على الهاتف
تشاي: ماذا هناك؟
إيفا: لقد تمت التعويذة... بان عاد إلى الحياة. لكن يا تشاي...
تشاي (مقاطعًا، ببرود): لم يتذكر شيئًا. لا تكملي، كل شيء واضح، يا إيفا.
إيفا (بتردد، صوتها يحمل شيئًا من الندم): أنا آسفة، يا عزيزي... أعلم أنك ستكتشف الحقيقة عاجلًا أم آجلًا. لكن الآن، اسمع... بان يريد أن ينضم إليك. هو في طريقه إليك، ومعه اثنان من الخدم... موثوقان. سيساعدانك في تنفيذ الخطة.
تشاي لم يرد. صمت ثقيل لفّ الاتصال، ثم سُمع صوت انقطاع الخط.
جلس تشاي في الزاوية المظلمة من الغرفة، والنور الباهت من المصباح المرتعش بالكاد يلامس وجهه. صمت كثيف خيّم، حتى خُيّل له أن الظل أمامه يتحرك… ثم سمع الصوت:
الظل: لماذا تبكي؟ ألم تختر هذا الطريق بنفسك؟
تشاي (بصوت خافت): لم أختر شيئًا… أنا فقط كنتُ طفلًا يبحث عن معنى، فوجد السلاح بدل القلب.
الظل: المعنى؟ هاها… لا أحد يمنحك معنى. إمّا تصنعه، أو تُسحق تحت قدم من يصنعونك.
تشاي: كنت أظن أنني قوي، أنني أقف بقراري، أن الدم الذي أريقه مبرّر... لكنّي أكتشف الآن أنني كنت أهرب فقط.
الظل: تهرب ممن؟
تشاي (بمرارة): من نفسي. من الشعور بالعجز حين ماتت آني. من خوفي أن أكون ضعيفًا، أن أعيش حياة عادية لا تعني شيئًا لأحد.
الظل: وهل تظن أنك الآن تعني شيئًا؟ قاتل مأجور، أداة تُستخدم، ثم تُرمى.
تشاي: لا تقلها... لا تقلها…
الظل: بل اسمعها. أنت لا تبكي من الألم، بل من الفراغ.
تشاي (مغلقًا عينيه): الفراغ داخلي يبتلع كل شيء. أكلت، شربت، قتلت، وانتقمت… ولم أملأه.
الظل: لأن الفراغ لا يُملأ بأفعالك… بل بما تفقده.
كل ما تفقده يُخزّن في الداخل، يصبح هوّة... حتى تنظر لنفسك ولا تجد ملامح.
تشاي (بهمس): أريد أن أختفي.
الظل: لا يمكنك.
تشاي: إذًا أريد أن أُعيد الزمن... لأختار شيئًا آخر.
الظل: الزمن لا يُعيد نفسه، لكنّك تستطيع أن تموت بطريقة مختلفة.
تشاي (رافعًا رأسه): الموت... هل هو الخلاص؟
الظل: لا. هو فقط نهاية حكاية لم يُفهم معناها.
تشاي: إذًا... ما المعنى؟
الظل: أن تُقاوم حتى وإن كنت خاسرًا. أن تُحب حتى بعد الخيانة. أن تخلق من كل جرحٍ قصيدة، ومن كل صرخةٍ صمتًا متماسكًا. أن تمشي وسط الخراب وأنت لا تزال تُصدق أن هناك ضوء في مكان ما.
تشاي (بصوت مرتجف): وإن لم أعد أصدق بشيء؟
الظل: حينها... اصنع إيمانك بيدك. حتى لو كان كاذبًا.
فالكذبة التي تُبقيك واقفًا… خير من الحقيقة التي تجثو بك للأبد.
نهض تشاي من السرير ببطء، كأنّ ثقلاً خفيًا يسحب أطرافه نحو الأرض. سار نحو الشرفة، فتح الباب الزجاجي، ووقف هناك، عارياً من كل فكرة إلا التأمل.
السيارات تمضي بلا اكتراث، والناس تتزاحم كأن لا أحد منهم يحمل عبئاً سوى هو.
همس لنفسه بصوت واهن:
– لم يعد هناك متّسع من الوقت... أشعر أنّ شيئًا بداخلي يتآكل.
الأليُون... بدأ يهيمن على جسدي. كأنني أفقد آخر ذرات إنسانيتي.
صمت، ثم تابع:
– الماضي... لم يعد مهمًا. العائلة؟ الاسم؟ كلّه رماد.
سأرسم طريقًا جديدًا، لا أحد فيه سواي. لا ذاكرة، لا ألم، فقط المستقبل... بلا جذور.
أطرق برأسه. الدموع بدأت تنحدر من عينيه، لا عن ضعف... بل كأنها تنزف.
ثم بصوت مخنوق، كأنّه يتكلم مع شبح:
– لكن... لماذا لا تختفي صورتها؟
كلما نمت، أكلت، حتى عندما أذهب إلى المرحاض... آني.
لماذا أراكِ في كل تفصيلة من حياتي؟
أليست مشاعري قد تآكلت؟
أليس من المفترض أن أكون مجرد سلاح؟ فلماذا لا تزالين تربطينني بهذا الخيط؟
رفع يديه إلى وجهه، ضغط على عينيه، وكأنّه يريد اقتلاع الذكرى.
– لماذا كنتِ المرأة الوحيدة في عالمي؟
لماذا رحلتِ؟ لماذا تركتِني في هذا العالم القذر؟
أنا لا أريد أن أكون قاتلًا، لا أريد هذه الدماء، هذا الطريق...
ثم ابتسم بسخرية حزينة، وتابع بصوت متقطع:
– كنت فقط... أريد أن أتزوجك.
ننجب طفلًا صغيرًا، أُعلّمه كيف يضحك، كيف يعيش.
أشتري سيارة، أذهب بها لآخذه من المدرسة... وأنتِ تنتظريننا في المنزل، بطعام دافئ...
بيت بسيط، حياة عادية... فقط أنتِ وأنا.
رفع رأسه أخيرًا، لم تعد الدموع تنزل، بل تحوّلت عينيه إلى جمرة:
– لكن كل هذا... محاه أكاي في لحظة.
دمّر الحلم، وسحق الحقيقة.
لا، ليس فقط أكاي... بل أنا.
أنا من سمحت لهذا أن يحدث.
أنا من قتل نفسه يوم اختار أن يكون قاتلًا، لا طبيبًا.
شدّ قبضته حتى ابيضّت أصابعه، ثم تمتم بصوتٍ مغمور بالغضب:
– لن أسامحك، أكاي...
سوف أقتلك، ثم أشرب دماءك، كي لا يبقى في هذا العالم شيء يحمل اسمك.
رنّ الهاتف.
تشاي نظر إلى الشاشة، زفر ببطء، ثم أجاب دون أن يتكلم.
سيد: أهلاً، تشاي... سمعت أنك في تونس. ماذا تخطّط له هذه المرة؟
تشاي (بجفاف): لتذهب وتخبر أكاي بما أُخطّط له، أيها الأحمق. أتعامل معك كغبي... لأنك تُصرّ أن تكون كذلك.
سيد: لا، لست هنا للإبلاغ. بل لأحذّرك. الوضع خطير... أنت على رأس قائمة المطلوبين. لا تقم بشيء متهور.
تشاي (بسخرية باردة): تحذّرني؟ ومن أنت لتفعل؟ أنت منذ البداية كنتَ في صف أكاي. أنت تعلم.
سيد: ما الذي تقصده؟!
تشاي: أكاي هدّدني. قتل من أحب. وأنت... كنت تعلم. كنت تعلم، وسكِتّ. هذه خيانتك الأولى.
سيد (بصوت متوتر): لا، لقد تحدثت معه. أقسم لك. قال إن المجلس هو من أصرّ على مطاردة عائلة أودجين... وأنه لم يكن يملك خيارًا.
تشاي (بهمس كالسّم): دائمًا هناك خيار. من يقول "أُجبرت"... باع روحه.
ابحث عن مقعد جديد، سيد... لأن أكاي لن يعود من هذه المعركة.
سيد: كما تريد. أكمل جنونك، قتالك، هوسك بالانتقام...
لكن اسمع، لدي مهمة لك. عصابة ثعالب الجليد بدأت بالتحرك. أرسلت بيوم إليهم، لكنّي أريدك أن تلتحق به. انتهِ من الأمر بطريقتك.
أنهى المكالمة.
تن... تن... تن...
صوت الإغلاق كان أشبه بجملة إعدام، لا نهاية اتصال