كانت الأجواء في الساحة مثقلة بالكآبة والرعب. وقف الأطفال متجمدين في أماكنهم، أعينهم الواسعة تترقب بحذر، وكأن الموت يزحف ببطء ليلتف حولهم. صوت صراخ ماريو الأخير لا يزال يصدح في الأذهان، مشهد دمه الذي امتزج مع غبار الأرضية أضاف لمسة من الوحشية التي غلفت المكان.

وسط هذا المشهد المهيب، علت نبرة صوت راغنا الباردة، كسكين تخترق السكون:

"الآن... سيبرو، يان، تقدما إلى الحلبة رقم واحد."

ارتعشت قلوب الأطفال الباقين، وبعضهم تسلل إلى الوراء محاولًا الاختباء خلف الحشود، لكن سيبرو لم يتحرك للحظة. ملامحه كانت قاسية، لكنها لا تخلو من أثر توتر خفي. تقدم بخطى بطيئة نحو الحلبة، والعيون كلها تتابعه، تتساءل عما ينتظره في تلك المواجهة المصيرية.

إلى جانبه، كان يان يمشي بخفة، وكأن الأمر لا يعنيه. وجهه كان جامدًا، يخفي مشاعر غامضة تحت قناع من اللامبالاة.

بينما كانت خطواته تقوده نحو الحلبة، استعاد سيبرو ذكرى أول لقاء جمعه مع يان. تلك الليلة لم تكن عادية، بل محفورة في ذاكرته كسلسلة من الأحداث التي غيرت حياته.

كانت السماء آنذاك تعصف بالغضب، البرق يلمع بقوة تكاد تمزق السحب، والرعد يصم الآذان. المطر كان يهطل كأنهار متدفقة، يغرق كل شيء في طريقه. في إحدى زوايا المدينة، حيث تلاقت الأرصفة المهجورة مع الأزقة المظلمة، وقف سيبرو، فتى يتيماً بملابس رثة، يتشح ببرد تلك الليلة ويحتمي بظل متجر قديم.

كان قلبه يضرب بعنف تحت وطأة الجوع. نظر بعينيه الجاحظتين إلى البائع الذي يركض بعشوائية لإنقاذ بضاعته من البلل. ارتسمت على وجه سيبرو نظرة كمن وجد كنزاً. همس لنفسه:

"إنها فرصتي... هذه الليلة لن أنام جائعًا."

انتظر اللحظة المناسبة، وعندما استجمع شجاعته واندفع، وجد يداً أخرى تمتد نحو الهدف ذاته. التفت بسرعة ليرى فتى آخر، بنفس حالته المزرية، يشاركه نفس الفكرة.

سيبرو (بدهشة وغضب): "ما الذي تفعله؟!"

لكن البائع، الذي كان أكبر من أن يُستهان به، لم يكن لقمة سائغة. بحركة خاطفة، أمسك بالاثنين في قبضة حديدية، رفعهما بسهولة وكأنهما دميتان. ضحك بصوت أجش كاد يتردد صداه مع الرعد:

"ههههه! بضاعة جديدة وقعت في شباكي!"

لم تمض سوى لحظات قبل أن يوجه ضربتين قويتين إلى رأسيهما، غارقين بعدها في ظلام مطبق.

أفاق سيبرو على رائحة الصدأ والرطوبة. فتح عينيه ببطء ليجد نفسه في مستودع مهجور، الضوء الخافت المنبعث من مصباح يتدلى من السقف بالكاد كان يكشف أكوام الخردة المحيطة به. البرد كان يقضم أطرافه، والقيود المعدنية تجرح معصميه.

إلى جانبه، كان الفتى الآخر الذي عرقل خطته. تبادلت أعينهما نظرات حادة، مليئة بالعداوة والغضب المكبوت.

سيبرو (بصوت غاضب): "أيها الأحمق! أخرجني من هنا!"

يان (بنبرة باردة): "اصمت، الصراخ لن ينفع. نحن عالقان هنا."

سيبرو (مشتعلًا غضبًا): "كل هذا بسببك! لو لم تتدخل لما كنت هنا الآن!"

يان (ساخرًا): "وأنا من المفترض أن أشكرك؟ أنت مجرد ضعيف حاول أن يكون بطلاً وفشل."

بينما استمر الجدل بينهما، انفتح باب المستودع بصوت صرير طويل، جعل القشعريرة تسري في جسديهما. دخل البائع ببطء، خطواته الثقيلة تدق الأرض كأنها نذير شؤم. عيناه كانتا مظلمتين كليلة بلا قمر، وهالته المرعبة جعلت الجو يزداد برودة وكآبة.

البائع (بصوت خشن): "أيها الكلاب الصغيرة... لقد بعتكم للمنظمة الأفريقية ظل الليل. أنتم الآن ملكهم. لديكم خيار واحد: إما أن تقبلوا وتعيشوا... أو ترفضوا وتُقتلوا هنا."

للحظة، عم الصمت. لم يكن أمامهما خيار سوى القبول.

سيبرو ويان (متزامنين): "نقبل."

لكن يان لم يستطع كتم ابتسامته. التفت إلى سيبرو وهمس له بنبرة تنم عن ثقة غريبة:

"لطالما أردت الانضمام إلى هذه المنظمة. يبدو أنني مدين لك بهذه الفرصة."

أما سيبرو، فالتزم الصمت، لكنه فكر:

"ربما هذا أفضل من حياة التشرد والجوع."

البائع (بصوت قاطع): "من الآن فصاعدًا، أنتم مجرد أدوات. لا أريد أن أسمع أصواتكم مجددًا."

بكلماته الحادة، ختم مصيرهما، وأغلق الباب تاركًا خلفه ظلامًا لا حدود له.

العودة إلى الحاضر: مواجهة مصيرية

بينما كان سيبرو يقترب من الحلبة، كان وجهه يغطيه قناع من الصرامة. استرجع تلك الليلة التي جمعت بينه وبين يان، الليلة التي بدأ فيها كل شيء.

2024/11/24 · 15 مشاهدة · 601 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025