جاء اليوم التالي… وكان الليل لا يزال يلفّ المكان كما لو أنه لم يرحل منذ الأمس.
لم أكن قد تحركت منذ أن سقطت بالأمس… لا زلت هناك، ممدّدًا فوق الأرض الباردة، ككومة لحم بلا صوت.
خطواته تقترب.
ثقيلة. واثقة. خالية من التردد.
وقف أمامي. لم يتحدث.
ثم فجأة، انحنى وأمسكني من شعري، رفع رأسي قليلًا، ثم تركه يسقط ثانية.
> "ما زلت حيًا… للأسف."
رفعني كما يُرفع جثة، وعلّقني مجددًا على اللوح ذاته.
نفس الحبل. نفس المسامير. نفس العذاب.
> "سنكمل التدريب."
ثم بدأ الضرب.
ضربٌ دون روح.
الحبل لم يكن يلسع، بل يخترق.
مرّ اليوم الثاني، الثالث، الرابع…
سبعة أيام متواصلة.
لم يكن هناك شيء اسمه وقت.
كانت الشمس تُغيبني، والقمر لا يرحمني.
وفي اليوم السابع…
كان المشهد مختلفًا.
قبل غروب الشمس بساعة، أوقف الجلد فجأة.
اقترب.
عيونه كانت أكثر مللًا من الألم.
قال وهو يلقي بالحبل جانبًا:
> "لقد سئمت من ضرب جثة لا تتحرك… جثة لا تبكي ولا تصرخ.
جثة لم يتبقَ فيها سوى عينين تفتحان وتغلقان بتثاقل… كأن الحياة فيهما مجرد عادة."
ثم رمى عصًا أمامي… كانت خشبية، قصيرة، مصقولة في أحد أطرافها.
> "امسك."
لم أكن أملك طاقة للرفض، لكن شيئًا ما بداخلي جعلني أتحرك.
أمسكت بها بأصابع لا تشعر، بأطراف لا تدرك.
> "من الآن سيتغيّر التدريب.
ستركض. تتحرّك. تدافع.
أنا سأضربك… وكلما تأخّرت، ستكون الضربة أقسى.
وإن تحرّكت بسرعة… فلن تشعر بالحبل وهو يمرّ بجسدك."
في البداية… لم أتحمل.
أول ضربة جعلتني أرتطم بالأرض.
> "انهض."
نهضت.
ضربة.
سقطت.
> "انهض."
ونهضت.
ثم… سقطت.
لكن بعد ساعة…
لم أعد أشعر بشيء.
بدأت أتحرّك… لا لأني قوي، بل لأني نسيت كيف يكون الضعف.
لم أكن أبحث عن النجاة… بل عن الحركة فقط.
سرعة…
ضربة…
انعطاف…
قفز…
كنت جسدًا يتبع الألم… لا الإرادة.
> "أحسنت…"
همسها، ولكن في صوته فخر خفي.
لكن… لم يكن ذلك نهاية.
فجأة… بدأت سرعته تتضاعف.
الحبل لم يعد يلمسني… بل يسبقني.
لم أعد أراه.
كان يلسع قبل أن أسمع صوت الصفعة.
سقطت مجددًا.
هذه المرة، لم أستطع النهوض.
تقدّم نحوي.
وقف فوقي، ناظرًا إليّ كمن ينظر إلى نار بدأت تضعف.
قال بصوت ثقيل، كأن الجبال تنطق:
> "هذا هو الحد. إن نهضت غدًا… فأنت قاتل.
وإن لم تنهض… فأنت لست شيئًا يستحق أن يُدرَّب."
ثم استدار، واختفى.
وبقيت أنا… بين التراب والشتاء… أرتجف.
لكني…
ابتسمت.
مرّ شهر كامل…
ثلاثون يومًا من الجري، القفز، التحمّل، الجلد، التأمل… والصمت.
لم أعد ذلك الطفل الممزّق المُعلّق على الخشب،
لقد أصبحت ظلًا متحركًا.
حتى فينكس… لم يعد يلمسني.
كان يُفلت الحبل في الهواء… لأختفي قبله بلحظة.
وفي أحد الأيام، بعد أن توقّف وقد بلّله العرق، ابتسم لأول مرة وقال:
> "اسمع جيدًا… أنا فينكس. الآن تستحق أن تعرف اسمي."
رفعت رأسي نحوه… ولم أُجبه،
لم أعرف هل كنت أبتسم أم أن وجهي قد نسي كيف يفعل ذلك.
مرت الأيام بسرعة بعدها، تدربت على كل شيء تقريبًا…
المناورة، السم، السكين، الهروب، الصمت…
حتى كيف أدفن نفسي في الثلج دون أن أموت.
لكن ما كان يقلقني…
شيء غريب في جسدي.
مع كل يوم، كنت أشعر وكأن ظلالًا تتراكم داخلي.
ثقيلة، هادئة، تُراقب من الداخل.
لا ألم.
لكنها لم تكن طبيعية.
وبعد سنتين من التدريب…
في صباح غائم، عاد فينكس وهو يرافق فتى.
كان أكبر مني بعام، ربما اثنين.
شعره بنيّ قصير، عيناه فضيّتان، وابتسامته فيها شيء لا يُصدّق.
> "هذا ميكي."
قال فينكس ببرود.
"سيتدرّب معك من اليوم فصاعدًا. لا أريد خصامًا بينكما."
لم أكن أعرف ما أقول.
لكن شيئًا بداخلي ارتجف… ربما الوحدة التي كنت أعيشها منذ أن ولدت هي التي جعلتني أبتسم دون شعور.
اقترب ميكي منّي، ناظرًا إليّ كما لو أنني كتاب مفتوح.
> "مرحبًا."
قال وهو يمدّ يده.
> "هالتك قوية جدًا… شعرت بها من أسفل الجبل، كانت خانقة تقريبًا.
بالمناسبة، ما اسمك؟"
تجمّدت.
اسمي؟
لم أفكّر في هذا يومًا…
أنا فقط كنت… "أنا".
نظرت إلى فينكس، مرتبكًا…
فقال بصوت هادئ، كمن يسمّي ابنه لأول مرة:
> "تشاي… تشاي أودجين.
اسمك من الآن فصاعدًا هو تشاي."
كررت الاسم في رأسي…
تشاي… أودجين.
لم أعرف لماذا، لكن صدري ارتجف.
ربما للمرة الأولى، شعرت أني شيء…
أني موجود.
ومنذ ذلك اليوم…
لم أعد وحدي.
أصبح ميكي أخي.
نتدرب معًا، نطبخ معًا، نضحك، ونتشاجر.
حتى فينكس…
بدأ يجلس معنا أحيانًا أثناء العشاء.
زرنا القرية مرارًا…
تسوّقنا، سرقنا، ركضنا من الشرطة، ضحكنا.
كانت أيّامًا لا تُنسى.
لكن رغم كل شيء…
ميكي كان غريبًا.
في كل مرة أسأله عن ماضيه،
عن سبب وجوده هنا، أو من أهله، أو لماذا يتدرّب…
كان يبتسم ويغيّر الموضوع.
> "لا يهم يا تشاي… المهم أننا هنا الآن."
كنت أشعر أنه يخفي شيئًا كبيرًا.
شيئًا ربما… يُشبه الظلال التي تكبر داخلي كل يوم.
بعد عشر سنوات من الضحك، القتال، والأخوّة…
جاء اليوم الذي كُتب عليه ألا يُنسى.
كانت الساعة الرابعة صباحًا، والضباب يملأ الغابة كوشاح مبلّل بالحزن.
تشاي نائم، يلهث في حلمٍ غامض…
حين هزّه صوت مألوف:
> ميكي (بهمس مرتعش): "تشاي… تشاي، استيقظ.
أشعر بشيء غريب… هالة غضب مرعبة تتصاعد من الغابة، إنها من فينكس. هل تعتقد أنه بخير؟"
تشاي فتح عينيه ببطء، نظر إلى ميكي، شعر بشيء مريب.
نهض فورًا.
> تشاي: "لنذهب. شيء ما ليس على ما يُرام."
قفزا معًا فوق أغصان الأشجار بسرعة البرق…
ينزلقان بين السحب، يتبعان أثر الهالة.
لكن…
فجأة، توقف الزمن.
تشاي لم يرَ شيئًا سوى رأس ميكي يتطاير أمام عينيه،
الدماء تطايرت كزهرة مفجوعة،
وتحطّم قلبه في ثانية واحدة.
> تشاي (بصراخ مكسور): "مييييكيييييييي!!!!!!!"
جثا على ركبتيه، أنفاسه تتقطع… عيناه فارغتان.
ظهر فينكس خلفه، يداه ترتجفان.
> فينكس: "أنا آسف… كان يجب أن أفعل ذلك، تشاي…"
> تشاي (وهو ينهض بعينين دامعتين): "ماذا فعلت…؟ ماذا فعلت أيها المجرم…؟!!"
> فينكس (بهدوء قاتل): "كان لا بد من تضحية… كيريو الخاص بك، يا تشاي، لن يظهر بدونها… إنه الأيليون، افرح ."
الكلمات اخترقت جسد تشاي كالرماح.
بدأ يصرخ، ينفجر من الداخل،
أصوات داخل عقله تتصاعد، الكائن الغامض يهمس من أعماق اللاوعي.
صرخة حادة،
ثم… الظلال.
خيوط سوداء خرجت من جسد تشاي — من يديه، من ظهره، من صدره، حتى من فمه…
الهواء ارتجف.
فينكس حاول الهرب… لكن لا مجال.
تشاي انقضّ عليه كوحش، مزّقه دون تردد، دون عقل، دون رحمة.
شوهه حتى اختفى صوته… واختفى اسمه.
> تشاي (بصرخات وحشية): "أأأآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه!!!!!"
سقط على الأرض، جسده يتنفس كالبركان،
حتى ظهر صوت جديد… أنثوي، غريب، مألوف بطريقة مرعبة.
من بين الظلال… ظهرت عجوز، تحمل نظرة لا يمكن فهمها.
> ؟؟؟: "مرحبًا يا بني العزيز… لقد افتقدتك كثيرًا."
تشاي ينظر، لا يصدّق.
> العجوز (بابتسامة سوداء): "أنا إيفا أودجين… جدتك.
لقد جئت لأخلّصك… وأقودك إلى مكانك الحقيقي."
تشاي لم يفهم… لم يعِ كيف وصلت أو لماذا الآن.
لكنه لم يقاوم.
لم يكن في قلبه شيء سوى الفراغ… والدم.
كانت تلك الليلة…
الليلة التي استيقظ فيها كيريو.
الليلة التي بدأت فيها لعنة أودجين بالتحرّك مجددًا.
ولم يكن هذا سوى اليوم الثاني بعد حادثة المحكمة( حادثة في فصل 0)