بينما كان المكان يغرق في سكون قاتل، كانت خطواته تُسمع بوضوح في أرجاء الغرفة، كل خطوة كانت تمثل ثقلاً يخترق الهدوء المحيط. "طق، طق، طق" – الصوت الذي ينقض على الأذان كان يشبه دقات ساعة لم يعد يعرف أحد إلى أي زمن تعود. كان تاي، ذلك الكائن الهادئ، يسير بهدوء غريب كما لو أن كل ما حوله مجرد زينة في مشهد مظلم من مسرحية لن تنتهي. عيون تاي كانت ثابتة كأنها تعكس البحر الهادئ في يومٍ عاصف. لم يكن هنالك ما يُظهر عن مشاعره، وكأن قلبه قد توقف عن الخفقان أو أن عقله قد أوقف تفكيره. خطواته كانت تجسد الحكمة في صمتها، وكأنها تروي قصة لم تُكتب بعد.
توقف أمام الباب الضخم المعدني الذي حمله الزمن على عاتقه، كأنه يُخبر الجميع أنه كان شاهدًا على كل شيء، وكل شيء لن ينساه. يده امتدت بخفة نحو المقبض، لم تكن يدًا مرتبكة، بل يدًا تعلم أن لها القوة لتفعل ما تشاء. دفع الباب بهدوء، لكن الصوت الذي صدر عنه كان مدويًا، صريره كان كأنما يصرخ بعنف ليعلن عن وجوده، ليؤكد دخوله.
الغرفة التي دخل إليها كانت غارقة في ضوء باهت صادر عن مصابيح قديمة، كانت معلقة مثل خيوط عنكبوت متساقطة من السقف. الضوء كان ضعيفًا، لكنه كان يكفي ليرسم الظلال على الوجوه الجالسة حول الطاولة الضخمة في المنتصف. كانت تلك الوجوه غير واضحة تمامًا في ضوء الغرفة، وكأن كل شخص هناك كان يخفي شيئًا وراء ابتسامة مصطنعة أو صمتٍ ثقيل. الهواء كان مشبعًا بدخانٍ خفيف، يتسلل من مكانٍ ما في الزوايا، ممزوجًا بعطور غريبة تتراقص مع الرياح الهادئة التي كانت تملأ الغرفة برائحة كريهة تشبه الندم.
رفع أحد الجالسين رأسه، كان شابًا بشعره الأشعث وعينيه الغارقتين في الإرهاق، وعلى الرغم من ملامحه التي بدت بعيدة عن النشاط، كان صوته يحمل خفة غير متوقعة في هذا الجو الكئيب. "أهلاً تاي، كيف حالك؟" نطقت الكلمات وكأنها محاولة لتفتيت الجمود الذي كان يكتنف المكان.
لكن تاي لم يبد أي ردة فعل. كان يسير بخطوات ثابتة نحو الكرسي الفارغ عند رأس الطاولة، وجلس ببطء، وكأنما كانت الحركة هي نوع من التحذير لمن حوله. الصمت الثقيل الذي غلف الغرفة كان يزداد عمقًا، وكأن الجميع كان في انتظار شيء لم يأت بعد. كانت النظرات تتبادل بين الحاضرين وكأنهم يتسائلون: "ما الذي جاء به إلى هنا؟"
وما إن تكسر الصمت، حتى دخل موريس، الزعيم الفعلي، بهدوء ثقيل. كان حضوره طاغيًا، كأنه يخترق الجدران نفسها، وكل حركة له كانت مدروسة بعناية. رغم صوته العميق الذي ملأ المكان، بدا وكأن وجوده كان يضغط على الأجواء. "أعتذر على التأخير"، قالها، لكن كلماته كانت مجرد مجاملة في هذا الجو الثقيل.
لكن ما تلاه كان المفاجأة. الباب الذي انفتح ثانية، ظهر من ورائه وجه لم يكن أحد يتوقعه. بانغ، الرجل الذي كان يُعتقد أنه قد انتهى، خرج من الظلال وهو يحدق في المكان بنظرة ساخرة. عيونه السوداء الحادة كانت تمزق الفضاء، وبشدة ابتسامته الساخرة، كان يهدد بابتسامة غير مرغوب فيها.
"لو كنت استمعت لي وغيّرت السائق البطيء، لما تأخرنا يا سيد موريس"، قالها بنغمة متسائلة، لكنه لم يوجه حديثه فقط إلى موريس، بل إلى الجميع، عينيه تقطبان في كل زاوية من الغرفة.
رغم الدهشة التي عبَّرت عنها الوجوه، لم يكن بانغ يتوقف عن تأمل الجميع حول الطاولة. كان كل اسم يخرج من فمه كأنما يحفر في الأرض، يتفحص كل شخص كأنه لم يره منذ زمن بعيد. "نيفيرو، بالموند، أوبيتو، شو..." كانت نبرته تختبرهم واحدًا تلو الآخر. وعندما استقر نظره على تاي، كان كل شيء فجأة مختلف. كان كل شيء يصبح أكثر توترًا، كما لو أن الرياح تغيّرت فجأة.
اقترب بانغ من تاي، فكانت خطواته تتبع وقع خطواته الأولى، بطيئة، لكنها تنبئ بشيء غير متوقع. وقف خلفه، وضع يديه على كتفيه، بثقلٍ لا يمكن تجاهله. همس بصوتٍ عميق، بالكاد يسمع: "أيها الحثالة... لم تتغير أبدًا. بارد كالعادة."
لكن تاي لم يرفع عينيه. كانت ملامحه جامدة، وكأن ما قاله بانغ لم يكن أكثر من همسات في الرياح. بهدوء قاتل، قال: "مرحبًا بك. اجلس، موريس، لنبدأ الاجتماع."
كان الهواء يشتعل شيئًا فشيئًا، وتململ الجميع في مقاعدهم كما لو كانوا على حافة الهاوية. أوبيتو، الشاب الجالس على الطرف، ضرب الطاولة فجأة بقبضته، كان غضبه يرتسم على وجهه، لا يستطيع إخفاءه. "تاي، أنت في حضرة فرقة شهيرة. يجب عليك أن تظهر بعض الاحترام، وإلا..."
لكن المقاطعة كانت قادمة من بالموند، الرجل الضخم الذي كان يجلس ساكنًا، لكنه كان يراقب الغرفة كوحش يترقب الفريسة. "أعتقد أنني أريد أن أضرب شخصًا ما حتى الموت الآن"، قالها بصوتٍ منخفض، لكنه كان يتنفس الغضب.
رفعت يد موريس، كان هناك تهديد غير مباشر في حركته. "نحن هنا للنقاش، لا لافتعال معارك. سيد تاي، أعضاء الفرقة لا يعرفونك كما يعرفك بانغ، وهذا يجعلهم يشكون في قدراتك."
رفع تاي عينيه أخيرًا، كانت نظراته باردة كالثلج، وعندما تحدث كان صوته يملأ المكان بثقلٍ غريب، "أتفهم مشاعركم تمامًا، لكن هذا أمر ثانوي. حسنًا، لنبدأ القتال... عذرًا، الاجتماع."
كل شيء في الغرفة كان قابلاً للانفجار الآن. الأجواء التي كانت مشحونة بالترقب والقلق، أصبحت وكأنها كرة من النار على وشك الانطلاق. لكن بانغ، رغم كل هذا، ضحك. ضحك بصوتٍ عالٍ، ليس لأن الأمر كان مضحكًا، بل لأن هذا الوضع كان مجرد لعبة في عينيه، لعبة قذرة، لكنه كان يستمتع بها.