعيد يتردد في داخلي، يضرب شيئًا مدفونًا تحت طبقات من النسيان.

حياتي لم تكن حياة واحدة.

كنتُ شخصًا آخر، في مكان آخر، مع أشخاص آخرين.

لكن كيف؟ متى؟ ولماذا؟

ومضة.

عائلة.

طاولة طويلة، أضواء دافئة، أصوات ضحكات تتداخل مع صوت الأطباق الموضوعة على الطاولة.

رجل يجلس على رأسها، ملامحه صارمة لكنها ليست قاسية، عيناه تحملان حدة غريبة… وكأنهما تعرفان كل شيء.

"يجب أن تكوني حذرة، تونه."

التفتُّ نحوه، رأيتُ نفسي… لكنني لم أكن كما أنا الآن.

كنتُ أصغر، لكنني كنتُ مختلفة… أكثر وعيًا، أكثر إدراكًا.

"لماذا؟" سألتُ، كما سألتُ في ذكرى أخرى.

"لأنكِ تحملين شيئًا لا يفترض بكِ أن تحمليه."

_

ومضة أخرى.

فتاة صغيرة تقف أمام مرآة كبيرة، تمسّد شعرها، لكن انعكاسها لا يتبع حركتها في نفس اللحظة.

اتسعت عيناها… عينيّ.

تراجعتُ، لكن انعكاسي لم يتحرك معي.

"هذا مجرد حلم…" همستُ لنفسي.

لكنني لم أكن أحلم.

ومضات متتالية.

ضوء القمر يتسلل عبر نافذة زجاجية، عيون تحدّق بي من الظلام، أصوات لا مصدر لها تهمس باسمي.

كتابة تظهر على دفاتري دون أن ألمسها. أبواب تُفتح وحدها. أشياء تختفي ثم تعود إلى مكان آخر.

وأنا… لم أكن أخبر أحدًا.

"لماذا لم أتذكر هذا من قبل؟" همستُ، صوتي بالكاد يخرج.

سايلوس راقبني بصمت، عينيه تدرساني وكأنهما تحاولان قياس مدى استيعابي للحقيقة.

لكني لم أستطع استيعابها.

كيف يمكن أن أكون شخصًا آخر، في مكان آخر، ومع ذلك أعيش هذه الحياة؟ كيف يمكن أن يكون كل شيء أمامي حقيقيًا، لكنه ليس الحقيقة الكاملة؟

شعرتُ بوخزة ألم في رأسي، ضغطتُ على صدغيّ، لكن الدوار لم يهدأ.

"تونه…" صوت سايلوس كان أكثر نعومة الآن، أقلّ غموضًا، وأكثر… حقيقيّة.

"لا… لا أستطيع…" شهقتُ، عينيّ امتلأتا بالدموع دون أن أدرك. "كيف يمكن أن أكون شخصين؟ كيف يمكن أن أعيش حياتين؟ لماذا… لماذا لا أذكرهم؟"

لم أكن أعرف من أقصد بـ"هم"، لكنني شعرتُ بفقدانهم بكل ذرة في جسدي.

انحنيتُ إلى الأمام، يداي تمسكان رأسي، والدموع بدأت تنساب بصمت. لم أبكِ بهذه الطريقة من قبل… لم أشعر بهذا الفراغ، بهذه الوحدة، بهذا الثقل الذي لا أستطيع رفعه.

"أشعر… أنني ضائعة، سايلوس." همستُ وسط شهقاتي. "أشعر وكأنني… كأنني لستُ حقيقية."

ثم شعرتُ بيد دافئة تلامس وجهي.

رفعتُ رأسي ببطء، عينيّ المغرورقتان بالدموع تلتقيان بعينيه.

سايلوس كان قريبًا جدًا، أقرب مما كان من قبل.

أصابعه مسحت دموعي برفق، وكأنه يخشى أن يكسرني إن ضغط أكثر.

"انتي حقيقه " قال بصوت هادئ لكنه حاسم. "وأنا لن أدعكِ تضيعين."

2025/05/12 · 5 مشاهدة · 587 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025