هبطت الطائرة ببطء في فضاء موحش كأنه مهجور منذ الأزل، وامتدت أمامها مساحة مترامية الأطراف كستها تربة حمراء كالدم، تخالها أُشبعت بذكريات عنف قديم لا يُمحى. أحاط المكان ضباب رمادي كئيب، يسري بينه صوت أصداء غامضة كأنها تنهيدات أرواح قديمة، تتصاعد بنبض ثقيل يوحي بأن الصمت نفسه يتحول إلى كابوس متجسد.

نزلت السيدة بلاك داون من الطائرة بخطوات ثابتة، عيناها تتفحصان الأرجاء بنظرة تعرف عمق الخطر وتنتظر مواجهة قادمة. خلفها، وقف مجموعة من الأطفال، بملامحهم الذابلة وتحديهم الذي تغلب عليه مسحة من الذعر، يحدقون فيما حولهم بعجز. ورغم الخوف المرتسم في عيونهم، ظلوا يسيرون خلفها بخطوات واجفة، وكأن قربهم منها هو الحاجز الوحيد بينهم وبين شبح الموت المحدق.

قالت بلاك داون بنبرة صارمة، عيناها جامدتان لا ترف لهما رمشة: "لقد وصلنا إلى أرض المعزولين. لا تأخذوا أي شيء هنا باستخفاف. هذا المكان يعج بأخطر المجرمين في الهند. كل خطوة نخطوها هنا قد تكون الأخيرة، فتأهبوا لأي طارئ، ولا تتساهلوا إن حاول أحد اعتراض طريقكم."

قطع هدوءها ظهور رجل غريب عند حافة الظلام( رجل اللذي كان مع بلاك داون)، يراقبهم بنظرات تحد وسخرية، وأطلق ضحكة باهتة باردة كسكين حاد يخترق الصمت، وقال بصوت أجوف: "أهلاً بكم في عالمكم الجديد... لا داعي للتعب، فقد وصلت بكم خطواتكم الأولى إلى مقبرتكم الموعودة. لننطلق إلى الكهوف." انفجر ضاحكاً ضحكة تخترق الأجواء، جاعلة الأرض بأكملها ترتجف تحت وطأة الغموض المحيط.

تقدمت بلاك داون، وتبعتها المجموعة نحو مدخل الكهف، حيث طغى ظلام حالك كأنه قطعة من العدم تحاصرهم. كان كل شيء مريباً، والهالة المحيطة تزداد ثقلاً وسكوناً كأنه يسحب الهواء من رئاتهم.

بدأ الأطفال يخطون بتوتر، حتى أن أحدهم، بصوت يرتجف، همس: "سيدتي... لا أرى شيئاً، هل يمكننا إشعال ضوء الهاتف؟"

ابتسمت بلاك داون، وكانت ابتسامتها أقرب إلى الثقة الغريبة منها إلى الطمأنينة، وقالت بنبرة باردة: "لا حاجة لذلك. اتبعوا رائحة الدم، ستكون هي دليلكم. لا تفرقوا مهما حدث."

بلمح البصر، اختفت بلاك داون بين الظلال وكأنها انصهرت في الظلام، تاركة الأطفال وحدهم في قلب الجحيم الصامت. حلّت عليهم لحظة صدمة، ثم تملكهم الذعر، وصرخ أحدهم بصوت متهدج: "لقد تركتنا! سنهلك هنا!"

إلا أن بعض الأطفال ظلوا صامتين، بملامح متماسكة لا تنم عن أي انفعال، كأنما جمد الخوف في دواخلهم. تحدث سون، طفل ذو عينين داكنتين تحدقان بثبات، بنبرة مفعمة بالتحدي: "هناك عدة مفترقات... إلى أين سنسير الآن؟"

قهقه غاندي، فتى قوي من المجموعة، ونظر إلى سون بازدراء، وقال: "أنا سأسير في الاتجاه الذي لن تسلكه أنت."

ابتسم سون ابتسامة جافة وقال ببرود: "هذا بالضبط ما كنت أتمناه."

تدخلت آلما، فتاة في منتصف المجموعة، بنبرة قاطعة: "لن نفترق، ولن أسمح لأحدكم بأن يكون سبب هلاكنا. إن ضللنا، سنضل معاً، وإن وجدنا طريقاً للنجاة، سننجو معاً. لا أرغب في الموت وحدي، لكنني لن أسمح لأحد بأن يجعل من رحلتنا جحيماً أشد مما نحن فيه."

قال سيبرو، فتى يمتاز بحاسة شم قوية، بنبرة جادة: "يمكنني شم رائحة الدم تأتي من هذا الاتجاه، اتبعوني."

مضوا في دربهم خلف سيبرو، تظلهم الرهبة ويصاحبهم الصمت. كان الظلام يحيطهم من كل جانب كأنه حائط حي يراقب حركاتهم، وخطواتهم تدوي على الأرض الصلبة كأنها طرقات على نعش بارد، والمجهول يتربص بهم في كل زاوية.

---

في مكان آخر، داخل سجن أي دي أكس (يُعرف أيضا بأسماء مثل "إي دي إكس فلورنس" و"سوبر ماكس" و"الكاتريز جبال روكي"، وهو السجن الأشد حراسة في الولايات المتحدة. بني عام 1994 في سفوح جبال روكي بولاية كولورادو الأميركية.

ويضم بعضا من أشهر المتهمين في العالم،)

في عمق جدران باردة كالموت، يقبع بانغ في زنزانة منفصلة، مظلمة أشبه بقبر مهجور، تملؤها رائحة العفن والوحل المتكدس على أرضيتها. جسده مقيد بخمسين سلسلة، تربط عنقه ويديه وقدميه، وتمنحه بالكاد مساحة صغيرة ليتحرك فيها. يجبرونه على الجلوس والنوم في وضع لا راحة فيه، ويعانون جسده من قسوة الحياة في هذا السجن، حيث لا يُسمح له بالاستحمام سوى كل ثلاثة أيام، ويُترك دون أدنى رعاية.

فجأة، فُتح الباب، ودخل حارس بعينين تتقدان سخرية ونبرة تفيض بالاستفزاز، وألقى إليه بعبارة مليئة بالتحقير: "موريس يحتاجك، يا بانغ."

رفع بانغ رأسه ببطء، ملامحه شاحبة تتحدث عن جروح روحه أكثر من جراح جسده، وقال بصوت هامس كأنه يحدث نفسه: "ما زلت بحاجة لمزيد من الوقت... لم أفرغ من تطهير ذنوبي بعد."

قهقه الحارس وقال: "موريس لا يهتم بتطهير ذنوبك، وينتظرك لأمر لا يحتمل التأخير. انتهى دوامي الآن، لكنني سأغادر وأنا أعلم أنك لن تبقى هنا طويلاً."

حين خرج الحارس، تغيرت ملامح بانغ، تحول وجهه المرهق إلى ابتسامة جريئة تفوح بالجنون، ثم همس لنفسه بسخرية لاذعة: "موريس... إلى أي جحيم ستحاول أن تدفعني هذه المرة؟... أشعر بأنني مستعد."

ثم أطلق ضحكة مكتومة، تنبض بكل ألوان الألم والخطر والتحدي.

2024/11/08 · 24 مشاهدة · 720 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025