في قاعة مكتظة تنتظر لحظة الانفجار، تجمع عشرات الأطفال من مختلف الأعمار، بعضهم لا يخفي توتره وبعضهم متصلب الملامح، يحدقون ببعضهم البعض، يترقبون اختباراً مصيرياً لم يختبروه من قبل. أصوات تملأ المكان، فوضى وصيحات وأحاديث جانبية، حتى أصبح من الصعب تمييز أي همسة وسط هذا الضجيج المتصاعد.

القاعة نفسها كانت مهيبة، جدرانها الباهتة، وأضواءها البيضاء التي تلقي ظلالاً باهتة على وجوه الأطفال. وفي تلك الزوايا المظلمة وقف المعلمون يتابعون بنظرات فاحصة، وكأنهم يقيسون قوة هؤلاء الصغار قبل بدء أي قتال. ومن بينهم، برزت السيدة شيماء، وجهها متصلب وعيناها تلمعان ببريق غريب يمزج بين الحقد والترقب، تتابع الأطفال بصمت قاتل، تخفي وراء ذلك المظهر شيئاً مريباً.

على الطرف الآخر من القاعة، وقف السيد موريس يتحدث بهدوء مع معاونه السيد تاي، كانت نبرة الحديث خافتة لكن فيها صرامة وقلق:

موريس (بجدية واضحة): "ما توقعاتك، تاي؟ كيف سيكون هذا الاختبار؟"

تاي (متأملاً الأطفال): "أعتقد أنه قد ينجو خمسة منهم… بل أربعة فقط."

موريس (بصرامة): "علينا تجميع الفريق بأكمله، بدون استثناءات."

تاي (بتعجب واضح): "ماذا تقصد؟ لا تقصد… بانغ؟!"

موريس (بثقة): "نعم، قوته لا يستهان بها يا تاي، لا بد لنا أن نستفيد منه."

تاي (بدهشة وحذر): "أنت تدرك أن بانغ تحت الحراسة المشددة. الدول تصنف منظمتنا كخطر أمني، ولا يحمينا سوى عدد قليل من رؤساء العالم؛ لأننا نقدم لهم خدماتنا في الخفاء. محاولة إخراجه من السجن ستسبب لنا كارثة."

موريس (بابتسامة مكر وهدوء): "لا داعي للقلق. لن أطلب إطلاق سراحه بالطبع. لكني أرسلت إليه رسالة واضحة. أمرته بالخروج والانضمام إلينا... سيعرف كيف يجدنا."

ووسط هذا الحديث، تعمّ القاعة صمت مفاجئ، صمت أشبه بظلام خيم على المكان كله. جميع الأعين تتجه نحو المرأة التي اعتلت المنصة، امرأة ذات ملامح حادة وعينين كأنهما سهام تخترق الظلام، توحي كل تفاصيلها بقوة مهيبة. وقفت بصلابة، بينما تسلط الأضواء على وجهها، فبانت عيناها تبرقان بلمعان بارد، كأنما تتحدى الجميع.

المرأة (بصوت صارم ونبرة باردة): "هدوء!"

بكلمة واحدة، سكنت القاعة، وعادت الأجساد الجامدة تلتقط أنفاسها ببطء. كان صوتها كفيلًا بإثارة الرهبة حتى في أشد القلوب صلابة. وقفت تتأمل الحضور وكأنها تزن قوتهم، ثم استكملت حديثها بنبرة كأنما تنذر بالخطر:

"اليوم هو يوم فارق في حياتكم. من الآن، أعلن بداية اختبارات اختيار أعضاء وحدات التدخل الخاصة. من لا يملك الشجاعة، من لا يتحمل العواقب… فالينسحب الآن، لأننا لن نرحم أحداً."

ثم تقدم بجانبها رجل ضخم، له هالة مرعبة، نظراته حادة كسيف قاتم اللون، صوته عميق كصدى ينطلق من أعماق المجهول:

الرجل (بلهجة تحذيرية مهددة): "سيبقى فقط الأقوياء. سنتخلص من 70% منكم، فالضعفاء لا مكان لهم هنا."

نظرت المرأة مجددًا إلى الحاضرين، وكأنها تتفحص ردود أفعالهم قبل أن تتابع بصوت هادئ يكاد يكون سامة:

المرأة: "هل أنتم مستعدون؟"

حالة من التوتر والرعب سيطرت على المكان، بدأت بعض الوجوه تتراجع، وهناك من خارت قواهم أمام الرهبة. ومع هذا، ظل حوالي مئة منهم صامدين، يقفون بثبات، يحدقون بالمرأة بتحدٍ خفي. بينهم وقف سون، ابن السيد موريس، مستعدًا بلا تردد، كتلة من الصلابة تخفي خلفها طموحاً صارماً.

المرأة (برضا ملحوظ): "حسنًا. الذين تراجعوا… لن يُسمح لهم بدخول المنظمة مجددًا. أما البقية، فالاختبار يتكون من مرحلتين: قوة ومهارة. الآن، اختاروا شركاءكم للجزء الأول."

وبدأ الأطفال في اختيار أصدقائهم المقربين، بينما تنطلق نظرات القلق في عيون بعضهم. اختاروا في صمت، وجوههم مختلطة بين الحماسة والخوف. بعد أن انتهوا، تقدم الرجل المهيب بنبرة ساخرة،

الرجل: "لقد حفظت وجوهكم. الاختبار الأول سيكون قتالًا بينكم حتى الموت( كل صديقان مقربان سيتقاتلا) . تحت الأرض، في حلبات الدم… سيبقى ناجٍ واحد فقط من كل مواجهة. ومن يفكر بالاستسلام… سنحول جسده إلى كيس ملاكمة."

وفي تلك اللحظة، بدأت العيون تتغير، كان بعض الأطفال يرمقون أصدقاءهم بقلق، الندم يكسو نظراتهم، وكأنهم تراجعوا في قرار اختيار شركائهم. أما البقية، فكانت هالاتهم تتغير، يصبح الخوف هو المسيطر، يتحول إلى صمت ثقيل.

المرأة (بحزم): "يمنع على المعلمين مرافقة المختبرين. الآن، اتبعوني… سنستقل الطائرة إلى موقع الاختبار في حلبات الدم في الهند."

خرجت المرأة، والرهبة تملأ القاعة، الأطفال يتبعونها بخطوات مثقلة بالقلق. سون تقدم أولهم، يمشي بثبات، كأن لا شيء يهزه. خطى كأنها تحمل عبء القرار، كأنه يعرف ما ينتظره، بينما خلفه تسلل الآخرون بقلوب تتسارع نبضاتها خوفًا مما قد يكون مصيرهم.

موريس (بابتسامة واثقة يلتفت نحو تاي): "يبدو أننا سنشهد أقوى مجموعة في وحدات التدخل هذا العام."

تاي (بشيء من الإعجاب): "هذا متوقع. فقد عيّن السيد أكاي القيادة للمرأة التي يلقبونها بـ’بلاك داون‘، لا أحد يفلت من قبضتها."

أما السيدة شيماء، كانت تراقب عن بعد، عيناها تحملان ضوءًا داكنًا يشي بفرحة غامضة، متحدثة إلى نفسها همسًا: "أخيرًا… هذا اليوم قد حان."

ملاحظة :

منظمة "وحدات التدخل" هي قوة غير قانونية تعمل بشكل مستقل، وقد اعترفت بها قلة من الدول، بينما صنفتها دول أخرى كمنظمة إجرامية. تنفذ هذه المنظمة مهامها بصلابة وتصميم للقضاء على الجريمة بجميع أشكالها، سواءً كانت جرائم قتل، أو سرقة، أو أنشطة عصابات. وسرعان ما امتدت سمعتها لتغزو كافة أنحاء العالم، حيث بات المجرمون والخارجون عن القانون يخشون مواجهتها.

تتبع المنظمة نهجاً صارماً في تدريب أفرادها، حيث تفرض على الأعضاء المبتدئين، وغالبيتهم أطفال، اجتياز اختبارات مميتة تهدف إلى صقل مهاراتهم وتدريبهم على تقنيات القتل المتقنة. وبعد تجاوز هذه الاختبارات، يخضعون لسنوات من التدريب الصارم ويظلون تحت رقابة مشددة حتى يتمكنوا من إتقان الأساليب القتالية.

تتكون وحدات التدخل من فرق متعددة، لكل منها مهامها وتخصصاتها الخاصة. تبرز من بينها فرق قوية مثل "فرقة موريس" و"فرقة Big One"، إلا أن الفرقة الأبرز والأكثر تهديدًا هي "فرقة أوقا"، التي تمثل تهديدًا كبيرًا لعائلات القتلة المأجورين والعصابات الدولية.

يتولى زعامة هذه المنظمة القائد الغامض "أكاي"، الذي يدير العمليات بدقة وحزم. وقد اختارت المنظمة أن تتخذ من إفريقيا مقرًا رئيسيًا لها، حيث حظيت باعتراف رسمي من دول شمال إفريقيا وبعض دول أوروبا، واعتُبِرَت جهة معترف بها رسميًا في محاربة الجريمة. في المقابل، رفضت أغلب دول آسيا وقارة أمريكا الاعتراف بها، حيث تنظر إليها كمصدر للقلق والخطر الداهم، ما سنتعرف على أسبابه في الفصول القادمة.

2024/11/02 · 23 مشاهدة · 916 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025