"لقد جاؤوا من أجلكِ."

ارتجف الهواء من حولنا.

وكأن العالم نفسه كان يستعدّ لشيء لا يمكن التراجع عنه بعد الآن..

في اللحظة التي نطق فيها سايلوس بتلك الكلمات، شعرتُ بشيء غير مرئي يتغير في الغرفة، كأن الهواء أصبح أثقل، كأن الظلال على الجدران تمدّدت، كأن الواقع نفسه كان على وشك أن ينكسر.

"من تقصد؟" سألتُ، رغم أنني كنتُ أعرف أن الإجابة لن تكون سهلة.

نظر إليّ طويلًا قبل أن يقول بصوت ثابت: "أولئك الذين سرقوكِ من نفسكِ، من حياتكِ، من حقيقتكِ."

ابتلعتُ ريقي، الذكريات المتشظية التي رأيتها سابقًا بدأت تلتئم معًا، تشكّل صورة غير مكتملة لكنها مرعبة بما يكفي لتجعل أنفاسي تتباطأ.

"أنا لا أفهم..." تمتمتُ، لكنني كنتُ أكذب. كنتُ أفهم أكثر مما أردت.

"لقد كنتِ جزءًا من شيء ما، تونه. شيء لم يكن يُفترض أن تتركيه، أو أن يترككِ."

شعرتُ بقشعريرة تتسلل إلى عمودي الفقري. "ماذا تعني؟"

تقدّم خطوة، حتى أصبح قريبًا بما يكفي لأشعر بطاقة غريبة تحيط به، بهالة لم ألاحظها من قبل، كأن وجوده هنا لم يكن مجرد مصادفة.

"أعني أن حياتكِ لم تكن ملككِ يومًا، وأنهم الآن يريدون استعادتها."

تسارعت أنفاسي. "لكن من هم؟"

نظر إليّ نظرة لم أفهمها، لكنها جعلت كل شيء داخلي يتوتر، ثم قال بصوت منخفض لكنه حمل معه كل الأجوبة التي كنتُ أخشاها:

"والدك"

ارتجفتُ، وكأن اسمه وحده كان يكفي ليهزّ الأرض تحت قدميّ.

"والدي؟" همستُ، غير قادرة على تصديق ما أسمعه.

لكن سايلوس لم يبتسم، لم يتراجع، لم يحاول حتى أن يخفف وقع الحقيقة. فقط اكتفى بالنظر إليّ وقال:

"حان الوقت لتتذكري كل شيء، تونه. ليس فقط ما أخذوه منكِ، بل من تكونين حقًا."

وفجأة—

انهار الضوء من حولي.

وانسحبتُ إلى داخل ذاكرة لم أكن مستعدة لمواجهتها.

الظلام كان مطبقًا، لكن هذه المرة لم يكن فارغًا كما كان من قبل. كان هناك شيء في هذا الظلام، شيء حي يتنفس، شيء يتسلل عبر المسافات بين لحظات الزمن، كأن كل فكرة، كل شعور وكل ذكرى كانت تتراقص داخل هذا الفراغ اللامتناهي.

"أنتِ هنا أخيرًا."

كان الصوت نفسه، نفس النغمة التي سمعتها في ذلك المكان الغريب. لكن هذه المرة، لم يكن طيفًا، لم يكن مجرد كائن بعيد، بل كان الصوت يتسرب من عمق الذاكرة.

"من... من أنت؟" همستُ، لكنني كنت أعرف الإجابة. كنت أعرفه بكل تفاصيله، بكل ما يحمله من خوفٍ ووجعٍ.

"أنا ما كنتِ عليه... وما كنتِ تخشين أن تكوني."

رأيتُ، في الزمان والمكان نفسه، صورة تزداد وضوحًا. كانت تلك الفتاة الصغيرة، نفسها التي رأيتها في حلمي، أو في رؤيتي الغريبة. كانت تقف هناك، تتحدّاني بنظرتها العميقة، بنظرة كانت أكبر من سنها بكثير.

"لكنني... أنا لست هي!" قلتُ، لكن الصوت كان غريبًا، كأن الكلمات لا تخرج من فمي بقدر ما كانت تخرج من داخلي، من ماضي لا أستطيع فصله عن حاضري.

ابتسمت الفتاة الصغيرة، لكن ابتسامتها لم تكن بريئة. كانت ابتسامة من يعرف السر، من يفهم الألم أكثر مما يستطيع أن يبوح به.

"أنتِ هي... لكنك نسيتِ. نسيتِ من أنتِ."

كأن الكلمات كانت تفتح أمامي أبوابًا مغلقة، تفتح لي عيونًا لا أستطيع إغلاقها. شعرتُ بشيء يغمرني، شعرتُ وكأنني أغرق في ذكريات لم أكن أعرف أنني أمتلكها.

ثم، فجأة، تغير كل شيء.

تبدّلت الصورة أمامي، وتحولت الفتاة الصغيرة إلى صورة مشوشة، ثم اختفت تمامًا. محلها، ظهر مكان آخر، مكان أعرفه دون أن أراه من قبل. كانت غرفة كبيرة، جدرانها مزخرفة بألوان داكنة، ضوء خافت يملأ الزوايا. كان هناك شخص واحد في الزاوية، يقف بعيدًا، وكأن الزمن توقف من حوله.

وقفت هناك، تحدق فيه، وعينيّ تتسعان. كان هو... لكن لم يكن هو. كان سايلوس، ولكن كان هناك شيء مختلف. كانت عيناه أكثر عمقًا، أكثر حدة، كأنها تحمل سرًا قديمًا، شيء لم يبوح به.

"أنتِ الآن تعرفين." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل في طياته قسوة لم أكن مستعدة لها.

"ماذا أعرف؟" تمتمتُ، لكنني كنت على يقين أن الإجابة كانت أكثر من مجرد كلمات. كانت تكتمل الصورة.

"أنتِ لستِ مجرد فتاة عادية، تونه. أنتِ جزء من شيء أعمق. جزء من عائلة كان لها يد في كل شيء."

"لا، لا أصدق..." كادت الكلمات أن تتفلت من شفتيّ، لكنني كنت أرى كل شيء بعينيّ. كنت أسمعهم في صمت، أشعر بهم في كل ركن من أركان الغرفة.

"إذن... لماذا تحاولين إخفاء الحقيقة؟ لماذا تخافين من المواجهة؟"

لم يكن لديّ جواب، لأنني كنت أعلم أنني لا أستطيع الهروب منها بعد الآن.....

2025/05/13 · 5 مشاهدة · 671 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025