جلس تشاي في زاوية مظللة من حديقة الألعاب، مرتدياً معطفه الأسود الطويل الذي يعكس برد الشتاء القارس. الهواء البارد يلامس بشرته، لكنه بدا غير مكترث، وكأن جسده فقد الإحساس بالعالم من حوله. كانت الحديقة تعجّ بضحكات الأطفال، أصواتهم تتعالى بين أرجوحة تصدر صريراً خافتاً وألعاب دوارة تملأ المكان بالحركة. عينيه السوداوين تراقبان المشهد بصمت، بينما ذهنه يغوص في أعماق ذكرياته.

ظهرت صورة آني فجأة في عقله، فتاة ذات ابتسامة دافئة وعينين تشعان بالأمل. تذكر الأيام التي قضاها معها، كيف كانت تضحك على نكاته السخيفة وكيف كانا يتقاسمان لحظات هادئة تحت سماء مرصعة بالنجوم. لكن المشهد تبدد كفقاعة عندما اخترق ذهنه صوت مألوف، صوت أكاي، ضحكته المزعجة تتردد في عقله مثل صدى قبيح.

شعر تشاي بانقباض في صدره. قبضته اشتدت فوق ركبته، وظهرت عروق بارزة على يديه. فجأة، رن هاتفه، كسر الصمت من حوله. كان الاسم الظاهر على الشاشة إيفا.

رفع الهاتف ببطء وضغط على زر الإجابة دون أن ينبس بكلمة. من الجانب الآخر، جاء صوت إيفا البارد، مزيج من السلطة والغموض:

"تشاي، يبدو أنك لا تزال شارد الذهن كما توقعت."

حدق تشاي في الأفق، محاولاً كبح نفاد صبره، وقال بصوت خافت لكنه يحمل ثقل التحذير:

"لماذا تتصلين بي الآن؟"

ضحكت إيفا بخفوت، وكأنها تستمتع بقلقه:

"اجتماع للعائلة يوم الإثنين القادم. الجميع سيكون هناك، وأعني الجميع. حضورك إجباري."

تردد تشاي للحظة، ثم رد بحزم:

"لماذا الآن؟ ما الذي يحدث؟"

كان الرد من إيفا أشبه بطعنة خفية:

"ليس هناك شيء يستدعي قلقك… بعد. فقط كن في الموعد، فهذا ليس طلباً."

أنهت المكالمة قبل أن يتسنى له الرد. حدق في الشاشة للحظة، وكأنها قد تحمل إجابة مخفية. زفر بشدة، وظهر خط دقيق بين حاجبيه، علامة على حيرته.

همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:

"لابد أن أفعل شيئاً... لن أترك آني في قبضتهم."

الجو داخل متجر الإلكترونيات

دلف تشاي إلى المتجر. كانت الإضاءة البيضاء القوية تعكس ظله الطويل على الأرضية اللامعة. عيناه السوداوان مسحتا المكان بنظرة باردة، تشبه سكيناً يخترق الظلام.

تقدم نحوه بائع شاب، وجهه يفيض بالحيوية، لكنه لم يكن يدرك من يقف أمامه. قال بابتسامة مهنية:

"مرحباً بك، كيف يمكنني مساعدتك؟"

أجاب تشاي بصوت عميق، دون أن يترك أي مساحة للردود السطحية:

"أريد حاسوباً."

البائع، الذي بدا وكأنه لم يلتقط نبرة تشاي الجافة، سأله:

"هل هناك نوع معين تبحث عنه؟"

أشار تشاي بيده إلى حاسوب معروض خلف الزجاج. كان الجهاز حديثاً وباهظ الثمن، يلمع تحت الأضواء وكأنه جائزة لا يمكن الوصول إليها.

ابتسم البائع ابتسامة محرجة وقال:

"آه، هذا… ربما تبحث عن شيء آخر؟ هذا الجهاز مكلف للغاية. ربما أستطيع أن أقترح خياراً مناسباً أكثر…"

قاطعته نظرة تشاي الحادة. كان الأمر أشبه بتجمد الهواء في المكان. حدق فيه بصمت لثوانٍ، ثم قال بصوت بارد أشبه بجليد يخترق الجلد:

"قلتُ… أريد هذا."

ارتبك البائع. ارتعشت يداه قليلاً وهو يفتح الزجاج ليخرج الجهاز. قال بصوت مهتز:

"حسناً… ثمنه تسعة ملايين."

أخرج تشاي بطاقة سوداء من جيبه وألقاها على المنضدة. لم تكن هناك أي كلمات إضافية، فقط هالة من القوة والهيبة التي جعلت البائع ينفذ طلبه دون أي اعتراض.

غادر تشاي المتجر، الحاسوب في يده، وعيناه تحملان نظرة ثابتة نحو الأفق. همس لنفسه:

"أكاي… لنرى من يضحك في النهاية."

كان الجو الخارجي مزيجاً من الظلام والمطر الخفيف. كل خطوة يخطوها كانت تترك أثراً على الأرض المبللة، وكأن العالم نفسه يتبع خطواته الثقيلة.

في الطابق الأرضي من مبنى المنظمة، كانت الغرفة مظلمة كقبر نُبش حديثًا، تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، وجدرانها تبدو وكأنها تشهد على عقود من المعاناة والصراخ المكتوم. أضواء خافتة تتسلل من مصابيح مهترئة، تلقي ظلالًا طويلة مشوهة كأنها أرواح تائهة. الباب المعدني الثقيل صريره وحده يكفي لإيقاظ خوف دفين في أعماق أي شخص.

وقف أكاي عند المدخل، شبحاً مظللاً بالنور الباهت، مرتديًا بدلته السوداء الأنيقة التي تعكس تناقضًا مريبًا مع المكان. ابتسامة خبيثة امتدت على شفتيه، تنضح بالغطرسة والشر. عيناه، تلكما العميقتان الداكنتان، تحملان قسوة تجعل الدماء تبرد في العروق.

في منتصف الغرفة، كانت آني مقيدة على كرسي معدني، يديها وقدميها مشدودتان بسلاسل صدئة تلتف حولها كالأفاعي. وجهها شاحب، يكسوه مزيج من الغضب والخوف، بينما قطرات من العرق تنساب على جبينها. بجانبها، وقف حارسان بوجوه جامدة، عيونهم خاوية كأنها تابعة لآلة بلا إحساس.

أكاي خطى نحوها بهدوء مريب، خطواته على الأرضية الأسمنتية تصدر صدى خافتاً، كدقات ساعة عتيقة تحسب النهاية. توقف أمامها، وانحنى قليلاً ليكون على مستوى عينيها. رفع يده ببطء ليزيل الكمامة التي كانت تخنق صرخاتها.

انطلقت كلمات آني كبركان:

"أيها الوغد! سأقتلك! هل تسمعني؟ سأقتلك بيديّ!"

لكن أكاي لم يتأثر، بل ضحك بخفة، وكأن تهديدها مجرد نكتة سيئة. رد بصوته العميق المليء بالسخرية:

"آه، كم هو جميل أن أرى فيكِ هذه الطاقة. كنتُ أخشى أن أجدك منهارة. كيف حالكِ اليوم، يا صغيرتي؟"

نظرت إليه بعينين مشتعلتين، كأنها تود تمزيقه بأظافرها:

"أيها الخائن! كنتُ أثق بك... وها أنت تخونني! أنت لا شيء سوى جبان!" ثم بزقت عليه

تراجع أكاي خطوة، واضعاً يديه في جيبيه، ونظر إليها بتلك النظرة التي تحمل مزيجاً من الازدراء والتسلية:

"خائن؟ جبان؟ عزيزتي، أنتِ من جلبتِ هذا على نفسك. هل نسيتِ من الذي وثق بقاتل مأجور، مجرم، بل وأخطر من ذلك؟"

صمتت للحظة، وكأن كلماته اخترقت أعماقها. قالت بصوت متهدج، بين الغضب والحيرة:

"لم أكن أعرف… لم أكن أعرف أنه قاتل. وحتى لو كان كذلك، لماذا تفعل هذا بي؟"

أشار للحارسين بيده، ليخرجا من الغرفة دون أن ينبسا بكلمة. بعد أن أغلق الباب خلفهما، اقترب منها، وجهه الآن مغطى بظل داكن، ونبرة صوته صارت أشبه بهمسة شيطانية:

"حسنًا، حان الوقت لتعرفي الحقيقة، يا عزيزتي. صديقكِ العزيز، حبيبكِ المثالي… ليس مجرد قاتل مأجور. إنه من عائلة أودجين."

عيناها اتسعتا في صدمة خالصة، وكأنها تلقت للتو صفعة غير مرئية. همست، وكلماتها بالكاد خرجت:

"ماذا… ماذا قلت؟ هذا غير ممكن… غير صحيح!"

ضحك أكاي، ضحكة جعلت الغرفة تبدو كأنها تضيق:

"أوه، إنه صحيح تمامًا. تشاي أودجين. الاسم وحده يكفي ليُبقي أمثالنا مستيقظين في الليل. أنتِ لم تكوني تعرفين؟ كم هو مؤسف. لكن لا تقلقي، ستتعودين."

بدأت آني تهز رأسها بعنف، وكأنها تحاول طرد الكلمات من عقلها:

"لا… لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا! أنت تكذب!"

اقترب منها أكثر، حتى بات بإمكانها أن تشم رائحة عطره الفاخر، ثم همس:

"لا ألومك على صدمتك. لكن دعيني أذكّرك… أنتِ من اختار هذا الطريق. الآن، ستدفعين الثمن."

في لحظة واحدة، صفعها بقدمه بقوة جعلت جسدها يندفع مع الكرسي، وخرجت من فمها صرخة مختلطة بالدماء التي انسابت من شفتيها.

وقف مستقيمًا، نظر إليها للحظة وكأنه يستمتع بمشهد الألم الذي خلفه. ثم التفت للحارس الذي عاد عند الباب وأمره ببرود جليدي:

"فكّ قيود يديها وقدميها، ثم ضع قدمها اليسرى في هذا البرميل."

كان هناك برميل حديدي كبير في زاوية الغرفة، يتصاعد منه بخار ساخن، وكانت رائحته توحي بأنه مملوء بماء يغلي. أكمل أكاي تعليماته بصوت بلا مشاعر:

"اربطها جيدًا. لا أريدها أن تتحرك. واتركها هناك حتى يبرد الماء بنفسه."

خرج أكاي من الغرفة ببطء تاركا الباب يغلق خلفه بصوت مكتوم ،كانت آني تئن بصوت خافت، عقلها عالق بين صدمة ما سمعت و واقع الألم اللذي ينتظرها

2024/12/22 · 15 مشاهدة · 1088 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025