كانت الغرفة تموج بصمت ثقيل، وكأن الهواء نفسه يراقب ما سيحدث. أضواء خافتة تتراقص على الجدران، تلقي بظلال ممدودة كأنها أطياف الماضي التي تأبى أن ترحل. إيفا وقفت وسط الغرفة، ظهرها مستقيم كأنها شجرة قديمة تحمل جذورًا متشابكة من الأسرار، نظرتها حادة، لكن في عمق عينيها بئر من الإنهاك والتعب.

"لديّ خطة..." همست بصوت هادئ لكنه ممتلئ باليقين، صوتها تسلل إلى الغرفة كما يتسلل الدخان عبر الشقوق. "لقد ناقشتها مع تاي، وأعتقد أنها ستفي بالغرض... لكنها تحتاج إليكم جميعًا."

تاي، ذو النظرات الباردة والهالة المظلمة، استدار ببطء، كأنه آلة مصممة للحرب، وقال بصوت منخفض، مشحون بنذر العاصفة:

"بل نحتاجك أنت، يا تشاي... أنت وإنزوي أساسيان في هذه الخطة."

كان هناك شيء مخيف في طريقة نطقه لاسم تشاي، وكأن الاسم ذاته سلاح مخبأ، جاهز لأن يقطع.

إنزوي، التي وقفت في الزاوية، ظلالها تمتزج مع الظلام، رفعت حاجبًا بخفة، وسرعان ما تلاشت نبرتها الهادئة إلى برود قاتل:

"لا أفهم... رائحة المصلحة تفوح من كلماتكم."

لكن تشاي، ذاك الرجل الذي حمل على كتفيه وزر الحقيقة المدفونة، ضحك ضحكة قصيرة، فارغة من الحياة، نظراته لم تكن تحمل إلا الرفض والتمرد. تقدم خطوة إلى الأمام، والضغط في الغرفة ازداد بشكل مفاجئ. كان كجبل يتقدم، ثقله لا يُحتمل، قال بصوت قاطع:

"أنا أرفض التعامل مع هذه العائلة مجددًا. جئت إلى هنا اليوم فقط لأخبركِ، يا إيفا، أنني لم أعد واحدًا منكم."

كانت الكلمات مثل شظايا زجاج، تطايرت في الغرفة وتركت جروحًا غير مرئية في الهواء.

إيفا لم تهتز، لكن ثقل الزمن بدا واضحًا على ملامحها المتجمدة، ردّت بصوت عميق:

"ولكن... الخطأ لم يكن خطأنا. لا يمكنك أن تحمّلنا جريمة لا علاقة لنا بها!"

تشاي قهقه، لكنها لم تكن ضحكة حقيقية، بل كانت كصوت سكين تُشحذ على صخرة:

"لا علاقة لكم؟ ما الذي تقولينه؟ أنتِ من حجبتِ عني الحقيقة التي كنت أبحث عنها طوال حياتي."

إيفا، بنبرة ثابتة، تكررت كأنها تعويذة صمدت أمام الزمن:

"للمرة الألف، أقول وأكرر... لا أعلم شيئًا."

لكن تشاي لم يعد يرى إلا الكذب، الكذب الذي تم تغذيته عبر سنوات الصمت والخداع. تغيرت نظراته، جفّت ملامحه من أي مشاعر إنسانية، وببطء، كأن الدم قد بدأ يغلي في عروقه، تشنّجت قبضته، وبرزت عروقه بشكل مرعب. عيناه أصبحتا كسيفين مسنونين، وانحنت شفتاه في ابتسامة ميتة، ملامح وجهه لم تعد لبشر، بل لقاتل قرر أخيرًا أن يسحب الزناد.

"كاذبة..."

كان صوته أشبه بالهسهسة، بالكاد يُسمع، لكن وقعها كان كضربة فأس.

وفي لحظة خاطفة، تحرّك نحوها، جسده كان ظلًا أسود ينقض، الهواء حوله تموج بعنف، الجدران كأنها تقلّصت، والوقت بدا وكأنه يتباطأ.

لكن قبل أن يصل إلى إيفا، ظهرت إنزوي من خلفها، كأنها ظلها الحامي، عيناها متوسعتان بشكل غير طبيعي، تتوهج فيهما قسوة باردة، هالتها أصبحت سوداء كثقوب سوداء تبتلع الضوء.

رفعت يدها ببطء، كأنها تزن اللحظة، ثم بصوت هادئ، بلا أي تردد، همست:

"إن تحرّكت... سأقتلك."

كانت كلماتها هادئة، لكنها حملت من الرعب أكثر مما تحمله صرخات الموتى.

لكن الظلام لم يكن حكراً عليها. تغيرت الهالة من حول جي، تلاشى بياض عينيه تدريجيًا حتى اختفى تمامًا في بحر من السواد. تاي، الذي لطالما كان باردًا، ازدادت ظلاله كثافة، جسده لم يعد ينتمي إلى العالم المادي تمامًا، وكأنه جزء من هذا الفراغ المتجسد في الغرفة. و وقفا الإثنين بجانب تشاي ينتظران إشارة للقتل

جي، بابتسامة متكسرة، بصوت لم يعد صوته، قال ببطء، كأنه يستمتع بإعلان الحكم:

"تشاي... انقتلهما"

وفي تلك اللحظة، .

الظلام غطّى الغرفة كما يبتلع المحيط جثة غريق، الضغط تضاعف، الهواء أصبح ثقيلاً، رائحة الدم، رغم أنه لم يُسفك بعد، بدأت تفوح في المكان. كانت تلك اللحظة التي لم يعد فيها أفراد العائلة بشرًا...

بل شيء آخر، شيء لم يكن يجب أن يُبعث إلى الوجود.

_________

في غرفة المراقبة، حيث تراقب العيون الباردة كل حركة، وحيث تُسجَّل الأصوات في ذاكرة الحديد، دوى صوت عالٍ كأنه صرخة مبهمة من عالم آخر. لم يكن مجرد صوت عابر، بل كان أشبه بانفجار، تلاه تحطم شيء ثقيل، ثم صوت ارتطام عنيف، كأن جسدًا قُذف بقوة غير بشرية على أحد الجدران.

سيدة بلاك، التي كانت تجلس على مقعدها كملكة تحكم مملكتها من العتمة، انتفضت فجأة، عيناها تضيقان بحذر، حاجباها يرتفعان في قلق غامض. التفتت إلى الجميع، صوتها كان حادًا، لكنه متزن:

"ما الذي يجري؟ هل سمعتم هذا؟"

راغنا، الذي كان يقف في الزاوية، عيناه مغمورتان في وهج الشاشات، همس بصوت مثقل بالريبة:

"هناك شيء ليس على ما يرام... الكاميرات لا تُظهر أي شيء، كأن الظلام نفسه قرر أن يبتلع الحقيقة."

كانت الشاشة أمامهم تبث الفراغ، بلا أي تشويش، بلا أي خلل تقني... مجرد صمت رقمي، صمت يحمل في طياته كابوسًا يتربص بهم.

السيد إيرلي، الذي كان يضغط أصابعه بتوتر، أخذ نفسًا عميقًا، ثم استدار ببطء كأن كلمات ثقيلة تنسج نفسها داخله قبل أن ينطق بها:

"سيدتي... لم أكن متأكدًا في البداية، لكن الآن، لا شك لدي..."

سيدة بلاك، بحدّة، قطعت عليه حديثه:

"ماذا تقصد؟ ما الذي يحدث؟"

نظر إليها، عيناه لم تعد تحمل مجرد توتر، بل يقينًا مرعبًا، قبل أن يجيب بصوت بارد كأنما يعلن حكمًا بالإعدام:

"لقد استدعيت روحًا شريرة... لكنها ليست مجرد روح عادية. إنها قوية... قوية جدًا. أعتقد أن جسدها يعود إلى قاتل معروف في الثمانينيات..."

توقفت الغرفة عن التنفس، وكأن الجدران ذاتها كانت تنتظر أن يلفظ اسمه.

ثم همس، وكأنه استدعى ظلًا من الماضي:

"هيت."

راغنا، الذي كان يحفظ كتب الرعب والتاريخ الأسود عن ظهر قلب، شحب وجهه قليلًا، وعيناه تسمرتا في الفراغ أمامه، قبل أن يقول بصوت خافت، شبه مترنح:

"هيت... لقد قرأت عنه. لكن... كيف علقت روحه هنا؟"

السيد إيرلي لم يحوّل نظره عن الشاشة الفارغة، وكأن شيئًا ما خلفها كان يراقبه هو الآخر، ثم قال بصوت يشبه السقوط الحر:

"هذا خطئي... خطأ لا يمكن تصحيحه بسهولة. لكنني سأذهب لأحاول إصلاحه، قبل أن يفتك بالأطفال."

مين، التي كانت صامتة طوال الوقت، رفعت رأسها ببطء، نظراتها لم تكن تحمل تعاطفًا أو قلقًا، بل يقظة باردة كأنها آلة قاتلة وُلدت لهذا النوع من المواقف:

"أهو نفس الكيان الذي قتل بيتو؟"

هزّ السيد إيرلي رأسه، نظرته غارقة في الظل:

"نعم... إنه هو. والآن... هو في طريقه إلى الأقسام الأخرى."

كان الحديث وحده كافيًا ليغير أجواء الغرفة، الهواء أصبح ثقيلاً، والضغط تصاعد كما لو أن الجدران اقتربت من بعضها البعض.

بلاك داون، ببرود قاتل، التفتت إلى مين، وقالت ببطء، كأنها تزن الكلمات داخل عقلها:

"مين، هل تستطيعين حجزه داخل متاهة ما؟"

مين أغلقت عينيها للحظة، كأنها تشعر بنبض الكيان الملعون، ثم فتحتها ببطء، نظرتها لم تكن مطمئنة:

"هالته مرتفعة جدًا... إن سجنته، فسيكلفني ذلك طاقة هائلة. وإن استنزفت نفسي تمامًا، فسيُبطل الاختبار بأكمله."

سيدة بلاك، دون أن تتردد، وقفت، جسدها مستعد للحركة، وملامحها كانت تحمل شيئًا لم يره أحد منذ زمن طويل:

"حسنًا... سأذهب وأقتله بنفسي."

راغنا، بحدة، صرخ بها:

"لا، سيدة بلاك! دعيني أذهب، أنتِ ابقي هنا!"

لكن بلاك لم تلتفت إليه، كان القرار قد اتُّخذ بالفعل، وقدر الدماء قد بدأ في الغليان.

"لا، راغنا." صوتها كان قاطعًا، مثل شفرة تقطع الحبال المتشابكة. "نحن لا نعرف مدى قوته، ولا أريد المخاطرة بأي شخص منكم."

ثم، وبلا تردد، فتحت الباب. الهواء البارد اندفع إلى الغرفة كما لو أنه هرب من شيء لم يكن يجب أن يُحبس.

"مين، خذيني إليه."

وبدون أي كلمة إضافية، بدأت مين في تغيير الطرق، الجدران تحركت، الأروقة التوت، كأن البناء بأكمله قد صار متاهة متغيرة، واندفعت بلاك تجري، سرعة خطواتها تكاد تسبق صوت أنفاسها.

الطريق كان يبدو بلا نهاية، لكنه كان يقودها نحو شيء واحد:

نحو الشر الذي لا يموت.

وفي النهاية، توقفت.

كان هناك.

وقفا أمام بعضهما، وجهاً لوجه.

الظلام التفّ حول جسده كستار حيّ، عيونه لم تكن سوى ثقوب سوداء تمتص النور، وابتسامته، لم تكن ابتسامة بلعنة منحوتة على وجه مشوه.

الضغط ازداد. الهواء لم يعد مجرد هواء، بل كان ثِقلاً يضغط على الأجساد.

كان الأمر أشبه بلحظة قبل الانفجار، حيث الزمن يتباطأ، والكون كله يستعد لأن يشهد ولادة العنف.

من سينتصر؟ ومن سينهار أولًا؟

2025/03/09 · 11 مشاهدة · 1223 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025