اسمه كان يرن في العالم كدويّ الرعد، يحمله طيف من القوة والطموح. كان شابًا في الثلاثين من عمره، قائدًا للعالم السفلي، رجلًا متحكمًا في كل خيط من خيوط الظلام، لكن وراء هذا الوجه القاسي، كان هناك سرٌّ دفين، لا يكشفه إلا المواقف التي لا تتيح له سوى أن يكون شخصًا آخر.

لقد كان قائدًا لا يرحم، شخصًا يعرف كيف يسيطر ويهيمن. رئيس منظمة "الأونوكاينس"، التي تجسد عالم الجريمة والسلطة بشكل كامل، كان يملك زمام الأمور بشكل حاسم، كما لو كانت يده تمسك بعالمه بأكمله. قوته لم تكن فقط في قدراته الاستراتيجية أو في تحكمه في النفوذ، بل كانت في فهمه العميق للروح البشرية، تلك الروح التي كان يسعى لفهمها بكل ما يملك من طموحات. ومع كل خطوة يخطوها نحو المجهول، كان يتخبط في صراع داخلي عميق بين طموحاته المظلمة ورغبته في اكتشاف مجالات إنسانية أعمق. كان يسعى للسيطرة على قوى مظلمة بهدف تحقيق رؤيته الخاصة، لكن في عمق هذا السعي كان يلاحقه شيء ما أكبر من مجرد القوة.

الكل كان يعرفه كزعيم لا يرحم، لكن قليلين فقط من أدركوا حجم معاناته الداخلية. كان يسير في توازن دائم بين القوة والعاطفة، وهو ما جعله فريدًا في مكانته. كانت أعين من حوله تتخوف منه، لكنه كان دائمًا يبحث في الزوايا المظلمة لعالمه عن ذلك الفهم العميق للعلاقات الإنسانية، لذلك كانت بعض تصرفاته تبدو غريبة بالنسبة للبعض.

عالمه لم يكن مجرد كواكب أو أراضٍ جافة، بل كان عبارة عن فضاء شاسع، متطور تقنيًا. في هذا المستقبل البعيد، كان بإمكان البشرية أن تسافر عبر النجوم، وتستكشف الكواكب التي كانت تمثل خيالًا بعيدًا. لكن كما هو الحال في كل تقدم، كان هذا التقدم يحمل تحديات وصراعات جديدة. الصراع بين القوى المختلفة كان جزءًا من يومه المعتاد، وكل منظمة كانت تسعى لتحقيق أحلامها الخاصة. وكانت "الأونوكاينس" تسعى للحفاظ على قوتها، لتفرض سلطتها على كل من لا يتبعها.

في هذا العالم المتطور، لم يكن هناك وقت للراحة أو للأمل البسيط. كان الجميع مشغولين بتحقيق طموحاتهم، وكانت النجوم نفسها تشهد على معركة لا نهاية لها بين الخير والشر. لكن حتى وسط هذه الفوضى، كانت الكواكب التي يتم اكتشافها تحمل شيئًا فريدًا. فكل كوكب كان يمثل عالمًا خاصًا به: صحارى قاحلة، غابات مورقة، عوالم مائية، كلها كانت تقدم تجارب فريدة وصراعات جديدة.

ورغم كل ذلك، كانت العلاقات الإنسانية في هذا الكون تشكل ركيزة أساسية. كان الحب والخيانة، الولاء والمكر، تتشابك في كل مكان. في وسط الأزمات التي كانت تعصف بالكواكب المختلفة، كان الصراع الداخلي بين الأفراد يتصاعد، خصوصًا لأولئك الذين لم يستطيعوا أن يهربوا من واقعهم المظلم.

كان سايلوس واحدًا من هؤلاء. في قلب هذا الكون الشاسع، كانت مشاعره تتشابك مع تلك الصراعات، وبينما كان يسعى لتحقيق حلمه الأكبر، كان يتساءل عن معنى الحب، ومعنى الانتماء. هل كانت القوة فقط ما يستحق السعي وراءه، أم أن هناك شيئًا أعظم؟ في عالمه الذي كان يتلاشى فيه كل أمل، كان يبحث عن ضوء يمكن أن يبدد ظلاله.

لكن، ماذا لو كانت تونه هي الإجابة؟

في هذا الفضاء الشاسع المظلم، كان سايلوس يجد نفسه في مسارٍ لا يمكنه العودة منه. كان حلمه الكبير يُحاط بالأشواك، وكل خطوة كان يخطوها كانت تقوده أكثر نحو الخطر الذي لا يمكنه الهروب منه. في كل مرة كان يلامس الأمل، كان يشعر كما لو أن الظلام يعيده إلى نقطة البداية، حيث يحاصر كل شخصٍ في حبال مصيره القاتمة.

ولكن هناك شيئًا ما في أعماق روحه كان يصرخ من أجل أن يجد شيئًا أسمى من هذا الصراع. كانت مشاعر الحب، تلك التي قد يبدو أنها غريبة في عالمه المليء بالعنف والدمار، تظهر في لحظات غير متوقعة. لم يكن يفهم تمامًا تلك الرغبة في الاتصال الحقيقي، تلك الرغبة التي كانت تجذب قلبه نحو تونه. هل يمكن لعالمٍ كعالمه أن يحمل في طياته بذرة من الأمل الحقيقي؟

في إحدى اللحظات، عندما كان يراقب النجوم من نافذته، كان يفكر في الكلمات التي نطقتها تونه في أحد أحلامه الأخيرة. كانت تلك الكلمات كالمفتاح الذي فتح في قلبه بابًا كان يظنه مغلقًا إلى الأبد. كانت تونه قد لمست شيئًا في روحه، شيئًا كان قد دفنه عميقًا في محاولة للهرب من الإنسانية التي لا يريد أن يواجهها.

أدرك سايلوس شيئًا لم يكن قد استوعبه من قبل؛ كان يعيش في عالم مليء بالقوى المظلمة، لكنه كان لا يزال إنسانًا في النهاية. كانت تلك الإنسانية هي ما جعله يسعى للسيطرة على كل شيء. كان يحاول الهروب منها، إلا أنها كانت تلاحقه في كل مكان.

حتى في وسط القوة والعنف، كان يبحث عن إجابات في أعماق مشاعره. ولكن، هل سيكون قادرًا على التمسك بتلك المشاعر وسط هذا الفضاء المظلم الذي يحيط به؟ أم أنه سينهار تحت وطأة الصراع الداخلي بين ما يريده وما هو مُقدر له؟

كان هذا هو التحدي الأكبر بالنسبة له. كان عليه أن يقرر: هل سيظل يسعى للسيطرة على الكون وقوى الظلام، أم سيختار أن يغامر في عالم من العواطف الإنسانية، عالم لم يكن يعرفه تمامًا؟ وفي هذه اللحظة، بدأت الأسئلة تدور في ذهنه بسرعة: هل يمكن لقلبه أن يقاوم هذا الجذب نحو تونه؟ وهل ستتمكن هي من فهمه، أو سيكون عليه أن يتخلى عن كل شيء ليكون معها؟

الوقت كان يمر بسرعة، وأمام سايلوس كان مستقبله غير واضح، مثل ضباب كثيف يغلف كل شيء. ولكنه كان يعلم أن الاختيارات القادمة ستكون مفصلية. في النهاية، كان عليه أن يختار: هل سيظل يحارب كي يحكم هذا العالم المظلم، أم أنه سيبحث عن إجابة في الحب، في تلك الروح التي تتنفس على الجانب الآخر من الحلم؟

كانت هذه الأسئلة تقوده نحو المجهول، وفي كل خطوة كان يقترب أكثر من الإجابة التي قد تغير كل شيء.

بينما كان سايلوس يقف في تلك الغرفة المظلمة، يراقب الضوء الباهت الذي ينساب عبر النوافذ، كانت ذكرياته مع تونه تتدفق في ذهنه، تملأ قلبه بمشاعرٍ متناقضة، تجمع بين الفرح والحزن، بين القوة والضعف. كانت تلك الذكريات تُشعل في داخله نارًا قديمة لم يشعر بها منذ زمن طويل.

كان يتذكر أول مرة التقى بها، عندما كانت براءة عينيها واضحة كأنها لا تعرف شيئًا عن العالم المظلم الذي يعيش فيه. كانت عينيها، تلك التي كانت تلمع بنوع من الفضول والأمل، قد جعلت قلبه يهتز لأول مرة منذ سنوات. كان سايلوس دائمًا يبتعد عن هذه المشاعر، يظن أن حبًا في هذا العالم لا يمكن أن ينجح. لكنه كان في ذلك الوقت جاهلًا تمامًا بما يمكن أن تفعله تونه له.

ثم كانت تلك اللحظة المضحكة، عندما كانت تونه تحاول أن تمازحه بشيء لم يكن يتوقعه. كانت قد سرقت سيفًا كان يضعه على طاولته، وركضت به في أرجاء القاعدة كما لو كانت هي الفتاة التي لم تذق مرارة الحياة بعد. كان يراقبها بابتسامة، لا يمكنه منع نفسه من الضحك، رغم أنه كان يحاول إخفاء ذلك. في ذلك الوقت، لم يكن يتخيل أبدًا أن شخصًا مثل تونه يمكن أن يدخل عالمه بهذا الشكل، ليختطف منه جزءًا من قسوته ويمنحه شيئًا نادرًا في حياته: الضحك الحقيقي.

لكنه، كما هو دائمًا، كان يميل إلى تجنب عمق المشاعر. وعندما حاول أن يعود إلى حياته المظلمة، كانت تونه دائمًا هناك، تتبع خطاه في أحلامه، تلامس روحًا لا يستطيع الهروب منها. كانت تلك اللحظات التي يجلس فيها معها في صمت، فقط يتبادلان النظرات، لحظات لا يمكنه نسيانها. كانا يجلسان تحت السماء المليئة بالنجوم في إحدى الليالي الهادئة، يلتقيان في عالم بعيد عن العالم الذي يعرفانه، ينسون فيه الواقع ويعيشون فقط في تلك اللحظة. تونه، بابتسامتها البسيطة، كانت تجعله يشعر وكأن الحياة ليست مجرد صراع دائم.

لكن لم تكن كل اللحظات بينهما مليئة بالضحك. كان هناك أيضًا الحزن الذي حل عليهما في العديد من الأوقات. تذكر كيف كان يشعر عندما كانت تونه تصمت فجأة، وتنظر إلى الأرض في صمت طويل، وكأنها تغرق في أفكارٍ لم يستطع فهمها. كانت عيناها تكشفان عن الحزن العميق الذي كانت تخفيه، وكان هو لا يعرف كيف يساعدها. في تلك اللحظات، كان يشعر بالعجز، كما لو أنه لا يستطيع حماية الشخص الوحيد الذي أصبح يشكل له جزءًا من نفسه.

وفي إحدى تلك المرات، عندما كانت تونه تتحدث عن عائلتها، عن الأيام التي فقدت فيها أحبائها، شعر بغياب شيء في قلبه. كان يسمع الألم في صوتها، وكان يعرف أن هذا الألم كان جزءًا من عالمها الذي لا يعرفه، وأنه لا يستطيع أن يغير شيئًا في الماضي. كانت تونه دائمًا محاطة بالظلام الذي لا يستطيع أن يمسحه، ومع ذلك، كانت تجد دائمًا أملًا في فجر جديد. كانت تلك قدرتها على العثور على الأمل وسط الظلام هي ما كان يجذبه إليها أكثر.

ثم كان هناك ذلك اليوم الذي تبادلوا فيه أول قبلة. كان الوقت قد تأخر، وكان الليل يغمر العالم بسكونه، وعندما اقتربت منه، كانت هناك لحظة من التوتر، تلك اللحظة التي شعرت فيها بأن العالم يتوقف. كان قلبه ينبض بسرعة، وعندما اقتربت شفتاهما، شعر وكأنهما تلتقيان في وسط عالمٍ كان مليئًا بالوحدة والفوضى. كان هذا هو الجزء الذي لم يكن سايلوس مستعدًا له؛ كان هذا النوع من العلاقة شيئًا جديدًا، شيئًا كان يخشى أن يضعف قوته.

ومع ذلك، كانت تلك اللحظة جميلة بالنسبة له. كانت تلك القبلة هي النقطة التي بدأ فيها يدرك أن هناك شيئًا آخر في الحياة، شيء لا يمكن تحقيقه بالقوة وحدها. ومع تونه، اكتشف أنه حتى في عالمه المظلم، هناك مساحات يمكن أن تُملأ بالحب والصدق.

في النهاية، عندما كان يفكر في كل تلك اللحظات، أدرك شيئًا واحدًا: كانت تونه بمثابة مرآة له، تعكس فيه ما كان يرفض رؤيته. كانت تونه هي الشخص الذي دفعه إلى أن يكون أكثر من مجرد قائد مهووس بالسلطة. كانت هي التي أعطته لحظاتٍ من الضعف الإنساني، وهي التي علمته أن الحياة لا تتعلق دائمًا بالقتال والانتصار. في وجودها، اكتشف ما يعنيه أن يكون لديك شخص يشاركك أحلامك وآمالك، شخص يفهمك دون أن تحتاج للكلمات.

وبينما كان يقف هناك، يتذكر كل تلك اللحظات، بدأ يشعر بشيء مختلف في قلبه. ربما كانت الذكريات هي ما كان يحتاجه لكي يواصل. ربما، كما قال لها في إحدى المرات، كان يعتقد أنه يمكنه أن يقاتل هذا العالم بمفرده، لكن في النهاية، كانت تونه هي القوة التي دفعته للقتال من أجل شيء أكبر من نفسه..

كان سايلوس يقف أمام النافذة، يحدق في الظلام الذي يحيط به، كما لو كان يحاول أن يتلمس شيئًا مفقودًا في هذا الكون الشاسع. كانت الذكريات التي تعصف به في تلك اللحظات، تدفعه نحو حافةٍ من الحزن والألم. وكان هناك، في عتمة نفسه، ذلك الفراغ الذي تركته تونه في قلبه، بعد أن فقدها.

لم ينسَ لحظة الفقد. كانت تلك اللحظة، التي شعر فيها وكأن العالم كله قد انهار تحت قدميه. كان يعتقد أنه سيعيش بقية عمره في هذا الظلام، بعيدًا عن ضوءها. كانت تلك الأيام التي مضت، كما لو كانت تتناثر بين يديه كالرمال، لا يستطيع الإمساك بها، لا يستطيع منعها من الانزلاق. كانت تونه قد اختفت عن عالمه بسبب عائلتها، لم يعد يستطيع الوصول إليها. كانت تنتقل بين العوالم، بعيدًا عنه، كما لو كانت مجرد ذكرى تذبل ببطء مع مرور الوقت.

ثم جاء اليوم الذي اكتشف فيه الحقيقة المؤلمة. كانت قد انتقلت إلى عالم آخر بعيد، عالم لم يكن بإمكانه الوصول إليه. كانت هناك فجوة بينه وبينها، كانت الجدران عالية، وكان الحظ العاثر يلعب لعبته، فلا مجال للقاء مجددًا. حاول جاهداً أن ينقذها، أن يُعيدها إلى عالمه، إلى مكانه، لكنه فشل. كان يُحارب الرياح بكل قوته، لكنه كان يشعر بالضعف، وبالحزن، وباليأس.

مرت السنوات، وكانت الحياة بالنسبة له مجرد سلسلة من الأيام المظلمة. كانت تونه، رغم ابتعادها، تبقى حاضرة في كل تفصيل من تفاصيل حياته. كان صوتها في عقله، وضحكتها في قلبه، وعينيها التي لا يزال يراها حتى في أحلامه. لم يصدق أنه فقدها إلى الأبد. لكن مع مرور الزمن، بدأ يقتنع بذلك الفقد الذي لا رجعة فيه

2025/05/13 · 9 مشاهدة · 1806 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025