داخل أعماق سجن "آي دي أكس" شديد الحراسة، حيث الظلام يعم الأروقة ويكسوها الضوء الأحمر الخافت الصادر عن إنذارات الطوارئ، يقف بانغ، ذاك الرجل العملاق الذي يشبه الطوفان العنيف، أمام باب زنزانته. عيناه تلمعان بحدة قاتلة، وجسده ينتفض بلهفة وكأن السجن لن يستطيع احتواءه طويلاً. يشرب آخر رشفة من قارورة الماء، يرميها بعيدًا بخفة، لتدوي ارتطامها الباهت في الأرجاء، كإشارة لانطلاقه.

يمد بانغ إصبعه نحو الباب الحديدي الثقيل، يضغطه بقوة جبّارة، فينشق كأنه مصنوع من ورق. يفتح الباب بصوت صرير يصمّ الآذان، وكأنه ينذر بقدوم كائن ليس من هذا العالم. في اللحظة التي يخرج فيها بانغ من زنزانته، تدوي إنذارات الطوارئ، تضيء الأضواء الحمراء المشهد بلون دموي، وتنطلق الأصوات التحذيرية في جميع الأروقة.

في غرفة المراقبة، وقف الحارس متوترًا يتابع الشاشات بذهول. ضغط زرّ المذياع بصوت مهتزّ وقال: "إلى جميع الوحدات... لدينا سجين هارب! إنه يتجه نحو الجناح الغربي... اكرر، السجين بانغ في حالة هروب!"

تحركت الفرق الأمنية بسرعة في أروقة السجن، منطلقين نحو المنطقة الغربية، وأسلحتهم موجهة ومستعدة. لكن بانغ، الذي كان يندفع بسرعة جنونية في الممرات الضيقة، كان يقتل كل من يجرؤ على اعتراض طريقه بضربة واحدة، كأنهم حشرات صغيرة لا تستحق وقته. تحولت الزوايا والطرقات إلى بحر من الأجساد المتراكمة، التي تشهد على قوته التي لا تضاهى، وهو يمضي مخلّفًا وراءه جحيمًا لا يهدأ، هازئًا من الجميع بصوتٍ بارد: "أين أنتم أيها الحمقى؟ تعالوا… فأنا بانتظاركم."

وفي غرفة المراقبة، وقف حارس آخر مذعورًا، ليتمتم بصوت خافت: "لقد خرج الأمر عن السيطرة… إلى الجميع، فعّلوا أنظمة الليزر واستخدموا الطلقات الواسعة!"

بينما تتوالى أوامر الحراس وتعمّ الفوضى، كان بانغ، رغم ضخامة بنيته، يتحرك بخفة تثير الدهشة. يتسلق الجدران كالنمر، يسير على الأسقف حينًا ويقفز بين الجدران كأن قوانين الفيزياء لا تعنيه.

قطع أحد الحراس اتصاله وصرخ: "إنه يتحرك بسرعة رهيبة… ما هذا؟" لكن كلماته توقفت فجأة، حين ظهر من خلفه رجل طويل، هادئ النظرات، مرتديًا قناعًا أسود يخفي جزءًا من وجهه. وضع الرجل سكينه على رقبة الحارس وقال بلهجة باردة: "كف عن الصراخ، يا أحمق… من هو هذا الهارب؟"

أجاب الحارس المرتعش بصوت خافت: "آسف، سيدي ماركو… إنه بانغ، السجين الذي قتل عائلته وكان أحد أفراد فرقة موريس في المنظمة الأفريقية…"

ابتسم الرجل، ماركو، ابتسامة مهيبة وقال بثقة: "حسنًا، دعه لنا."

صدى خطوات بانغ المتسارعة كان يتردد في ممرات السجن المظلمة، جسده يركض بجنون متلهفاً نحو الطابق الخامس السفلي، حيث ينتظره أكثر الحراس قوة وبطشًا. بين كل خطوة وأخرى، كان الظلام الحالك يبتلع الممرات الضيقة كفم وحش شره، فيما تخللت رائحة الرطوبة الهواء المشحون، فتشكل جو من الكآبة والرعب يغلف المكان.

حين وصل إلى بداية الممر الأخير، توقف بانغ فجأة كما لو كان قد اصطدم بجدار من طاقة خفية؛ أمامه وقف رجل بارد الملامح، يكتنفه هدوء يشبه صمت المقابر، لكن الهالة التي تحيط به كانت تروي حكاية مختلفة تمامًا، هالة زرقاء كثيفة تلف جسده، تنساب منه كدخان ثقيل متراقص، تغمر المكان بروح قاتمة تخنق الأنفاس. كان ذلك إيمون، الحارس المهيب، رجلٌ لطالما ارتجف السجناء عند سماع اسمه، فهو ليس سوى قاتل بارع، لا تعرف عينيه إلا الهدوء حين يحين وقت الموت.

بانغ، بضحكة ساخرة متحدية، قال بصوت حاد يُكسر به الصمت: "هاهاها، أخيرًا… إيمون! لطالما انتظرت أن يظهر أحدكم هنا في أعماق هذا السجن اللعين."

حدق إيمون فيه بنظرة باردة، وكأن روحه خالية من أي أثر للمشاعر، وردّ بصوت منخفض بالكاد يُسمع، لكنه كان حادًا كالسيف: "لن يطول انتظارك بعد الآن… بعد أن أقتلك، سأعيد جسدك إلى ظلمات هذا الطابق، وأدفنك هنا بيدي."

تغيرت ملامح بانغ لتغدو ممتزجة بالسخرية والازدراء، وكأن إيمون لا يستحق حتى أن يبادله نظرة احترام. قال بلهجة ملؤها الاستخفاف: "يا لكم من حفنة فاشلة… الحراس المشهورون لهذا السجن، إيمون، ماركو، وميليسا… مجرد حجارة متهالكة تتشبث بهذا المكان. نهايتكم ستكون على يدي، ولن تترك أثراً سوى غبار الذكريات."

أخذ إيمون وضعية القنص

، متخذاً موقفاً يُظهر احترافيته، ويده ترتفع بقوسه، وعيونه الحادة

تراقب أدنى حركة لخصمه. كان القوس في يده يلمع بوهج قاتم، وسهمه الأول يتألق بلمعة خافتة كأنما يختزن موتًا كاملاً داخل حدته. بلمح البصر، انطلق السهم الأول، شاقًا الهواء في صرخة مكتومة، تبعتها آلاف السهام المتلاحقة كزوبعة مميتة، تحولت الأجواء إلى عاصفة من الأنصال اللامعة التي لم تترك لبانغ مجالًا للتنفس.

لكن بانغ، بحركات سريعة أشبه بالرقص على حافة الموت، كان يراوغ بين السهام ببراعة فائقة، كأنما يرى مسار كل سهم قبل انطلاقه، وكأن ساحة المعركة ليست إلا حلبة رقص مسرحها الموت. كان يستخدم قبضتيه الصخريتين لصد السهام، وبكل حركة كان يخلق دوامة من الرياح الحادة التي تندفع حوله، فيما صوته يعلو في الظلام، يتحدى ويستفز.

أدرك إيمون أن الأمر لن يكون سهلاً، فاندفع بدوره نحو بانغ، سيفه البرّاق في يده يلمع كالشرر في الظلام. كانت ضرباته خاطفة، سريعة تأتي من كل زاوية، وكأن جسده بالكامل تحول إلى آلة قتل لا تعرف التوقف. لكن بانغ كان يقابل كل ضربة بصد حاسم، وقبضتيه تتلاحم مع سيف إيمون في تصادم يحدث أصداء تهز المكان. ومع كل ضربة، كانت الجدران تهتز، والصخور تتساقط، حتى أظلمت الأنوار، وساد السكون القاتل، عدا صوت أنفاسهما الثقيلة التي كانت تشي بالجهد المتصاعد.

وبعينين تقدحان شررًا، رفع إيمون ذراعيه عالياً وأطلق صرخته القاتمة: "تضاعف!" في تلك اللحظة، انبعثت الهالة الزرقاء بكثافة، لتغمر الهواء وتزيد ثقله حتى صار خانقًا، وفي لمح البصر تزايد عدد السهام وأحجامها، حتى بدت كأنها وابل من النيازك تتساقط من السماء، متوجهة نحو بانغ كعاصفة من الموت.

وقف بانغ بثبات، وقد تضخمت يداه بشكل مرعب، حتى غدت قبضتاه كالمطارق العملاقة التي تصد السهام المندفعة بضربات حاسمة، تكسير وتهشيم، دون أن يتراجع ولو خطوة واحدة.

لكن إيمون كان يراقب كل حركة، وقرر استغلال لحظة غفلة بسيطة ليقفز بخفة خلف بانغ، مشدداً ذراعيه حول جسد خصمه، يثبت نفسه كأفعى تحيط بفريستها، وابتسامة خبيثة تعلو وجهه: "لقد انتهى كل شيء، بانغ… الآن، تفعيل!"

وفي نفس اللحظة، ظهر سهم عملاق معلق في سقف السجن، انطلق نحو بانغ بسرعة لا مثيل لها، تبعه انفجار هائل دوى في الأرجاء، ملأ المكان بصدى مخيف، فيما ارتفع الدخان وامتلأ الجو برائحة البارود الثقيل

حين انقشع الدخان، كان المشهد مرعبًا… فقد وقف بانغ وقد أحكم قبضته حول رأس إيمون الممزق، رفعه كأنما ليعلن انتصاره بصوت زمجرة وحشية ترجّ المكان، مخيفًا جميع من في السجن.(كيف حدث هذا و متى استطاع انتزاع الرأس ؟)

صمت بانغ للحظة، لكن وقبل أن ينهي زئيره، ظهر أمامه ماركو وميليسا، وقفا بهدوء، ينظران إليه بثبات.

صفّق ماركو بابتسامة ساخرة: "أحسنت، يا بانغ! حقًا، أبدعت! تستحق صفرًا من عشرة… ظننتك أقوى من هذا، لكن خاب ظني."

نظرت إليه ميليسا بتقدير وقالت بصوت مفعم بالإغراء: "مممم، يبدو أنك ستكون أول حبيب لي سيموت… أنت جميل، يا بانغ."

ضحك ماركو وعلّق: "اصمتي، ميليسا! كل من ترينه تصنّفينه حبيبك الجديد…"

ابتسم بانغ بسخرية وقال ببرود: "هل انتهيتم من الثرثرة؟ لا وقت لدي… هيا، دعونا ننهي هذا سريعًا

2024/11/13 · 14 مشاهدة · 1059 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025