‎—"العالم ليس سوى اختبار... لكن بعض الاختبارات تخرج عن السيطرة."

‎❖

‎السماء احمرت، الأرض تهتز.

‎منتصبًا وسط الساحة المدمرة، وقف هيت، عملاقًا كجبل يلفه وهجٌ أزرق يكاد يمزق الهواء من حوله. من جسده، كان يتصاعد وميضٌ كهربائيٌّ غير منتظم، كما لو أن طاقته تتجاوز حدود الجسد البشري. عيونه، سوداء تمامًا، تتوهج من مركزها ببقع سماوية كأنها نجومٌ بعيدة تحترق في كونٍ خاص بها. على كل خطوة يخطوها، تتشقق الأرض، وكأنها تتألم من وطأة وجوده.

‎أمامه، بين الظلال المتموجة، كان بلاك تتنفس ببطء، جسدها يلتف بتموجات سوداء تتحرك بحرية، كما لو أن جسدها لم يعد ينتمي لهذا العالم. عيونها بلون الفراغ، انعكاساته باهتة كأنها لا تعترف بالضوء. لم يكن هناك مجال للشك، في تلك اللحظة، كانت بلاك داون محض ظلٍ يتحرك، كابوسًا بلا ملامح ثابتة.

‎الصدام الأول

‎ثم… انفجرت الأرض.

‎ضربة واحدة.

‎هزةٌ عارمة اجتاحت المكان كما لو أن بركانًا قد انفجر تحتهم. أُرسلت موجةٌ من الضغط فجأة، حطمت الزجاج، مزقت الجدران، وسحقت الأرض تحت الأقدام.

‎اختفى الجميع من المشهد للحظة.

‎ثم ظهرا مجددًا—هيت وبلاك—في الهواء، جسداهما متداخلان في وابل من الضربات التي لا ترى بالعين المجردة. كانت السرعة مرعبة. كل لكمة تُحدث موجة تصادم تمتد عشرات الأمتار، وكل تفادٍ يُترك خلفه خطٌّ ناريٌّ من الطاقة.

‎أرعدت السماء.

‎البرق ضرب الأرض.

‎والهواء تحوّل إلى بحرٍ من الضغط لا يرحم.

‎وفي خضم الفوضى، ظهر ظلٌ آخر…

‎راغنا

‎.( قبل لحظات:

‎راغنا يقول في مكبر الصوت: لقد انتهى الاختبار و الناجين هما الناجحين ، لدينا أمر طارئ على كل مختبرين الخروج من المستشفى قبل الانهيار

‎ثم يخلع المعطف و يقول : مين ، الأمر زاد عن حده ، سأساند بلاك داون ، إدعمينا من الخلف)

‎من أعلى برجٍ نصف محطم، انحنى راغنا إلى الأمام، عيونه الزرقاء العميقة تتابع كل حركة تحدث في الأسفل. بأصابعه الطويلة، مرر يده على شفرة سكينه، ببطء، وكأنه يستمع لهمس المعدن.

‎ثم، دون تحذير، قذف العشرات من السكاكين في الهواء، لكن لم تكن مجرد سكاكين…

‎كل واحدة منها انشقت في الهواء، تحولت إلى عشرات، ثم مئات. بحرٌ من الشفرات السوداء انطلق باتجاه هيت كعاصفةٍ قاتلة. كانت هذه التقنية أشبه بلوحة فنية من الموت، حيث تلاقت ظلال بلاك مع أمطار السكاكين، وخلقت مشهدًا لا يُنسى—كأن الهواء ذاته قد تحول إلى شفرات قاتلة.

‎لكن هيت… ابتسم.

‎رفع يده، ومدها إلى الأمام بلا مبالاة.

‎تحطم كل شيء.

‎كأن الزمن قد توقف للحظة، ثم انفجرت موجة من الطاقة من راحة يده، دفعت كل السكاكين بعيدًا كأنها لم تكن سوى أوراقٍ متطايرة.

‎لكن هذا كان مجرد بداية.

‎وفجأة، تغيّر كل شيء.

‎"لقد حان وقت النهاية."

‎كانت هذه مين. من مكان مجهول، ارتفع صوتها نقيًّا لكنه مخيف، وكأنها تنطق قانونًا مقدسًا لا يُكسر.

‎وفجأة… انفتحت الأرض تحتهم.

‎تشكلت متاهةٌ من الجحيم.

‎الساحة نفسها انقلبت رأسًا على عقب، تمزقت إلى متاهة من العوالم الدوامية، الجدران تحولت إلى أشباحٍ سوداء تتحرك بسرعة الضوء، والسقف الذي كان يومًا ما فوق رؤوسهم أصبح تحتهم، كما لو أن العالم نفسه قرر أن يعيد تشكيل حدوده.

‎كان هذا سجنًا من الفوضى المطلقة.

‎لكن هيت… لم يكن بشريًا ليخاف.

‎"لا يهم كم ستغيرون العالم… في النهاية، سأكون أنا الجدار الأخير."

‎لم يكن العالم سوى وميض من العنف المتجسد.

‎هيت، بملامحه الخالية من المشاعر، تلاعب بسرعة الضوء كما لو أنها ليست سوى سرابٍ مألوف. لم يكن يتفادى الهجمات فقط، بل كان يعيد توجيهها، يحطمها بلمسة، ويمزق الهواء نفسه مع كل حركة. راغنا وبلاك داون حاولا محاصرته، لكن كان الأمر أشبه بمحاولة احتواء إعصار داخل زجاجة.

‎وفجأة… توقف.

‎رفع يده إلى الأعلى، ببطء، كما لو أنه يستدعي شيئًا من عالمٍ آخر.

‎وفي تلك اللحظة، تغير كل شيء.

‎الهالة تضاعفت. الضغط ازداد. الزمن نفسه كاد ينهار.

‎ثم، بلمسة واحدة، هوت يده على الأرض.

‎الانفجار لم يكن مجرد دمار... كان كارثة.

‎تحطم المستشفى بالكامل، الأرض تشققت كما لو أن كائنًا عملاقًا استيقظ من تحتها، الجدران ذابت، والسقف اختفى كأنه لم يكن موجودًا. المختبرون الذين لم يفرّوا انهاروا وسط العاصفة، أجسادهم تتلاشى في الضوء الأزرق الهادر.

‎وبينما كان الدخان يملأ العالم... ظهر شيء آخر.

‎وسط الظلام الدامس، تشكّلت دائرة شفافة سوداء. كانت كنافذة إلى الفراغ، باردة، صامتة، لكنها نابضة بشيء لا يمكن تفسيره.

‎وفي مركزها... بلاك داون.

‎لم تعد كما كانت.

‎وجهها اختفى تقريبًا. لا عينان، لا ملامح بشرية، فقط ثقب أسود في ملامح بشرية مفقودة، وفمها لم يكن فمًا بل شقٌّ أسود ينبض كأن روحًا ما تختبئ داخله.

‎لم تكن تتحرك، بل كانت الظلال هي التي تحركها.

‎ثم، في لحظة لم يلحظها أحد، رفعت يدها إلى السماء.

‎شيء ما تشكل في يدها… سحابة سوداء قاتمة، متجمدة في الفراغ كما لو أنها تقاوم قوانين الطبيعة نفسها.

‎وميض. حركة خاطفة. صمت قاتل.

‎وفجأة... كانت يدها داخل قلب هيت.

‎الانفجار هذه المرة لم يكن من الخارج... بل من الداخل.

‎هيت تجمد في مكانه.

‎جسده ارتعش للحظة.

‎ثم، وكأن شيئًا لا يمكن رؤيته قد تمزق داخله، أُطلق ضغطٌ هائل من جسده، مزق الأرض تحته، وخلق دوامة قاتلة من الظلام حوله.

‎لكن بلاك داون لم تتحرك.

‎ظلّت واقفة هناك، وعيناها السوداوان تحدقان فيه بدون أي أثر للرحمة.

‎بعد لحظات... تلاشى الدخان.

‎وقف هيت هناك، جسده مغطى بالدماء، فمه ينزف، لكنه لم يسقط بعد.

‎رفع رأسه ببطء، وعيناه تركزتا على بلاك داون.

‎صوته كان مشوهًا، بالكاد مفهومًا، وكأن الكلمات لم تعد تخرج بشكل طبيعي.

‎"...اسمك...؟"

‎وقفت بلاك داون في مواجهة نظرته الأخيرة، بلا تعبيرات، بلا انفعال.

‎ثم همست، بصوت لم يكن بشريًا تمامًا:

‎"بلاك داون."

‎في تلك اللحظة... سقط هيت إلى الأبد.

‎حين انقشع الدخان للمرة الأخيرة، لم يكن هناك شيءٌ سوى سبعة أطفال ناجين، يرتجفون وسط الأنقاض، ينظرون إلى الجثث المتفحمة حولهم.

‎بلاك داون، التي عادت إلى حالتها العادية، نظرت إليهم، ثم ابتسمت بهدوء.

‎—"ظننت أنكم جميعًا متُّـم… لكن يبدو أنني كنت مخطئة."

‎ثم، ببساطة، استدارت.

‎وابتلعتها الظلال.

‎❖

2025/03/23 · 14 مشاهدة · 973 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025