بعد خروج السيد أكاي من القاعة، ساد الصمت للحظات، كأن الجميع لا يزال يحاول استيعاب كلماته الثقيلة. لكن سرعان ما بدأ الضجيج يتصاعد، حيث تقدّم أفراد الفرق الأخرى نحو السيدة بلاك داون، كلٌ منهم يسعى لضم أفضل العناصر إلى فريقه.
كانت العروض تنهال بسرعة، بعض القادة يتحدثون بحماس، وآخرون يكتفون بإلقاء نظرات حادة على الأطفال المختارين، يقيّمونهم كما لو كانوا أسلحة يجب انتقاؤها بعناية.
وقف سون بين زملائه، عيناه تمسحان المشهد من حوله. لم يكن يشعر بالإثارة مثل الآخرين، بل كان هناك شيء آخر يخالط أفكاره… شيء أشبه بالتحذير.
على الجانب الآخر، كانت شيماء تتابع كل شيء بصمت، بينما اقترب منها السيد راغنا، رجل طويل القامة ببنية قوية ونظرات لا تعرف التردد.
— "يبدو أنهم متحمسون." قال راغنا بصوت هادئ.
أجابت شيماء دون أن تبعد نظرها عن الأطفال:
— "هذا طبيعي، فالمواهب النادرة لا تأتي كل يوم."
تقدمت بلاك داون خطوة إلى الأمام، رفعت يدها بإشارة هادئة، وعلى الفور، عاد الجميع للصمت. ثم نظرت إلى الأطفال بجدية وقالت:
— "الاختيار لن يكون عشوائيًا. سيتم توجيه كل واحد منكم إلى الفرقة التي تناسبه بناءً على نتائجه في الاختبار وقدراته الفردية. لذا لا تتسرعوا في اتخاذ قراراتكم."
أومأ الأطفال بالموافقة، رغم أن بعضهم لم يخفِ خيبة أمله. كانوا يريدون حرية الاختيار، لكنهم أدركوا أن هذه المنظمة لا تعمل بتلك الطريقة.
ثم بدأ الإعلان عن التوزيع:
— "جين، أليكس، وغاندي… سيتم توجيهكم إلى فرقة رتبة B تحت قيادة السيد إيزاك."
— "ألما وسيبرو…سون و كيم أنتما في فرقة رتبة A بقيادة السيدة كيارا."
توقف الجميع للحظة عندما أدركوا أن أربعة أطفال كانوا قد تم تصنيفهم بالفعل ضمن رتبةA وهو أمر نادر للغاية. لكن المفاجأة الأكبر لم تأتِ بعد.
نظرت بلاك داون إلى ورقة في يدها، ثم رفعت عينيها نحو الطفل الذي يقف في الخلف، هادئًا، لا يبدو عليه أي توتر.
— "أما أنت…" قالت وهي تتطلع مباشرة إلى عينيه، "سون… سيتم توجيهك إلى تدريب خاص. ستخضع لاختبار إضافي، وإذا نجحت، فستكون مؤهلاً للانضمام إلى إحدى الفرق العليا."
ساد الصمت للحظة، قبل أن يقطعه همس بين أفراد الفرق الأخرى. تدريب خاص؟ هذا لم يحدث من قبل.
سون لم يُظهر أي رد فعل، لكنه شعر بنظرات الجميع عليه، بعضها كان يحمل الفضول، وبعضها كان يحمل الحسد.
أما شيماء، فابتسمت بصمت. لقد بدأت اللعبة بالفعل.
------------
خطوات سريعة تتردد صداها في الممرات المظلمة. كان سيد أكاي يسير بخطى ثابتة، رغم تأخره، لكن عقله كان مشغولًا بشيء آخر.
"سيد أكاي، لقد تأخرت. الجميع بانتظارك في الاجتماع."
نظر أكاي إلى الرجل الذي ناداه بإيماءة بسيطة، ثم تابع طريقه نحو قاعة المجلس. ومع كل خطوة يخطوها، كانت هالة غريبة تخترق أجواء المكان. قوة لا يمكن إنكارها تملأ القاعة.
(هذه الهالة... أشعر بها. المختبرون الجدد؟ يبدو أنهم أقوياء. سيكون من المثير رؤية مدى قوتهم الحقيقية.)
فتح باب القاعة ببطء، ليقابل أعين الجميع وهي تتجه إليه دفعة واحدة. وقف للحظة، متفحصًا الوجوه، قبل أن يتقدم بخطوات ثابتة نحو مقعده.
"أهلاً بك، سيد أكاي." قالها وزير الدفاع الفرنسي بصوت هادئ، ثم تابع بابتسامة خفيفة: "يبدو أنكم حصلتم على وافدين جدد اليوم. أهنئك."
أومأ أكاي برأسه، مجيبًا باقتضاب: "شكرًا لاهتمامك، سيدي."
لكن الوزير الألماني لم يضيع وقتًا. نظر إلى الجميع بجدية قائلاً: "لنبدأ الاجتماع. الوضع يزداد سوءًا. اليوم، بدأت مطاردة أودجين... ولكن هذا قد يؤدي إلى تفاقم الأمور أكثر مما نتوقع."
تصلب تعبير أكاي وهو يرد بحدة: "ماذا تعني؟ لدي ثقة كاملة في السيد موريس وفريقه. سينهون الأمر قريبًا."
ضحكة خفيفة قطعت حديثه، مصدرها رئيسة الجزائر، التي مالت للأمام واضعة كوعها على الطاولة.
"يبدو أنك لم تتابع الأخبار الدولية، أو لنقل، لم ترَ الخبر الكارثي الذي نشره الإعلام الروسي منذ دقائق فقط."
تلاقت نظراتهما، لحظة صمت مشحونة بالتوتر، قبل أن يرد أكاي بصوت خافت ولكن محمل بالثقل:
"ما الذي حدث؟"
لم تجبه بالكلمات، بل حركت أصابعها ببطء نحو جهاز الكمبيوتر أمامها، وضغطت على زر، لتظهر شاشة عملاقة تحمل عنوانًا واحدًا.
عنوان جعل قلب أكاي ينبض بقوة.
(لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا...؟)
على الشاشة، ظهر بث مباشر من إحدى القنوات الإخبارية الروسية. المذيع كان يتحدث بصوت جاد، وعيناه تعكسان حالة من الذعر المكتوم.
"نحن أمام تطور غير مسبوق في الأحداث. مصادرنا تؤكد أن أودجين لم يكن فقط عائلة قتلة مأجورون بل عصابة ، مافيا ، سفاحين و مغتلين عقليا."
ظهرت لقطات من موقع الاشتباك. دمار هائل، جثث متناثرة، وأفراد اودجين تم رصدهم في اماكن اجرامية عديدة ... في وضع لم يكن يتوقعه أحد.
تقدم أكاي للأمام، عيناه مثبتتان على الشاشة.
"هذا... مستحيل." همس بصوت يكاد لا يُسمع.
رئيسة الجزائر نظرت إليه ببرود، قائلة: "أعتقد أنه علينا إعادة تقييم خطتنا، سيد أكاي. انتظر فالقادم صادم."
ظهر خبر عاجل على الشاشة:
"أعلنت مقاومة الإجرام العالمية أن العالم دخل في فترة كارثية مطلقة. إحصائيات القتل الأودجيني ازدادت خمسة أضعاف متتالية، مما يجعل حياة البشر على الكوكب في خطر. أودجين تمارس مجزرة بطيئة على العالم، وأعداد الجثث اللتي تم اختطافها و رصدها فقط في الاشهر الاخيرة دخلت موسوعة غينيس. السلطات العالمية تعلن أننا دخلنا في العصر الكارثي الثالث: عصر الأودجيني. سنمدكم بصور عائلة أودجين الذين تم القبض عليهم قبل 25 سنة ، وصورة آلة القتل( تشاي ) التي التقطت في مجزرة إنجلترا.و اللذين تم اخفائهم بحجة اسرار عالم الاجرام"
توقفت القاعة بأكملها عن الكلام لوهلة، الجميع يحدق في الشاشة، يستوعبون معنى هذه الكلمات.
وزيرة الجزائر نظرت نحو أكاي وسألته بحدة: "ما رأيك في هذه الأخبار، سيد أكاي؟"
ضيق عينيه وهو يجيب بصوت منخفض: "ماذا فعلوا...؟ هكذا سيزداد الأمر سوءًا. أودجين لن تسكت على نشر صور أفرادها."
تدخل وزير الدفاع الإيطالي قائلاً: "لقد أعلنوا الحرب على أودجين. وأعتقد أن المنظمة الأمريكية هي من خططت لكل ذلك."
هز وزير الدفاع الفرنسي رأسه بالنفي قائلاً: "لا أعتقد ذلك. ألم تسمع الأخبار؟ إنه عصر الأودجيني. الإعلان عن هذا الخبر كان متوقعًا، وهذا يعني شيئًا واحدًا... المنظمة الأمريكية والمنظمة الإفريقية فشلوا في السيطرة على أودجين، وجميع المقاومات في العالم قد سقطت."
ضحك الوزير الألماني بسخرية قائلاً: "والمضحك في ذلك أن السيد أكاي أرسل فرقة موريس لمطاردة أودجين."
جلس أكاي في مقعده بصمت، بينما أفكاره كانت تدور في رأسه بجنون.
(أعتقد أن هذا الخبر... قد يساعدني في نجاح الخطة.)
رئيسة الجزائر لاحظت ابتسامته، فتساءلت: "سيد أكاي، أراك تبتسم. ما المضحك في ذلك؟"
رفع عينيه ببطء، وكأن نظراته تحمل إجابة خفية، ثم قال بهدوء: "لا شيء... لكن الآن، ستندلع الثورات في شتى المدن. لن يسكت الشعب على هذا الخبر."
رفعت رئيسة الجزائر حاجبها وقالت: "ستقع حرب... ستلوث أودجين العالم بالدم. أعتقد أنهم كانوا ينتظرون الإشارة الحمراء... وها هي قد أصبحت حمراء وخضراء في آن واحد."
------------
في مطار تونس الدولي، وقف تشاي وسط الحشود، هاتفه بين يديه، عيناه تتحركان بسرعة عبر الأخبار المتدفقة. صورته؟ لم تكن فقط على مواقع التواصل الاجتماعي... بل على كل شاشة في العالم. المطار، الشوارع، الأسواق، حتى في قاعات المؤتمرات.
العالم كله يردد اسمًا واحدًا:
"العصر الثالث... بدأ عصر الأودجيني الثالث!"
ظهرت وجوه أفراد أودجين على الشاشات الضخمة، كل واحد منهم مكشوف... إلا اثنين.
(تاي... أي جي... لماذا صوركما ليست هنا؟)
بينما كان تشاي يتابع الأخبار بتركيز، شعر بنظرات تخترقه. رفع رأسه ببطء، ليجد رجلاً يقف أمامه، جسده يرتجف بعنف.
الرجُل شهق، وبدأ يلهث كمن يختنق، ثم أشار إليه بيد مرتعشة، صوته بالكاد يخرج:
"أ... أ... أودجين! إنه... إنه القاتل!!"
ثم، كما لو أنه فقد السيطرة على نفسه، صرخ بأعلى صوته:
"أودجينييييييي!!!"
لكن قبل أن يتمكن أي شخص من التحرك، في لمح البصر، اختفى تشاي تمامًا.
وكأن الريح قد محته من الوجود.