في اللحظة التي ظهر فيها الرجل، كان الظلام يتناثر حوله كما لو أنه خرج من عمق الزمان. حركاته كانت سريعة، وكل حركة له كانت تقتطع الهواء كما لو كان يعبر من خلاله. في بداية الهجوم، ضرب سون بقوة، لكنه تصدى له ببراعة، حبلٌ طويل في يده يشبه السوط المظلم الذي يراقب خصمه بعيون غامضة. ولكن في تلك اللحظة، تغيرت هالة سون، وملأت الجو بطاقة غير مرئية، كأن الأرض نفسها بدأت تهتز تحت قدميه. كان صمتٌ رهيب يعم المكان، فقط صوته كان يصدح في الفراغ، بنبرة مشبعة بالثقة والقلق المرهق، "أنت لست الوحش الذي كنت أتخيله... فقط بشري... مجرد بشري."

الرجل الذي كان يهاجم، ابتسم ابتسامة هادئة، وفي تلك اللحظة كانت خطوط وجهه تحمل مزيجًا من الاستهزاء والسنوات التي مرت عليه، حتى غابَت تفاصيل الزمن من عقله. كان وجهه مُجَعدًا، وعيناه تلمعان بحكمةٍ قديمة.

"أنت لست بعيدًا عن الحقيقة، يا شاب... لكن أعتقد أنني سأعرفك بنفسي. اسمي دياغو، أحد النبلاء... عمري ؟

65، 66

... لا، ربما أكثر من ذلك... ربما 70؟ أو ربما نسيت... من يهتم بالعمر بعد هذه السنوات؟"

وكان صوته هادئًا، لكنه كان يحمل قوة سابحة في كل كلمة، كما لو أنه يمتلك وقتًا غير محدود ليقوله. بينما استمر في حديثه، اندفع نحو سون بسرعة هائلة، ضاربًا في الهواء كما لو كان يلتهمه. كانت ضرباته كالعواصف، تدمر كل شيء في طريقها، لكن سون لم يتردد. كان حبلُه يتحرك في يدِه بسرعة البرق، يلتف ويمسك بكل ضربة، كما لو أن الهواء نفسه كان يشهد المعركة. كانت الأعين مفتوحة على مصراعيها، كل طرف يتنفس مع كل ضربة، كل حركة كانت تملأ المكان بالغموض والخوف.

ثم، وفي لحظة من التفوق الخاطف، قفز سون عاليًا في الهواء، بسرعة لم يكن يمكن لأحد أن يتخيلها. ضربته كانت قاصمة، محكومة بتصميمٍ قاسي، ليلامس جسد دياغو بكل قوة. في ثانية واحدة، كان جسده ينشطر إلى نصفين، والدماء تتناثر في كل اتجاه كالشلالات المتدفقة. كانت رائحة الحديد تشبع الجو، وسون كان يترك جسده يختفي خلف أداة الموت التي هي حبله.

"ليس لدي وقت للاستماع إلى قصصك." همس سون في نفسه، وكان صوته باردًا كالجليد، وكأنما ينهار الزمن حوله، مستمرًا في الجري كالمطرقة الثقيلة، يبحث عن مخرج.

لكن المكان لم يكن ليسمح له بالرحيل هكذا. عند المنعطف، قوبل بوابل من السكاكين الطائرة التي كانت تتسابق نحوه، وكأنها غابات من حديد تلاحقه. لكن سون كان أسرع من الهواء نفسه. تخطى السكاكين بخفة غير قابلة للتفسير، وكأن الزمن قد تراجع أمامه، ليظهر أمامه رجلٌ طويل وقوي، يقف خلفه امرأة ذات ابتسامة سامة، نظرتها مشبعة بالتحدي.

"أين تظن أنك ذاهب؟" قالت المرأة بصوتها المخادع، الذي كانت له وقع الآلام البعيدة. كانت تبتسم، لكن ابتسامتها كانت تعكس سخرية لم يسبق لسون أن شعر بها. "دعني أرشدك... ربما إلى الجحيم."

عيناه كانتا مشتعلة بالغضب، بل حتى عروق جسده كانت تنبض بشراسة. "الجحيم؟ سأأخذك إليه، أيتها الشيطانة."

بغتة، انفجر سون في معركة جديدة. سيفه يلمع في يده ويقطع المسافة بينه وبينهم، في ضربة واحدة فتاكة مزقت الأجساد إلى أشلاء. الدماء غسلت الأرض، وأصوات الأجساد التي تتناثر كانت مثل موسيقى قاتلة في الغرفة. كانت القاعة تشبه بحرًا من الدم، حيث ألقى سون نفسه في الأمواج بدون تردد.

استمر في الركض، حتى وصل إلى قاعة ضخمة، يراها ملأى بالناس الذين كانوا يجلسون على كراسيهم في انتظار نهايتهم. كان الجو مشبعًا بالكثافة. أنفاسهم في تجنبٍ، وكأنهم كانوا يحاولون قراءة ما سيحدث. لكن سون، بعينيه الثاقبتين، بدأ يراقب الوضع، وعيونه تملؤها نظرة حذر. كان يعلم أن هذه اللحظة قد تكون فخًا، لكن كانت الغرفة كاملة غارقة في ظلامٍ مريب.

"القاعة مكتظة، يجب أن أندمج بينهم، يجب أن أعيش وسطهم كي لا يلحظوا من أنا." همس في نفسه، كما لو أن صوته كان يتسرب عبر جدران القاعة، ولكن قبل أن يلتقط أنفاسه، سمع صرخة قوية من بين الحضور.

"ألم تره؟ هذا هو الطبيب القاتل! إنه هنا، يجب أن ننتقم!" كان الصوت ملء الغرفة، وكان الشر يتسرب من عيون الجميع، كما لو أن ضوءهم قد تحوّل إلى جحيمٍ مستعر. تجمدت اللحظة، وجوههم تحولّت إلى وحوشٍ مفترسة، كانت دماؤهم تغلي، وعيونهم تمتلئ بشراسةٍ لا مثيل لها.

"يجب أن أواجه هذا التحدي." قال سون لنفسه، مغمضًا عينيه للحظة، ثم تنفس بقوة عميقة. "لن أسمح لهم بأن يوقفوني."

ثم، بهدوءٍ قاتل، استدار. بحركته السريعة، أطلق حبله الطويل إلى الأمام، في ضربة واحدة لم تمنح أحدًا فرصة النجاة. تحوّل الحضور إلى أشلاء، الأجساد تسقط وتتناثر في أرجاء المكان، والدماء تتطاير كالرماد في الرياح.

ولكن في الزاوية البعيدة، جلس رجلٌ يضحك ضحكة مخيفة، تلك الضحكة التي تتردد في أرجاء الغرفة. "أحسنت، أنت لا تُضاهى،" قال الرجل، والابتسامة التي كانت على وجهه كانت تُمزق الصمت.

سخرية الرجل كانت تُشعل غضب سون. بلمح البصر، قال له، صوته يملأه التحدي: "إذا كنت تظن أنني سأتوقف هنا، فتعالَ وأرني."

ضحك الرجل، في تلك اللحظة كان جو الغرفة مشبعًا بالتهديد. "إذا استطعت، يا صغير."

وفي اللحظة التالية، كان الرجل يندفع نحوه بسرعة البرق، سيفه في يده، وأعينه تومض بالكراهية. لكن سون، بحركاتٍ سريعةٍ وقوية، كان يتصدى له، وكل ضربة بينهما كانت كأنها ريشة تتراقص في العاصفة. الأجساد كانت تتمايل في سرعةٍ فائقة، وكأنهما كانا يرسمان لوحة قاتلة على جدران الزمن.

في غرفة المراقبة، سادت الصمت الذي يعكس حالة من التوتر الكثيف. كل عين كانت تراقب عن كثب، وكل تفكير مشدود نحو القتال الذي كان في أوجه. لم يكن صوت سوى صوت الضربات المتبادلة، والشجار الذي يتنقل بين جدران متحركة لا تعرف الثبات. في ذلك الحين، شعرت "مين" بأن لحظة الهدوء قد حانت لتشعل المزيد من المتعة. ابتسمت ابتسامة صغيرة غير مرئية من المراقبين، لكن الجميع شعروا بتغيير مفاجئ في الجو، كأن نغمة غير مرئية قد تغيرت في الفضاء نفسه.

لم يعد هناك شيء ثابت. تحول الجو المحيط بالمعركة إلى هياكل معمارية تتحول في كل ثانية، تتبدل الجدران وتتساقط الأسقف، وكان المكان نفسه يتغير حولهم. لحظات قليلة كانت كافية لتدور المعركة في مكان لا يعرف الحدود، أحيانًا في وسط الفضاء حيث لا جاذبية ولا قواعد، وأحيانًا في دهاليز مظلمة تتخللها أضواء زرقاء تومض كأنها ومضات الحياة نفسها.

سون، الذي كان يراقب كل هذا بعين يقظة، كان يتحرك وكأن جسده جزء من هذا الفضاء المتغير. حركة حبل في يده كانت تحمل فيها سحرًا غريبًا، قوة هائلة، كأن الحبل نفسه أصبح هو الآداة الوحيدة التي يمكن أن تكون الحياة والموت في آن واحد. كل انقضاضه كان يحمل قوة لا توصف، كل التفاف حول نفسه كان كرقصة تنقلها الرياح في شدة لا تعرف التراجع. كان جسده يمتزج في تناغم مع الحبل، بحيث كان يشكل امتدادًا لكل حركة وكل قفزة في الفضاء المشوه.

أما الرجل المقابل له، فقد كان كائنًا غريبًا لا يقل إثارة، وسيفه في يده كان يلتقط الضوء في بريقه الحاد كأن السيف نفسه يمتلك روحًا. كان ينقض على سون كالساموراي، عينيه مشبعتين بالغضب والحقد، مشاعره متوترة على أطراف سيفه الذي كان يرقص مع الرياح. كانت ضرباته تتقاطع مع الحبل، ما يخلق موجات من الطاقة التي تهز الفضاء بشكل فوضوي. وكان السيف يترك خلفه آثارًا مروعة على الهواء، كما لو أن كل لمسة له كانت تحرق الجدران نفسها.

التحدي بينهما لم يكن مجرد قتال جسدي. كان مسعى فلسفيًا، صراعًا بين قوتين لا تعترفان بالحدود. كل حركة كان فيها تحدي للزمن والمكان. سون، في كل لحظة، كان يغمض عينيه للحظة فقط ليشعر بتدفق قوته في جسده، وكأن كل قطرة عرق تخرج منه تحمل بذرة فكرٍ عميقٍ عن معنى الوجود. أما خصمه، فكان يواجهه بعينين مشغولتين بأفكار غاضبة، بحركة كانت تنم عن نزاع داخلي لا يظهر إلا في معارك كهذه، حيث يشترك العقل مع الجسد.

ما حدث بعد ذلك كان أشبه بعاصفة. اندلعت ضربات قاسية كانت ترتطم بالجدران المتنقلة، محدثة انفجارات هائلة، فتتطاير الحطام من كل جهة. تحطم كل شيء حولهم، كأن العائلة نفسها كانت تتفكك، وكلما اندلعت ضربات جديدة، شعر الحضور في غرفة المراقبة أن هناك جزءًا من أرواحهم ينكسر مع كل صرخة واهتزاز. وجوههم متوترة، أجسامهم مشدودة. كل لحظة كان يختلط فيها الظلام بالنور، وكان الموت يراقب كل خطوة.

ومن بين كل هذا العنف، كانت هالة سون تتوهج وكأنها مرآة لعذاب مرير يعيشه في أعماق روحه. كان وجهه ملطخًا بالعرق، لكن ملامحه كانت تحمل شيئًا غريبًا من الهدوء التام، كأن كل شيء من حوله يفقد قيمته أمام قوته العميقة. عينيه، رغم الظلام الذي كان يحيط به، كانتا تحدقان في خصمه كما لو كان ينظر إلى شبحه الخاص. كانت تدفقات القوة تتساقط من جسده، تذوب في الهواء، وتخلق شرارات ضوء تجذب كل من كان يشاهد هذه المعركة إلى مركزها القوي.

لكن الرجل الآخر لم يكن أقل إثارة. كانت عينيه، مليئتين بالثقة العمياء في سيفه، مليئة بالكراهية والانتصار، ووجهه كان مشوهًا بالعناء والغضب. كان الهواء من حوله مشبعًا بشحنة من الألم الذي يفرغ كل ما في قلبه نحو خصمه. انفجارات القوة التي تصاعدت من سيفه تركت آثارًا دموية على جسده، كأن كل ضربة تضيف خطوة نحو الخروج من الظلام الداخلي إلى الضوء النهائي.

الدماء، التي كانت تتناثر في الهواء بينهما، كانت تلتصق بالجدران المتحركة. وكأن اللحظة ذاتها صارت عودة للحياة والموت، حيث لا مكان للرحمة. ومع كل اشتباك، كان يبدو أن الوقت نفسه قد تجمد، وكأن هذا المعركة هي اللحظة الفاصلة بين الحياة التي يجب أن تستمر والموت الذي يلوح في الأفق.

كلما كانت هالة كل منهما تتسع، كان يبدو أن الفضاء حولهما يضيق. كأن تلك الهالات كانت تتمازج مع العدم، وتعكس طاقة لا يمكن تصورها، قوة عميقة لا يمكن الهروب منها. لا شيء يمكن أن يتوقف الآن.

2025/01/22 · 11 مشاهدة · 1464 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025