كان المشهد أشبه بواحة في صحراء قاحلة، قاعة الطعام مضاءة بمصابيح كريستالية تتدلى من سقف عالٍ، تنثر نورًا ناعمًا على الطاولات الطويلة الممتلئة بأشهى المأكولات. الأطباق تلمع بألوانها الزاهية، من أطباق اللحوم المشوية إلى الفواكه الطازجة التي تفوح منها روائح تنعش الأنفاس. المكان يعجّ بالأطفال الجائعين الذين ينكبّون على الطعام بشراهة وكأنهم لم يأكلوا منذ سنوات، أصوات المضغ والابتلاع تملأ الجو، تمتزج مع همسات الأحاديث المتقطعة.

:

كان سون يجلس في نهاية الطاولة، يحدّق في قطعة لحم بين أصابعه، لكنه بالكاد يلمسها. عيناه نصف مغلقتين كأنهما تبحثان عن جواب بعيد، فيما يديه تتحركان بتثاقل. تعابير وجهه عكست صراعًا داخليًا؛ فكه متصلب، وجبينه معقود، وكأن فكرة ما تحفر داخل رأسه. على يمينه، كان سيبرو منشغلًا بتمزيق قطعة دجاج بأسنانه، لكن عينيه تتحركان باستمرار، تراقبان الأطفال الآخرين بحذر، وجهه الجامد لا يعكس أي شعور، كأنه قناع يخفي خلفه شخصًا آخر.

--:

قطع سون شروده فجأة، بصوت هادئ لكنه مثقل بالشكوك:

"سيبرو، لدي سؤال."

نظر إليه سيبرو بحدة، ممسكًا بعظمة دجاج:

"ما بالك الآن؟ اسأل أيها الأحمق قبل أن تفقد لسانك."

تنهد سون، ثم قال بصوت منخفض:

"فرقة أوقا... قلت إنهم أمسكوا بعائلة أودجين. لماذا؟ ما هي الخطيئة التي ارتكبوها؟ هل كانوا مجرد قتلة، أم هناك شيء آخر؟ وكيف استطاعوا الهرب؟"

ألقى سيبرو العظمة جانبًا، ثم مال بجسده قليلاً إلى الأمام. خفض صوته وكأنه يشارك سرًا دفينًا:

"لا أعلم كل شيء، لكن سمعت بعض القصص. يُقال إنه قبل 25 عامًا، كانت عائلة أودجين تعيش في مدينة ناها اليابانية. كانوا معلمين لفنون القتال، يدرّبون الأطفال والكبار على الدفاع عن أنفسهم. شهرتهم اجتاحت اليابان، والناس كانوا يأتون من كل مكان لتعلم أساليبهم. لكن الأمور تغيرت عندما ارتكب أحد أفرادهم، بان أودجين، جريمة كبرى."

توقف لثانية، كأنه يستجمع الأفكار، ثم أكمل بصوت أكثر غموضًا:

"بان، قيل إنه استُؤجر من أحد السياسيين لاغتيال رئيس البلاد. نفذ الجريمة بمساعدة عائلته. تم القبض عليه وأُعدم علنًا أمام الجميع. أما البقية... ففي يوم محاكمتهم، حدثت مجزرة داخل قاعة المحكمة. بطريقة ما، استطاعوا الهرب، تاركين وراءهم عشرات الجثث. حتى فرقة أوقا لم تتمكن من إيقافهم في ذلك اليوم."

---

رد فعل سون وسيبرو:

ابتلع سون ريقه بصعوبة، وقال:

"وكيف أصبحوا أخطر عائلة قتل مأجور في العالم؟"

تنهد سيبرو ببطء، ثم نظر إلى طبق الطعام أمامه وكأنه يرى شيئًا بعيدًا:

"منذ ذلك اليوم، بدأوا يعملون في القتل المأجور. في البداية، كانت أرقام الضحايا صغيرة، لكنها بدأت بالارتفاع تدريجيًا. ثم... جاء يوم الكارثة."

رفع سون حاجبيه، وسأل:

"أي كارثة؟"

أخفض سيبرو صوته أكثر، وكأن ذكرى ثقيلة تسحب الكلمات من فمه:

"قبل خمس سنوات، في إنجلترا. اثنان فقط من أفراد عائلة أودجين، أطلق عليهما الناس اسم آلة القتل والوحش الفتاك، قضوا على أكثر من مليون شخص في يوم واحد. قيل إنهم حولوا ساحة إلى بحر من الدماء. حتى الدبابات والطائرات لم تستطع إيقافهم."

---:

ارتعش سون قليلاً، وقال بصوت مشحون بالغضب:

"تلك العائلة يجب أن تُباد بالكامل. لا يحق لهم العيش بين البشر."

قبل أن يكمل كلامه، قاطعه راغنا بصوت كالرعد:

"سون! سيبرو! اصمتا حالًا وإلا قطعت لسانيكما بنفسي."

كان راغنا يقف عند نهاية القاعة، ظله الضخم يغطي نصف المكان. عينيه كانتا كجمرتين متوهجتين، وجبهته معقودة بغضب.

سون، لم يأبه بالتحذير تمامًا، لكنه أضاف بخفوت:

"سأقضي على عائلة أودجين يومًا ما، مهما حدث."

---

آلما تقتحم الحديث:

انفجرت آلما ضاحكة، صوتها صاخب ومشحون بالسخرية. كانت تقضم قطعة لحم، لكنها أخرجتها من فمها لتقول بصوت عالٍ:

"أنت؟ أيها الضعيف ستقضي على عائلة أودجين؟! ربما يستطيع الدجاج الذي تأكله الآن فعل ذلك قبلك."

نظر إليها سون بحدّة، لكن قبل أن ينطق بكلمة واحدة، صاح راغنا بصوت زلزل الغرفة:

"أيها الحثالة! انهضوا جميعًا. انتهى وقت الأكل. إلى غرف الاستراحة فورًا!"

---:

نهض الأطفال بصمت وامتثال، عيونهم تراقب راغنا بحذر. الجو تغير تمامًا، ثقيلًا بالصمت المطبق، وكأن الضحكات والهمسات التي ملأت المكان قبل لحظات أصبحت ذكرى بعيدة. الغرفة نفسها بدت فجأة اضيق، و كأن الاسرار اللتي احملها اصبحت اكبر من أن تحمل

2024/12/15 · 13 مشاهدة · 614 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025