كانت الساعة تشير إلى التاسعة ليلاً، والظلام قد بسط عباءته الثقيلة على المدينة. في غرفة صغيرة مضاءة بمصباح شاحب، جلس أكاي خلف مكتب خشبي عتيق، يضع ساقًا فوق الأخرى ويداعب سيجارة بين أصابعه الطويلة. عيناه، الحادتان كالسكين، تتأملان شاشة هاتفه الذي وُضع بعناية أمامه. خلفه، نافذة مفتوحة تُطل على المدينة، والهواء البارد يُحرك الستائر كأنه شبح هائم.
رن الهاتف. لم يتفاجأ أكاي، بل أمسك به برفق وأجاب بنبرة هادئة لكن حادة، نبرة تحمل في طياتها برودة قاتلة:
"مساء الخير، تشاي."
كان صوت تشاي على الطرف الآخر مشوبًا بالتوتر، لكنه حاول إخفاءه:
"مساء الخير. ما الأمر؟"
أشعل أكاي سيجارته وسحب منها نفسًا عميقًا، وكأنه يستجمع أفكاره قبل أن يجيب. قال بنبرة هادئة لكنها مليئة بالخبث:
"لن أطيل عليك، يا تشاي. كنت سعيدًا جدًا اليوم برؤيتك. وفّرت عليّ عناء سنوات من البحث."
شعر تشاي بتوتر يتسلل إلى أعماقه، لكنه رد بسخرية ليغطي ارتباكه:
"بحث؟ عن ماذا تتحدث؟"
ضحك أكاي ضحكة خافتة، لكنها كانت تحمل في طياتها تهديدًا مبطنًا. قال:
"لا تتظاهر بالجهل. أنت تعلم جيدًا أن فرقة موريس قد تم تعيينها لمطاردة عائلتك. الأخبار ستصلك قريبًا، إذا لم تصل بالفعل."
ساد صمت قصير، وكأن الصمت نفسه يراقب المواجهة بين اثنين من أخطر الرجال في العالم. ثم أجاب تشاي بصوت واثق لكنه حذر:
"لم أسمع بهذا الأمر. هل لديك المزيد لتقوله؟"
أكاي، الذي أصبح صوته أكثر جدية وتهديدًا، قال:
"نعم، لدي موضوع أهم. أريد منك شيئًا بسيطًا للغاية... مواقع جميع أفراد عائلة أودجين. أعطني الأسماء والأماكن، وسأجعل الأمور أسهل لك ولعائلتك."
انفجر تشاي في ضحكة ساخرة، قال بنبرة استهزاء:
"هل فقدت عقلك؟ أم أن الكحول أثّر على قدرتك على التفكير؟"
لم يرد أكاي على الفور. بدلًا من ذلك، أطفأ سيجارته ببطء، ثم قال بنبرة باردة كالجليد:
"لم أكمل حديثي بعد. لم أخبرك أنني الآن بعيد عن المدينة. سافرت... وأخذت معي شخصًا عزيزًا عليك."
تغيرت نبرة تشاي فجأة، أصبح صوته مزيجًا من القلق والغضب:
"ماذا تقول؟ من أخذت؟"
أكاي أكمل بهدوء مرعب:
"آني... إنها معي الآن. وأعتقد أنك تعرف جيدًا ما أنا قادر عليه. إذا لم تمدني بالمعلومات، سأقتلها. لكن قبل ذلك... سأجعلها تتمنى الموت."
تشاي، الذي أصبح الآن على وشك الانفجار، صرخ في الهاتف:
"أنت مجنون! آني ليست مجرد فتاة بالنسبة لك. إنها... إنها حبيبتك!"
ضحك أكاي ضحكة جافة، وقال ببرود:
"في العمل، كل شيء يصبح بلا معنى. المشاعر، العلاقات، وحتى الأرواح. كل شيء يمكن التضحية به من أجل الهدف. لذا، سأعيد سؤالي: أماكن أفراد عائلتك؟ أو موت آني؟"
تشاي حاول التماسك، لكنه كان يشعر بالغضب يسيطر عليه. قال بصوت يفيض بالتحدي:
"أنت لن تجرؤ. آني ليست مجرد ورقة تلعب بها."
أكاي ابتسم ابتسامة قاتلة وقال:
"دعني أريك شيئًا."
فتح أكاي الكاميرا، وأظهر صورة حية لآني. كانت مقيدة بحبل سميك، ويديها مرفوعتين فوق رأسها. فمها مغلق بشريط لاصق، ودموعها تنهمر على وجنتيها. بجانبها، رجل ضخم الجثة يوجه لكمة قوية إلى معدتها، مما جعلها تتلوى من الألم.
"كما ترى، لا أمزح." قال أكاي بنبرة جافة.
كان صوت تشاي مليئًا بالغضب والقهر:
"توقف فورًا! سأفعل ما تريده، لكن أعدها إليّ. لا تلمسها مجددًا!"
رد أكاي بهدوء:
"حسنًا. لن أمزق شعرة من رأسها. لكنها ستبقى معي حتى تنفذ وعدك. عندما تبدأ المهمة، أريد منك أن تمدني بالمعلومات فورًا."
أغلق أكاي الهاتف قبل أن يتمكن تشاي من الرد. رمى الهاتف على الطاولة، وأشعل سيجارة جديدة. كانت ابتسامته هذه المرة أكثر شراسة، كأنه ملك يجلس على عرشه يخطط لسقوط مملكة بأكملها.
كان أكاي يجلس على كرسيه الكبير، يترنح قليلاً للأمام والخلف، يملأ المكان بضحكته المدوية. كان وجهه مشرقًا بنشوة الانتصار، وعيناه تلمعان بجنون خافت، وكأنما قد أمسك بين يديه زمام قوة لا تُقهر. حركاته كانت مبالغ فيها، يداه تلوحان في الهواء، وساقاه المتقاطعتان تهتزان بخفة مع كل قهقهة تصدر منه.
"إنها معجزة... إنها معجزة!" قال بصوت عالٍ، نبرته تتأرجح بين الحماس والهوس. "لقد عثرت على جميع أماكن عائلة أودجين."
---: نعود الى الزمن الحالي
عند الباب، كانت شيماء، معلمة تحمل وجهًا مليئًا بالتصميم والرزانة عادةً، تقف خلف فتحة صغيرة، تراقب وتستمع. وجهها كان يعكس في البداية فضولاً حذرًا، حاجباها معقودان بخفة، وعيناها تتحركان ببطء لتلتقط كل تفاصيل الموقف.
لكن مع سماع كلمات أكاي، تغيرت ملامحها بالكامل. اتسعت عيناها بصدمة كأن الكلمات كانت سهمًا اخترق قلبها، وتحركت يدها لا إراديًا نحو فمها لتكتم شهقة خوف كادت تفضح أمرها.
بدا جسدها وكأنه تجمد للحظة، ثم استدارت فجأة، كأن قدميها أصبحتا أثقل من أن تحملانها، وبدأت تهرول مبتعدة عن الباب. خطواتها كانت سريعة ولكن حذرة، صوت كعب حذائها يكاد لا يُسمع على الأرض الخشبية.
كان الممر الذي انسلت فيه شيماء مظلمًا، إلا من ضوء خافت يتسرب من النوافذ الصغيرة. الجدران هناك كانت كئيبة، مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار، كأن المكان شهد على سنوات من الأسرار والكذب. شعرت شيماء بالعرق يتصبب على جبينها، ولم تتوقف عن النظر خلفها بين الحين والآخر، وكأنها تخشى أن يظهر أكاي فجأة خلفها.
كان الجو مليئًا بالتوتر والترقب. ضحكات أكاي المستمرة داخل الغرفة كانت تصل إلى أذني شيماء حتى مع ابتعادها، كأنها تطاردها. كان صوتها ثقيلًا، يكاد يطغى على صوت أنفاسها السريعة. بدا وكأن المكان بأكمله يحمل طابعًا مظلمًا، يتنفس معه السر الذي اكتشفته شيماء، سر من شأنه أن يغير كل شيء.
توقفت شيماء أخيرًا عند نهاية الممر، استندت إلى الحائط، تحاول تهدئة أنفاسها. لم تكن تعرف بعد ما
الذي ستفعله بهذه المعلومات،
---