وقف يان وسيبرو، وجهاً لوجه، في صمت ثقيل. بدا كأن العالم بأسره قد توقف، والجو حولهما بدأ يتعكر وكأن أنفاس الأرض نفسها قد تحولت إلى بخار خانق.

الأطفال المتفرجون كانوا متحلقين على الأطراف، أعينهم متسعة، يمسكون أنفاسهم بانتظار لحظة الانفجار. أصوات الرياح تتلاعب بأطراف الحلبة، تزيد من التوتر وكأنها تعزف لحن الموت القادم.

سيبرو بخطى واثقة، سحب نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ لكنه ينضح بالثقة:

"هل نبدأ؟"

ابتسم يان بسخرية، لم يرد بكلمة، فقط اختفى من مكانه في لحظة. اختفاؤه لم يكن عادياً، بل بدا وكأنه تحول إلى ظل، ظهر خلف سيبرو كطيف قاتم، وبدأ في توجيه ضربات متتالية، كل واحدة منها تحمل قوة كافية لإجبار خصمه على التراجع.

سيبرو تراجع للخلف ببطء، وجهه يُظهر مزيجاً من التركيز والغضب. قبل أن يلتقط أنفاسه، تحدث يان بنبرة مشحونة بالتحدي:

"يبدو أنك بحاجة لاستخدام مهارتك، يا سيبرو. هذا ليس مجرد تدريب ودي… أحدنا يجب أن يخرج حياً من هنا."

اندفع يان للأمام مجدداً، أسرع من قبل، لكن هذه المرة، ألقى سيبرو شيئاً صغيراً على الأرض. انفجر الجسم إلى دخان كثيف أحاط بالمكان، حجب الرؤية تماماً، وكأن الضباب قد بلع العالم.

في داخل الدخان، تغيرت القواعد. تحرك سيبرو بخفة قاتلة، يهاجم من كل الاتجاهات، يضرب من فوق ومن الجوانب، حتى بدا وكأن الدخان يختبئ خلفه جيشاً من الأشباح. لم يتمكن يان من صد الهجمات، يتلقى ضربات مؤلمة دون قدرة على الدفاع، والدماء بدأت تبلل ملابسه.

ورغم كل ذلك، وقف يان في مكانه، يئن لكنه لا يسقط. أغلق عينيه، وتحدث لنفسه بصوت داخلي مشحون بالتصميم:

"التركيز العميق… ركز… اجعل العالم بطيئاً، اجعل الضوضاء تتلاشى."

في مخيلته، تحول المكان فجأة. الحلبة أصبحت وكأنها محيط شاسع، مياهه هادئة بشكل مرعب، باردة كالجليد. هجمات سيبرو لم تعد تبدو كضربات عشوائية، بل كموجات بطيئة ومترابطة، تتجه نحوه. وفي اللحظة المناسبة، انعطف يان بسرعة خاطفة، موجهًا لكمة قوية إلى وجه سيبرو.

الضربة كانت كافية لتشويه وجه سيبرو بشكل واضح، لكن الأخير، بدلاً من التراجع، اندفع مجدداً نحو يان. كلاهما الآن يتحرك بسرعة غير بشرية، وكأن الضوء نفسه ينحني مع حركاتهما. أصوات اصطدام ضرباتهما كانت تُسمع كصدى عميق يملأ الأرجاء، والجميع يتابع المشهد بفم مفتوح.

كان يان يتفوق قليلاً، مهارته في التركيز جعلت حركات خصمه وكأنها بطيئة. لكن سيبرو ابتسم رغم كل شيء، ثم قال بصوت متقطع:

"أحسنت يا يان… لقد تجاوزت توقعاتي… مهارتك أصبحت متطورة."

تراجع خطوة للخلف، عيناه تشتعلان بالعزيمة، وأكمل:

"حان دوري الآن. سأريك لماذا يسمونني صياد الرائحة."

ملاحظة : مهارة سيبرو هي دقة الشم ، و هي مهارة مميزة تساعده في قطع شمه لمدة أو لتعميقه الى أبعد حد

سيبرو أغمض عينيه لوهلة، ثم تنفس بعمق، وقطع حاسة الشم لديه

بشكل كامل، ليزيد تركيزه إلى حد خطير. أخرج من جيبه كيساً صغيراً أسود اللون، ألقاه على الأرض بقوة. هذه المرة، كان الدخان الكثيف مختلفاً. الرائحة الكريهة التي انبعثت منه كانت خانقة، كأنها غاز سام تسلل إلى رئات الجميع.

الأطفال على الحواف بدأوا يسعلون بشدة، يغطون أنوفهم بأيديهم. بلاك داون، :، صرخت وهي تلوح بيديها:

"ما هذه الرائحة المريعة؟! هل يحاول قتلنا جميعاً؟"

أما يان، فكان الأكثر تضرراً. الرائحة ضربت أنفه كلكمة غير مرئية، أجبرته على السقوط على ركبتيه، وبدأ بالسعال الشديد. عيناه تدمعان، وحركته أصبحت بطيئة بشكل يائس. اقترب سيبرو بخطى بطيئة، وجهه يظهر خليطاً من النصر والأسف.

همس بصوت بارد لكنه مثقل بالندم:

"ثيو أسيتون… مادة فعالة، أليس كذلك؟ لكنني لست الأقوى في مجموعتي يا يان. آسف… لقد انتهى الأمر."

ثم، وبحركة واحدة دقيقة، ضرب سيبرو بيديه حنجرة يان، ليتدفق الدم بغزارة من الجرح المفتوح.

بلاك داون صرخت بأعلى صوتها:

"يجب أن نخرج من هنا حالاً! الجميع، إلى الطائرة! هذه الرائحة ستقتلنا إن بقينا!"

راغنا، :

"هيا، تحركوا! سنكمل القتالات غداً. الآن، نحن بحاجة للبقاء على قيد الحياة."

في حين بدأ الجميع بالانسحاب بسرعة، بقي سيبرو ينظر إلى يان الملقى على الأرض. عيناه كانت تقول الكثير، لكن الكلمات لم تخرج. فقط ظل واقفاً هناك، وسط الدخان الكثيف والرائحة المميتة.

2024/11/27 · 16 مشاهدة · 614 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025