احد الخدم: سيدة إيفا إن تشاي هنا لقد دخل قاعة تجاربك
ايفا : حسنا ، سأتفقده
كان الهواء في القاعة ثقيلاً، مشبعاً برائحة الحديد الصدئ، كأن الجدران نفسها قد شربت الدماء المتناثرة منذ عقود. الأضواء الخافتة بالكاد كانت تضيء الأجساد الممزقة الملقاة على الأرض، كأنها بقايا طقوس قديمة استُنزفت من الحياة. وسط ذلك المشهد، ارتفعت أنفاس ساخنة من الجثث، وكأن الأرواح الميتة ما زالت تتشبث بجثامينها، قبل أن تتحول إلى خيوط حمراء شفافة تتلوى في الهواء، تنجذب نحو الجسد الراقد في منتصف القاعة... جسد بان أودجين.
وقف تشاي أودجين عند المدخل، جسده مشدود كوتر مشدود على وشك أن يُطلق، عينيه تعكسان نيران الغضب والصقيع في آنٍ واحد. شعره الأسود المتناثر يحيط بوجهه كشلال ليلي، وجسده المتناسق بدا وكأنه تمثال منحوت بدقة، لكن أكثر ما كان يثير الرعب فيه هو تلك الهالة السوداء التي أحاطت به. لم تكن هالة عادية، بل شيء أقرب إلى الضباب السام، شيء حي ينبض بالكراهية والقوة البدائية.
خطت إيفا ببطء نحو تشاي، معطفها الداكن الطويل يجر وراءها كظل ثقيل، وعيناها العجوزتان تحملان حكمة قرون مضت. "تشاي... يا بني،" نطقت بصوت ناعم لكنه ممتلئ بحقائق أقدم من الموت نفسه. "كل شيء سيتغير... وعد مني."
ضحك تشاي، لكن ضحكته لم تكن تعبيرًا عن السعادة أو السخرية، بل كانت كأنها تنهيدة رجل خُذل من العالم مرات لا تُحصى. نظر إليها بعينين خاويتين، كأن كل ما تبقى منه مجرد غريزة صافية. "إيفا... لماذا أنا؟ لماذا؟" "لقد وُلدت في كوخٍ بعيدٍ في أعالي الجبال، لم أكن أعرف السبب... كل ما عرفته أنني كنت في المكان الخطأ، والزمان الخطأ. والداي؟ قُتلا على يد جدي ؟ لا أدري، لكنني دفعت الثمن. تدربت عند ذلك المجرم... ثم ماذا؟ قتلت الفتاة التي أحببتها، ولكن هل تعرفين ما هو الأكثر إيلامًا؟" توقف للحظة، نظر إلى يده كأنه يبحث فيها عن شيء مفقود. "الأكثر إيلامًا... أنني فقدت مشاعري نحوها. لم أعد أشعر بالحزن، ولا بالندم. أريد أن أسترجع ذلك الإحساس، أن أستعيد ذلك الألم، أن أشعر أنني... احببت شخصا في حياتي ."
رفعت إيفا رأسها قليلاً، وعيناها اشتعلتا ببريق خافت. "القدر، يا بني... بعضنا يُولد ليكون كما يريد، وبعضنا يُولد ليكون كما يفرضه العالم عليه. نحن لا نقرر، نحن فقط نُجبر على أن نكون. في هذا العالم، ليس الأقوى هو من ينتصر، ولا الأذكى، بل الذي يستطيع التكيف. التكيف هو مفتاح البقاء."
تشاي أدار وجهه بعيدًا، شبح ابتسامة قاتلة مرَّ على شفتيه. "غدًا سأذهب إلى المنظمة. سأقتل أكاي."
تراجعت إيفا خطوة، وكأنها شعرت بشيء مظلم يتفاقم داخله. "تشاي... لا. سنقع في مشكلة مع السيد، لا يمكنك..."
"لا يهمني!" قاطعها، صوته تحطم في الهواء مثل زجاج مكسور. "سأقتل كل من سيعترضني! أعلني لأفراد العائلة ألا يتقيدوا بالخطة... انتهى وقت المسرحيات، آن الأوان لانهيار المنظمة ،."
نظرت إليه إيفا، محاولة أن تقرأ ذلك الوجه الذي صار لغزًا حتى بالنسبة لها. "ماذا ستفعل؟"
"مجزرة... سأعيد مجزرة إنجلترا، سأحرق الأرض تحت أقدامهم، سأجعل فرقة موريس وأكاي يختفون من هذا العالم." قالها بصوت ثابت، كأنه كان يتحدث عن حقيقة لا شك فيها.
ابتلعت إيفا ريقها بصعوبة. "إذا فعلت ذلك، ففرقة أوقا ستتحرك. هذا يعني أن كل عائلة أودجين ستُجر إلى القتال في النهاية. لا... لا يمكنني الموافقة على ذلك! لقد حاولنا جاهدين أن نجد توازنًا في هذا العالم، أن نتكيف! لا أريد أن نعود إلى الظلال بعد أن بدأنا أخيرًا نتقبل الحياة بين البشر."
التفت تشاي إليها، عيناه تتوهجان بشيء لا يمكن تفسيره. "لن أحتاج إليكم. سأقاتل وحدي. آه، وكدت أنسى... تلك الدمية التي ستوقظينها؟ بان سيعود جسدًا بلا روح، أعرف ذلك. وأعرف أنكِ ستطلبي منه أن يختفي عني الحقيقة، لكن لا بأس، دعيه يقاتل إلى جانبي." تقدم خطوة نحوها، خفّت هالته للحظة، كأنه يكشف عن شيء آخر، شيء أكثر برودة حتى من الموت نفسه
إيفا : "هل تعتقد حقًا أنك تستطيع أن تقاتلهم بمفردك؟"
تشاي: "أنت تعرفين إيفا، أنني لا أحتاج لأحد الآن، خصوصًا بعد ما فعله أكاي. هذا ليس مجرد غضب. هذا هو الإحساس بأنني فقدت السيطرة على كل شيء، وأن هؤلاء الناس لا يعرفون حتى من هم يتعاملون معه.
"لماذا كل هذه الفوضى؟"
"أنت لا تفهمين. بعد أن قتل أكاي آني وتجاهلني، كان الأمر كما لو أن كل شيء، كل ما بنيته، كان مجرد أكذوبة. حتى الآن، لا يستطيعون فهم من أكون. ليس الأمر متعلقًا بالقتل، بل بالقوة. لا أحد يستطيع أن يتجاهلني بعد الآن. وأنا سأثبت لهم ذلك.و أيضا اشعر بالملل قليلا "
ايفا : هل كان لديك ارتباط باكاي ؟ ومن آني ؟"
تشاي: "إيفا... لماذا تتظاهرين بأنكِ لا تعرفين شيئًا؟"
أنا الخائن، نعم، و أنت تعلمين جيدًا، لكن ما فائدة الندم عندما يكون العالم كله في يديك؟ آني كانت مجرد ذكرى حية، ولكن أكاي... أكاي هو ما جعلني أعيش في الظلام طيلة هذه الايام كان يجب أن أقاتله منذ وقت طويل. ولكن الآن، بعد كل هذا الخراب، لا أستطيع التراجع."
لا تظني أنني لم ألاحظ، إيفا. لا تظني أنني لا أستطيع أن أرى من أنا. أكاي كان مجرد جزء من اللوحة الكبيرة. لكنني أنا من أضع النقاط في النهاية."
بينما كانت إنزوي تخرج من الظلال، كان الضوء الخافت ينعكس على وجهها، مما جعل ملامحها تبدو غامضة، وكأنها نبتت من العدم. كانت خطواتها هادئة، لكن لكل خطوة كان هناك صدى غير مرئي في الهواء. التفتت إلى تشاي بنظرة ثاقبة، لا تحمل أي تعبير واضح، وكأنها تقيسه من الأعماق.
إنزوي: "أها، إذاً، القاتل الأخطر في العالم يقرر أن يخون عائلته؟ أيُّ نوع من العاطفة أو القوة هذه التي تدفعك لهذا الطريق؟ هل هي خيانة أم تصحيح للمسار؟ أم أنه ببساطة استجابة لنداء الظلام الذي يسكنك منذ البداية؟"
تشاي (نظرة شديدة التركيز، ولكن باردة): "لقد اعتدت على التحمل، لكن هناك لحظات عندما يُصبح الواقع أكثر مرارة من أن يُحتمل. كان هناك خطأ في الطريق الذي سلكته، الآن حان وقت تصحيحه. أحتاج أن أتقبل أفعالي، وأن أوازن بين ظلال الماضي والنور القادم."
إنزوي (رأسها يميل قليلاً، وكان هناك شيء من السخرية في عينيها): "أنت تتحدث عن التصحيح، وكأن تصحيح الخطأ ممكن. هل أنت واثق من أنك قادر على تغيير مصيرك؟ أم أنك مجرد رهينة للأشياء التي جلبتها على نفسك؟ لا يهمني أمر فرقة موريس الضعيفة، فأنا هنا لأساندك في المجزرة ، حروب لا تعود بعدها الحياة كما كانت. جميل ، اضن أن جميع العائلة سيوافقونك، كلنا نريد الانتقام من البشر"
تشاي (تحديق في الفراغ كما لو كان يرى شيئًا بعيدًا في الأفق): "المجزرة ليست سوى جزء من الصراع الأبدي. كل انتصار يحمل معه طعنة جديدة، وكل خطوة تقربنا من النهاية. ولكن هناك قوى أكبر تدفعنا، أليس كذلك؟ ربما كنت جزءًا من لعبة أكبر مما أدرك."
إيفا (تبتسم ابتسامة غامضة، غير مبالية بما يدور حولها): "أظن أن هذه المرة لن تكون حربًا عادية، ستتجاوز هذا كله. ليس الأمر مجرد انتقام من فرقة موريس أو فرقة أوقا. نحن ندخل في صراع يعصف بالعالم نفسه."
إنزوي (ابتسمت ابتسامة باردة، وكان فيها مزيج من الحذر والتهكم): "أخيرًا، يا أمادا. لا شيء سيوقفنا الآن، لا الماضي ولا الخوف من المستقبل. ."
تشاي (نظراته تصبح أعمق، وكأن روحه تتحرر من قيودها): "لا شيء يمكن أن يُقارن بلحظة الحسم، حيث يتلاشى الماضي وتنفصل الأقدار. ربما هذه ليست نهاية فحسب، بل بداية لشيء أكبر... شيء يتجاوز ما نعرفه جميعًا."
إنزوي (نظرة مليئة بالغموض، وكان صوتها يخرج وكأنه همسات الليل): "كل شيء في هذا الكون مرتبط بطريقة ما، يا تشاي. حتى الخيانة نفسها هي نوع من الحرية. ولكنني أخشى أن تكون قد قررت بالفعل مصيرك. الآن، هل أنت مستعد ؟"
ظل الصمت معلقًا بينهما، والدماء ما زالت تنزلق على الأرض كأنهار من الذكريات القديمة. في هذا المكان، تحت هذا الضوء الباهت، لم يكن هناك بشر، لم يكن هناك خير وشر... فقط حقيقة واحدة، وهي أن الدماء دائمًا تجد طريقها للعودة إلى أصحابها.
---