عاد الصباح ليبسط نوره على المكان، لكن الجو كان يخفي خلف هدوئه مشاعر ثقيلة. السماء كانت زرقاء نقية، كأن المطر الذي هطل بغزارة طوال الليل لم يكن سوى ذكرى عابرة. الأرض تجف ببطء، بينما تتلألأ قطرات الماء على أسطح الطائرة الضخمة التي كانت متوقفة في منتصف الميدان.

داخل الطائرة، كان كل شيء يضج بالهدوء، سوى صوت أنفاس الأطفال الثقيلة أثناء نومهم. ملامحهم كانت مرهقة، وكأنهم عاشوا ليالي طويلة بلا نوم. بعضهم يتكور على نفسه، والبعض الآخر يرتمي بجسده النحيل على المقاعد، باحثاً عن الراحة في مكان لا يعرف سوى القسوة.

وفجأة، اخترق هذا السكون صوت صارخ:

"هاي، أيها الحثالة!"

كانت "بلاك داون" تقف بثبات على أحد الكراسي، نظرتها الباردة تجوب المكان. عينيها كانتا تلمعان كأنهما تحملان تهديداً مبطناً. أكملت بصوت يقطر ازدراءً:

"انهضوا! لا أريد أن أكرر كلامي."

لكن الأطفال بالكاد تحركوا. أعينهم المتعبة بالكاد فتحت، وأجسادهم المثقلة بالإنهاك رفضت أوامرها. لم يكن المشهد سوى انعكاس لتعب السنين التي عاشوها، حيث لم يعرفوا الراحة إلا في الأحلام.

"بلاك داون" لم تكن امرأة تعرف الصبر. أمالت رأسها قليلاً وهي تنظر إليهم بازدراء أكبر. ثم، بنبرة قاتلة لا تحتمل العصيان، قالت:

"راغنا،" نادت على مساعدها الضخم الذي وقف كظل ثقيل خلفها. "اقتل أي شخص لم ينهض في غضون ثلاث ثوانٍ."

لم يكن التهديد مجرد كلمات. بدأ العد التنازلي، "واحد... اثنان..."

في اللحظة التي بدأت تقول فيها الرقم "ثلاثة"، وقف الجميع كما لو أن الكهرباء قد صعقتهم. كانت أجسادهم ترتجف، ولكنهم اتخذوا وضعية الجند. أعينهم كانت خائفة، وجوههم تكسوها ملامح الرعب.

قادهم ذلك الأمر إلى الخروج من الطائرة، وتوجهوا إلى الحلبة الكبيرة. في لحظات، تحول المكان الهادئ إلى بحر من الفوضى والصراخ. الأطفال بدأوا القتال تحت إشراف صارم، بينما الجثث والدماء تلطخ الأرض في الجانب الآخر، حيث سقط أولئك الذين لم يلتزموا بالقواعد. و الخاسرين

---

رن هاتف "بلاك داون" في هذه اللحظة المشحونة. أخرجت الهاتف ببطء وضغطت على زر الإجابة، نظراتها لم تتغير:

"أهلاً."

من الطرف الآخر جاء صوت "شيماء"، معلمة في المنظمة، صوتها يحمل دفئاً زائفاً:

"أردت فقط أن أطمئن على أولادي الصغار."

ابتسمت "بلاك" بسخرية. "كوني على يقين أن كل شيء يسير تحت سيطرتك. أظنكِ ستحصلين على أكثر مما تريدين."

أنهت المكالمة وأعادت الهاتف إلى جيبها، ثم نظرت إلى الأطفال في الحلبة. كان المكان ينبض بالموت ، رغم أن هذا الموت مشبعة بالدماء والخوف.

في منتصف الساحة، تقدم "ألكس" بخطوات ثابتة. الطفل ذو الجسد النحيل، لكنه يحمل هالة مختلفة. كانت عيناه تشعان شجاعة وقوة، وجسده، رغم صغر سنه، كان يحمل عضلات مرسومة بعناية. في يده، حمل سيفاً شفافاً كأنه منحوت من زجاج، يلمع

هذا السيف لم يكن مجرد قطعة سلاح؛ كان إرثاً من عائلته "تاباي"، العائلة التي اشتهرت بأسلوبها الفريد: "أسلوب التقطيع". هذا الأسلوب كان مزيجاً من الحركات الدقيقة والضربات القاتلة، يتطلب تدريباً صارماً، وألكس لم يكن استثناءً. لقد مرَّ بتدريب قاسٍ تحت إشراف جده، الرجل الذي لم يعرف الرحمة.

مقابل "ألكس"، وقف "كيم"، الفتى الذي لقب بالسارق. كانت هالته مختلفة تماماً عن هالة خصمه. عينيه كانت مليئة بالغموض والكراهية، جسده النحيل لا يظهر قوته الحقيقية. لكن ما ميزه أكثر كان أسلوبه القاتل: "نسخ المهارات".

كيم كان يتقن تقليد أي أسلوب يقابله. لم يكن هناك أحد استطاع هزيمته من قبل. حتى جرأته جعلته يتحدى أحد معلمي المنظمة، لكنه دفع الثمن غالياً.

عُوقب "كيم" بحبسه أسبوعاً كاملاً في غرفة الجراد. كانت هذه الغرفة مظلمة تماماً، مليئة بالحشرات الزاحفة. لم يُقدم له سوى الماء، وكان مجبراً على أكل الجراد الحي ليبقى على قيد الحياة. تلك التجربة دمرت شيئاً في داخله، وزادت كراهيته للبشر.

ومع ذلك، وسط كل هذه الكراهية، كان "ألكس" هو الوحيد الذي استطاع التقرب منه، تفهم ألمه، وواساه في أحلك لحظاته.

الآن، في هذه الحلبة، لم يكن هناك مجال للعاطفة. وقف الاثنان وجهاً لوجه. الرياح تهب، والأصوات تتلاشى تدريجياً، كأن المكان بأكمله يتهيأ لهذه المعركة.

سيف "ألكس" يعكس الضوء بينما يتخذ وضعية الهجوم. "كيم" يراقبه بعيني صياد،جاهز لنسخ كل حركة ،

الجميع كان يترقب، يعلمون أن هذه المواجهة لن تكون عادية

2024/12/11 · 11 مشاهدة · 621 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025