كانت خطوات أكاي بطيئة لكنه لم يكن مترددًا. كل خطوة كانت تصدر صدى خافتًا وهو ينزل إلى القبو، وكأن الجدران نفسها تراقبه. الضوء الخافت المصفر لم يكن كافيًا لتبديد الظلام العالق بين الأركان، لكنه كشف تفاصيل الجحيم الذي صنعه هنا.

‎وقف أمام الكرسي الحديدي في منتصف الغرفة، حيث تجلس آني، مقيدة بالسلاسل الثقيلة، جسدها الممزق يحكي قصة لا تحتاج إلى كلمات. الدم كان متخثرًا حول أطرافها، أظافرها مفقودة، ويدها اليمنى محترقة بالكامل، وكأن النيران كانت تتغذى على عظامها.

‎وضع أكاي هاتفه على الكرسي المقابل، فعلَّق بزاوية مثالية تتيح للكاميرا التقاط المشهد بوضوح. فتح الاتصال، وبعد ثوانٍ، ظهر وجه تشاي على الشاشة.

‎في اللحظة التي التقت فيها عيناه بآني، تغير وجهه بالكامل، كأن الزمن توقف للحظة. تراجع خطوة لا إرادية، ثم انفجر صوته في الفراغ:

‎"ماذا فعلت بها أيها الكلب؟! آني! آني، أجيبي! هل أنت بخير؟!"

‎لم يكن هناك رد، سوى صوت أنفاسها المتقطعة، كأنها كانت تتشبث بالحياة بصعوبة.

‎أمال أكاي رأسه قليلاً، وكأنه يستمتع بالمشهد، ثم قال بنبرة باردة، وكأن الأمر لم يكن يستحق اهتمامه:

‎"آسف... نسيت أن أخبرك. لقد أزلت لسانها. كانت تزعجني كثيرًا بالصراخ، فأردت بعض الهدوء."

‎اتسعت عينا تشاي، وتحولت ملامحه إلى مزيج من الصدمة والغضب الخالص. يده قبضت على هاتفه بقوة كأنما يريد تحطيمه، ثم همس بصوت ملؤه العتمة:

‎"سأقتلك... أقسم لك يا أكاي، سأجعلك تتمنى الموت."

‎لكن أكاي لم يتأثر. بل ابتسم، ابتسامة باردة خالية من المشاعر، ثم قال بهدوء:

‎"المعلومات، من فضلك."

‎تشاي لم يتكلم. كان صوته مكتومًا بالغضب، واللعنات التي تملأ رأسه لم تجد طريقها للخروج.

‎عندها، تنهد أكاي وكأنه سئم، ثم مد يده إلى شعر آني، جذبها بقوة ورفع رأسها إلى الأعلى. أنَّت بصوت مخنوق، جسدها المتعب ارتعش قليلًا تحت قبضته.

‎"والآن؟" قال أكاي بنبرة ساخرة. "هل ستخبرني، أم تريد أن ترى كيف يبدو رأسها بلا شعر؟"

‎أغمض تشاي عينيه للحظة، كما لو كان يحاول السيطرة على جنونه، ثم فتحهما مجددًا وهو يهمس بصوت مثقل بالكراهية:

‎"إيفا وإنزوي في باريس..."

‎من خلف الباب، كانت شيماء تستمع، أنفاسها محبوسة، لم تستطع أن تصدق ما كانت تسمعه. عينها اتسعت، وكأنها أمام مشهد يتجاوز حدود المنطق.

‎أما على الطرف الآخر، فعندما انتهى تشاي من سرد كل شيء، بقي صامتًا للحظة، ثم قال بصوت أكثر ظلامًا من أي وقت مضى:

‎"وأخيرًا... أنا في طريقي إليك، أكاي. لا تتعب نفسك بالهرب... سأمزقك بيدي."

‎ارتسمت على وجه أكاي ابتسامة استفزازية، نظراته لم تحمل أي خوف، بل شيئًا أقرب إلى المتعة الخبيثة.

‎مد يده إلى جسد آني، وحينها... ادخل يديه في بطن آني و اخرجها من ظهرها توقف كل شيء.

‎لحظة صمت طويلة، ثقيلة، مشؤومة.

‎ثم... انقطع الاتصال.

‎وفي الجانب الآخر، كان تشاي يحدق في الشاشة السوداء، قبل أن يطلق صرخة اهتزت لها جدران المكان.

‎كانت رائحة الدم لا تزال عالقة في الهواء، ممزوجة برائحة المعدن البارد والرطوبة التي تسربت إلى كل زاوية في القبو. وقف أكاي وسط الفوضى، قطرات الدم متناثرة حوله، بينما كان الحراس يراقبون المشهد بوجوه متيبسة، لا أحد يجرؤ على النطق.

‎مرر أكاي أصابعه في شعره بسلاسة، ثم رفع عينيه ببطء ناحية الباب. هناك، خلف الظل، كانت تقف شيماء.

‎لم يكن ظهورها مفاجئًا له. بل على العكس، بدا وكأنه كان يتوقعه تمامًا.

‎"نظّفوا المكان." قال بصوت هادئ، قبل أن يرفع ناظريه نحوها مباشرة.

‎"سيدة شيماء... أهلاً بك."

‎تجمدت ملامحها للحظة، لكنها استجمعت نفسها سريعًا، محاولة أن تخفي أي توتر في صوتها.

‎"أهلاً، سيد أكاي... كنتُ فقط—"

‎لكن أكاي قاطعها بنبرة أقل ودية، وأكثر تحليلاً، وكأنه لم يكن بحاجة إلى سماع أي أعذار.

‎"ليس لديك عمل هنا في هذه الساعة. وليس لك مكان في هذا القبو."

‎تقدم خطوة واحدة نحوها، عينيه الضيقتان تتفحصان كل حركة، كل رعشة خفية.

‎"إذاً... ما هي حجتك الذهبية التي ستنقذك مني الآن؟"

‎ارتسمت على شفتيها ابتسامة بالكاد تشكلت، وكأنها لم تكن تنوي الدخول في لعبة الكلام هذه.

‎"سيد أكاي، التزم حدودك." قالت بصوت ثابت. "كنتُ أتجسس عليك، هذا صحيح، والآن... سأعود إلى المنزل. طابت ليلتك."

‎استدارت على الفور، لم تمنحه فرصة الرد، وخرجت من القبو بخطوات هادئة لكن واثقة.

‎بقي أكاي ينظر إلى الباب المغلق للحظات، قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة، بالكاد تُرى.

‎"أوه، شيماء..." همس لنفسه. "ما الذي تخططين له؟"

‎ثم أخرج هاتفه بهدوء، وضغط على رقم محفوظ مسبقًا. لم يستغرق الأمر سوى ثانيتين قبل أن يأتيه الرد.

‎"سيد موريس... حصلت على أماكن عائلة أودجين. غدًا، سينطلق كل شخص إلى وجهته."

‎---

‎في الخارج

‎كانت الرياح قوية، تقذف بأوراق الأشجار على طول الطريق، بينما القمر، نصفه غارق في السحب الداكنة، يلقي ضوءًا باهتًا على الشوارع الخالية.

‎سارت شيماء بخطوات ثابتة، يداها داخل معطفها، ورأسها منحني قليلًا، وكأنها لا تريد لشيء أن يشتتها الآن.

‎أخرجت هاتفها، ضغطت على رقم، وانتظرت.

‎رنّ الهاتف مرتين فقط قبل أن يُفتح الخط.

‎"بلاك داون..." همست بصوت منخفض، وكأنها كانت تنطق اسم شيء محظور. "إنها معجزة في حد ذاتها... لقد عرفتُ مكانه مع انتهاء الاختبار."

‎جاءها صوت غامض من الطرف الآخر، هادئ لكنه يحمل نبرة تحذيرية.

‎"هل أنتِ متأكدة؟ هل أنتِ جاهزة لهذا؟"

‎توقفت شيماء عن المشي للحظة، نظرت إلى الأفق المظلم أمامها، ثم أغمضت عينيها وهمست بصوت منخفض، لكنه مشحون بكل الغضب الذي كتمته طوال هذه السنوات.

‎"لم أعد أحتمل. سأزورك غدًا."

‎ثم أنهت المكالمة.

‎لكن صوتها الداخلي لم يهدأ.

‎(وأخيرًا... سأنتقم. أخيرًا... أخيرًا... أخيرًا.)

‎كانت الليلة باردة، لكن داخلها... كان الجحيم قد بدأ بالفعل.

2025/03/25 · 10 مشاهدة · 890 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025