الغروب كان كئيبًا.

الشمس، تلك الجوهرة البرتقالية، كانت تنحدر ببطء وراء الأفق، ترسم ظلالًا طويلة على الرمال المتحركة كأنها لوحات زيتية حية. الريح تعوي كما لو أنها تحمل أسرارًا قديمة من قلب الصحراء، تداعب حبات الرمل فتثيرها في دوامات صغيرة، تلتصق بالوجوه، تخترق الشفاه، وتملأ الأنفاس بعبق الصحراء الجاف. كانت السماء تتحول إلى لوحة من الألوان الداكنة، من برتقالي محترق إلى بنفسجي عميق، إيذانًا بقدوم الليل.

كانت "بلاك داون" تمشي في المقدمة، خطواتها ثابتة رغم أن الرمال تبدو كأنها تحاول التهامها. وقفتها كانت تحمل هالة من الهيبة الصامتة، كتفان مرفوعان، وظهر مستقيم كأنها تحمل العالم على كتفيها، لكن بلا انحناء. وجهها لم يظهر سوى لمحات منه، إذ كانت الريح تدفع عباءتها السوداء نحو الخلف، وشعرها الطويل يتمايل كأنه جزء من العاصفة نفسها. نظرتها الحادة كانت تكفي لتبث الطاعة في قلوب من يتبعونها، وكأنها تقول دون كلمات: لا مكان للتردد، لا وقت للتراجع.

خلفها، تحركت المجموعة في صمت مضطرب.

"سون"، بصوت مبحوح من شدة الجفاف، تمتم بشيء أقرب للشكوى:

"أربع ساعات ونحن نسير في هذه الصحراء اللعينة... والليل بدأ يُسدل ستاره. هل نظل نسير حتى يُنهكنا التعب تمامًا؟"

"آلما"، بوجه بدا عليه الغضب أكثر من التعب، التفتت نحوه وقالت بحدة:

"سون، توقف عن التذمر! أنت تعرف أننا لا نملك خيارًا آخر."

كان صوتها مشوبًا بتوتر مكبوت، كأنها تحاول السيطرة على أعصابها رغم الإرهاق الذي بدأ يظهر في خطوط وجهها.

"سيبرو"، ضاحكًا بخفوت، قال بنبرة مزاح ثقيل:

"حقًا؟ قدماي لم تعودا تطاوعاني... ربما سأستلقي هنا قليلًا وأدع الرمال تأخذني."

لكن ضحكته لم تصل إلى عينيه، فقد كانت خطواته تتباطأ بالفعل، ووجهه الشاحب كشف عن الإرهاق الذي لم يستطع إخفاءه.

"غاندي"، ذو البنية الضخمة والصوت العميق، قاطعهم بنبرة تهكمية تحمل نكهة السخرية:

"أتعرفون؟ ربما الأفضل لكم جميعًا أن تستسلموا الآن. منظمة مثل منظمتنا ليست مكانًا لضعفاء مثلكم."

كانت كلماته مثل السكين، تقطع بصوتها الثابت. لكن عينيه الداكنتين، اللتين عكستا ضوء الغروب الخافت، لم تظهرا سوى الجدية الباردة.

سون، بابتسامة تحمل استفزازًا مقصودًا، رد وهو يرمق "غاندي" بنظرة ساخرة:

"حسنًا، أيها البطل. لماذا لا تتقدم أنت في المقدمة وتريحنا؟ سنسير خلفك بكل طيبة خاطر."

ضحكات مكتومة خرجت من المجموعة، لكن "غاندي" لم يُظهر أي استجابة سوى نظرة واحدة باردة قاسية نحو "سون"، ثم أكمل طريقه دون أن ينبس بكلمة.

وسط ذلك المشهد، تعالت نبرة صوت "مين"، التي حملت مزيجًا من القلق والمسؤولية:

"هاي، هل الجميع هنا؟ لا أريد أن أجد أحدكم قد خرج عن المجموعة."

صوتها كان مرتفعًا بما يكفي ليخترق صوت الريح، لكنه ارتعش قليلًا، وكأنها تقاتل شعورًا داخليًا بالخوف.

آلما، التي كانت تمسح العرق عن جبينها، صاحت بنبرة لا تخلو من المزاح الساخر:

"لا تقلقي، كل الأغبياء ما زالوا هنا."

ثم، بصوت غريب قاطع السكون... قال "راغنا"، بصوت هادئ لكنه يحمل يقينًا لا يمكن الشك فيه:

"لقد وصلنا."

رفع إصبعه مشيرًا نحو الأفق. ظلال ضخمة بدأت تظهر ببطء خلف موجات الرمال المتطايرة. مع اقترابهم، بدأت تلك الظلال تتضح أكثر، حتى ظهرت أمامهم... مستشفى مهجور ضخم، كأنه وحش من الخرسانة والزجاج يقف متحديًا الزمن.

المبنى كان هائلًا، أحد عشر طابقًا ترتفع عالياً وكأنها تناطح الغيوم.

النوافذ المكسورة بدت كعيون ميتة تحدق فيهم، والجدران المليئة بالشقوق والكتابات الغريبة بدت كأنها تحمل ذكريات لعنة قديمة. الباب الأمامي كان مفتوحًا كفم أسود، يدعو الداخلين إليه.

"بلاك داون" توقفت أمامهم، ونظرت إليهم بوجه جاد:

"هذا هو المكان. هنا ستُختبرون."

ثم أشارت إلى رجال يرتدون معاطف سوداء وقبعات تغطي أعينهم:

"رجال القبعة السوداء، رافقوا كل مجموعة إلى نقاط البداية. أما أنتم، أيها الأطفال، فخذوا هذه الساعات. ستبدأ العد

التنازلي عندما ينطلق الإنذار. الاختبار مدته يوم واحد فقط."

رجال القبعات السوداء: الحراس الصامتون للغموض

كانوا يقفون على مقربة، أشبه بتماثيل منحوتة من الظلال. رجال المنظمة الذين أحضرتهم السيدة بلاك داون كانوا أشبه بأطياف سوداء تتحرك في الصحراء. معاطفهم السوداء الطويلة كانت ترفرف مع الريح كأنها جزء من الظلام نفسه، فيما أخفت قبعاتهم العريضة أعينهم، إلا من لمحات غامضة خلف نظارات سوداء عاكسة، تعكس وهج الشمس الغاربة.

ملامحهم لم تكن واضحة. بدا أن السواد كان درعًا يخفي شخصياتهم، أو ربما هويتهم ذاتها. كانوا يتحركون في صمت كامل، كأن الأرض لا تجرؤ على تسجيل خطواتهم. كل حركة منهم كانت مدروسة بعناية، وكأنهم جنود مدربون على إخفاء وجودهم حتى وسط الزحام.

حين تحدثت السيدة بلاك داون، اكتفوا بإيماءات قصيرة برؤوسهم، لا كلمات تُقال. بدا أن لغتهم لم تكن بالصوت، بل بالنظرات والإيماءات التي تحمل دقة عسكرية صارمة.

كانت قبعاتهم ونظاراتهم تخلق هالة مهيبة. مجرد الوقوف أمامهم يكفي لإثارة القلق في النفوس، وكأنهم ليسوا بشرًا بل آلات مبرمجة بدقة. وبينما تقدم كل واحد منهم ليرافق مجموعة الأطفال، كان الجو يزداد توترًا.

أمسكوا بملفات تضم أسماء الأطفال وقوائم منظمة بعناية، وكأن كل شيء خُطط له مسبقًا. لا مجال للخطأ. أحدهم أشار بيده إلى مجموعة صغيرة من الأطفال، صوته العميق كأنه يخرج من بئر مهجور:

"أنتم معي. حركوا أقدامكم."

الأطفال نظروا إلى بعضهم بتردد، لكن لم يكن هناك خيار سوى الطاعة. كل رجل من رجال القبعات السوداء بدا وكأنه حارس بوابة، يُهيئ الداخلين إلى عالم لا عودة منه.

حين تحركوا داخل المستشفى المهجور، بدا كأن المكان استجاب لهم. الظلال زحفت أكثر نحو الزوايا، والأصوات الخافتة من الريح والنوافذ تصاعدت كأنها أنين أرواح قديمة. رجال القبعات السوداء كانوا كالأشباح، يتسللون في صمت، تاركين خلفهم أثرًا من الغموض والخوف.

هؤلاء الرجال لم يكونوا مجرد مساعدين... كانوا جزءًا من لغز أكبر، جزءًا من السيدة بلاك داون نفسها، وأداة لتسليم الأطفال إلى قدرهم المنتظر.

داخل المبنى، الظلام كان كثيفًا...

رائحة العفن اختلطت برائحة معدن صدئ، وأصوات الريح عبر النوافذ المحطمة كانت كأنها نواح أرواح محبوسة. في إحدى الغرف، وقفت "مين" تتأمل المكان، وقالت بصوت مرتجف:

"أنا معكم هنا... ومع ذلك، لا يمكنني أن أنكر أن هذا المكان... مخيف."

"إيرلي"، بابتسامة غير متوقعة، قال بنبرة هادئة:

"على العكس تمامًا. يمكنني الشعور بشيء جميل هنا... طاقات لا حدود لها. أريد العودة لهذا المكان وحدي يومًا ما."

نظرت "مين" "راغنا" و بلاك إلى "إيرلي" بدهشة واضحة، كأنهما يسمعان جنونًا خالصًا.( مشهد مضحك)

فجأة، رن الهاتف بصوت عالٍ، مما جعل "مين" تقفز في مكانها قبل أن تلتصق بـ"راغنا".( مشهد مضحك)

"بلاك داون"، بابتسامة هادئة، قالت:

"لا تخافي، إنه مجرد هاتف. كل الأطفال في أماكنهم. الآن، ."

بينما كان الصمت يلف المكان داخل المستشفى المهجور، أخرجت "بلاك داون" فجأة جهازًا صغيرًا من جيب معطفها، يشبه أنبوبًا معدنيًا دقيقًا، بدا وكأنه يحمل قوة أكبر مما يبدو عليه. كانت نظرتها جامدة، مليئة بالتركيز والهيمنة، بينما ضغطت على زر في الجهاز.

انطلق صوت قوي، أشبه بانفجار صغير لكنه موجّه، يصمّ الآذان للحظة وجيزة. الصوت ارتطم بجدران الغرفة المهجورة، مترددًا بين الزوايا ومصحوبًا بذبذبات خافتة كأن المكان ذاته اهتز للحظة.

مين، التي كانت تقف بالقرب، شهقت بشكل لا إرادي، وعيناها اتسعتا في رعب طفولي. حاولت أن تخطو خطوة للخلف، لكنها تعثرت برجل أحد الأسرة الصدئة وسقطت على الأرض. صرخة صغيرة خرجت منها بينما ارتطم جسدها بالأرضية المغبرة.

"آه!" قالت بصوت مرتجف، ثم أضافت وهي تحاول النهوض:

"ما هذا بحق السماء؟! كدت أموت من الخوف!"

الغرفة امتلأت بالصمت للحظة، قبل أن يتحول هذا الصمت إلى قهقهات مكتومة. "راغنا" كان يحاول كبت ضحكته لكنه فشل، و"إيرلي" ابتسم ابتسامة واسعة وهو يهز رأسه ببطء، بينما علّق "راغنا" بنبرة ساخرة:

"مين، يبدو أن جهازًا صغيرًا يمكنه هزيمتك. "

مين، التي احمر وجهها من الإحراج، نهضت بسرعة وهي تمسح الغبار عن ملابسها، وقالت بغضب مضطرب:

"لم أكن خائفة... فقط... فقط لم أتوقعه!"

"بلاك داون"، التي كانت تراقب المشهد ببرود، ابتسمت لأول مرة، لكن ابتسامتها كانت صغيرة ومتحفظة، بالكاد تظهر على شفتيها:

"مين، ربما عليكِ التدرب على مواجهة المفاجآت. هذا مجرد صوت... تخيلي ما ينتظرنا لاحقًا."

مين تنهدت، وبدأت تتراجع خطوة لتقف بجانب "راغنا"، الذي كان ما يزال يبتسم بخفوت. الجو أصبح أكثر توترًا، لكن تلك اللحظة العابرة من السخرية الممزوجة بالخوف كانت كافية لتخفيف العبء للحظات قصيرة قبل أن يعود الصمت المهيب ليسيطر مجددًا.

2025/01/17 · 15 مشاهدة · 1221 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025