تن

‎تن

‎تن

‎رن الهاتف بصوت هادئ لكنه حمل معه ثقلًا غير مرئي، كأنما يهتز بين يديها ليوقظ في داخلها شعورًا قديمًا بالقلق. أصابعها النحيلة التقطت الجهاز ببطء، وعيناها المتعبة تابعتا وميض الشاشة قبل أن تنقر بإبهامها على زر الرد.

‎"من المتصل؟" جاء صوتها خافتًا، لكنه لم يكن خاليًا من الحذر.

‎على الطرف الآخر، جاء صوت رجولي لكنه غير مستقر، كما لو أنه كان يزن كلماته قبل أن ينطقها: "سيدتي شيماء... إنه أنا، أمير."

‎أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بذبذبات الشك تتسلل إلى صوتها: "أه... تذكرتك، هل لديك أخبار؟"

‎ساد الصمت للحظة قصيرة قبل أن ينفجر صوته كأنه ألقى حجراً في بحيرة راكدة: "نعم، سمعت منذ قليل أن السيد أكاي عاد إلى المنظمة. لم يكن ظهوره مفاجئًا فحسب، بل أمر أيضًا كلا حارسيه بتنظيف القبو قبل أن يتوجه مباشرة إلى مكتبه... أما بخصوص الاختبار، فقد انتهى بالفعل، ولكن من بين جميع المختبرين، لم ينجُ سوى سبعة فقط."

‎تضييق عينيها كشف عن أفكارها المتشابكة. سبعة فقط... عدد ضئيل، لكنه ليس غير متوقع.

‎"هذا يكفي،" قطعت أفكاره الحائرة بصوت هادئ لكنه حازم. "سأرسل لك نقودك."

‎أنهت المكالمة، لكن شعورًا غريبًا تسلل إلى جسدها. حرارة مفاجئة اجتاحت أطرافها، كأن تيارًا غير مرئي ينساب تحت جلدها. هل هو قلق؟ أم مجرد تعب متراكم؟

‎مدت يدها نحو الجدار لتستند عليه، إلا أن الأرض بدت وكأنها تتمايل تحت قدميها للحظة. ضحكت بسخرية خافتة وهي تهمس لنفسها: "مجرد وهم... لا شيء أكثر."

‎لم يكد يمر وقت طويل حتى توجهت إلى الباب، ألقت نظرة على الغرفة المظلمة حيث تنفس ابنها ببطء وهو ممدد على الأريكة. ارتجاف ضوء المصباح البعيد جعل ظله يبدو مكسورًا، وكأنه مخلوق ضئيل يسبح وسط الظلام.

‎"سأخرج للعمل." قالت بهدوء، لكن صوتها بدا وكأنه يحمل في طياته معانٍ أخرى.

‎تحرك ابنها قليلًا، نظر نحوها بعينين نصف مغمضتين، وكأنه يقيس الزمن بينهما، ثم قال بصوت خافت: "لكن الوقت متأخر..."

‎لم تجبه على الفور. للحظات، ترددت وهي تنظر إليه. ثم أخفضت عينيها قليلًا وهمست: "انتهى الاختبار الذي حدثتك عنه، عليّ الذهاب لأرى المختبرين."

‎أدار رأسه للجانب دون اكتراث واضح، لكنه قال بصوت متثاقل: "فقط تأكدي من إغلاق الباب ورائك... لا يهمني ما تفعلينه."

‎أغلقت الباب خلفها بهدوء، لكن صوت الإغلاق كان أعمق مما ينبغي. وكأنه كان يُخفي خلفه عالمين مختلفين تمامًا.

‎كان الشارع خاليًا تقريبًا، إلا من أنفاس الليل الباردة. الريح كانت تعوي، تلفح وجهها كأنها تطاردها، أما السماء فكانت تلمع بانعكاسات بعيدة، توحي بأن المطر في طريقه إلى السقوط.

‎أحكمت قبضتها على معطفها، شعرت ببرودة تتسلل إلى أطرافها، لكنها لم تتوقف. الخطوات المتسارعة على الإسفلت الرطب كانت تصدر صوتًا كئيبًا، كأن المدينة كلها تنام تحت غطاء ثقيل من الحزن.

‎سيارة أجرة اقتربت على مهل، أنوارها تشق الظلام كعينين متقدتين في الفراغ. رفعت يدها بسرعة وأشارت نحوها، لكنها لم تتوقف.

‎قبضت على يدها، شعرت بشيء بارد في كفها. المطر بدأ يسقط، ببطء في البداية، ثم بغزارة، وكأن المدينة كلها تغسل نفسها من شيء غير مرئي.

‎"قف أيها الأحمق!" صرخت، لكن صوتها ضاع وسط العاصفة.

‎السيارة توقفت أخيرًا، ولكن قبل أن تفتح الباب، نظرت للحظة إلى انعكاسها في الزجاج. كانت هناك، واقفة وسط العاصفة، لكنها لم تكن وحدها. كان هناك شيء آخر خلفها، شيء لم تستطع تحديده بعد.

‎جلس أكاي في مكتبه الفخم، حيث الأضواء الخافتة رسمت ظلالًا متكسرة على الجدران. كان المكان صامتًا إلا من صوت عقارب الساعة وهي تطرق الوقت ببطء، كأنها تدق على صدره مباشرة.

‎كان ساقه متقاطعة فوق الأخرى، وأصابعه تداعب القلم بين يديه بحركة بطيئة، إيقاعية، كأنه يفكر في شيء أكبر من قدرته على الاستيعاب. في عقله، كانت المتاهة تزداد تعقيدًا، وكل خطوة كان يخطوها كانت تقترب به أكثر من الحافة.

‎"لقد وقعت بينهم..." همس لنفسه، وهو ينظر إلى الخرائط المبعثرة أمامه. كانت الخطة قد أخذت شكلها أخيرًا، وكل القطع بدأت تتجمع في مكانها الصحيح، ولكن هل كان هذا في صالحه؟

‎مرر يده على وجهه، زفر ببطء، ثم تابع بصوت أكثر ثباتًا:

‎"أظن أن هذه أفضل طريقة للنجاة... محاصرة أودجين والقضاء على واحدة من أقوى الفرق في العالم سيحرك أوقا بلا شك. هذا ليس في صالحي، ولا في صالح السيد... لكن لا يمكنني الرفض. المجلس قد حسم قراره، ولا أحد يستطيع أن يعارض حكمه."

‎وقف من كرسيه، أدار ظهره للنافذة ونظر إلى انعكاسه في الزجاج. كان وجهه يبدو أكثر تعَبًا مما تذكر، وكأن الأسابيع الأخيرة قد سرقت منه شيئًا لم يكن مستعدًا للتخلي عنه بعد.

‎"لماذا الآن؟" تساءل في صمت. "لماذا أرادوا القضاء على أودجين في هذا التوقيت تحديدًا؟ ما الذي يخفونه؟"

‎قبل أن يتمكن من تعمّق أفكاره أكثر، قطع رنين الهاتف الصمت. كان الصوت حادًا، كأنه جاء ليذكره أن الأمور لم تعد تحت سيطرته بالكامل.

‎نظر إلى الشاشة، اسم واحد ظهر أمامه.

‎تشاي.

‎ضغط على زر الرد ببطء، وضع الهاتف على أذنه، ثم قال بصوت هادئ لكنه محمل بكل طبقات الشك المعتادة:

‎"أهلاً..."

‎على الطرف الآخر، جاء صوت تشاي واضحًا لكنه محمل بصرامة غير معهودة:

‎"سأعطيك كل المعلومات الآن، لكن لدي شرط واحد. أريد ضمان سلامة آني أولًا."

‎سحَب أكاي نفسًا عميقًا، أغلق عينيه للحظة كأنه يزن الأمور، ثم ابتسم ابتسامة بالكاد تشكلت على شفتيه.

‎"انتظرني يا صديقي العزيز..." قال بصوت بدا أكثر دفئًا مما ينبغي. "سنذهب إلى حبيبتك الآن."

‎أغلق الهاتف ببطء، ثم استدار ليأخذ معطفه. كانت الليلة على وشك أن تبدأ، ولم يكن هناك مجال للخطأ.

2025/03/25 · 11 مشاهدة · 868 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025