حلّ المساء على المدينة، وسادها سكونٌ ثقيل. الشوارع خالية، والنوافذ مغلقة، وكأنّ الجميع يعرف أن شيئًا ما يقترب.

‎كانت السماء صافية بشكل مريب، والنجوم تتلألأ فوق المدينة كأنها تراقبها عن كثب. على جانب الطريق، توقّفت سيارة سوداء ذات نوافذ معتمة، يتصاعد منها دخان السجائر، ويُسمع من مذياعها صوت مذيع محلي:

‎> "تغيّرات مفاجئة في الطقس اعتبارًا من الغد... سحب رعدية كثيفة، وضباب سيغطي المدينة ليومٍ كامل. يُرجى من الجميع توخي الحذر."

‎داخل السيارة، جلس أكاي، رجل بملامح باردة وعينين لا تشيان بأي رحمة. بجانبه، كان جاك، رجل ضخم الجثة، يحمل زجاجة خمر نصف فارغة، يتأمل بها كما لو أنها الملاذ الأخير قبل السقوط.

‎أكاي بصوت هادئ، مريب:

‎"سمعت ذلك يا جاك؟ لديّ شعور أن غدًا... ستكون بداية المجزرة."

‎جاك يبتسم بمرارة:

‎"أغلب الفرق اجتمعت، الاستعدادات قائمة. لا بأس بهذا."

‎أكاي أدار رأسه نحوه ببطء، ونظر في عينيه بحدة:

‎"لا أعتقد أن تلك الفرق ستكون كافية لإيقافه. إن دخل إلى المنظمة... سيجدني."

‎جاك عبس:

‎"ستبقى هناك؟"

‎"نعم." أجاب أكاي بثقة، "أريد أن أرى قوة أخطر سفّاح في العالم بعيني."

‎جاك زفر بشدة، ثم أخذ رشفة طويلة من زجاجته:

‎"أما أنا... فلن أبقى. لستُ غبيًا كي أواجه شخصًا لا أحد يعرف حدود قوته."

‎صمتٌ لوهلة.

‎ثم قال أكاي وهو ينظر عبر زجاج السيارة إلى المدينة النائمة:

‎"السيد تحرّك أخيرًا ضد عصابة ثعالب الجليد. كلفني بسحقهم... أرسلت فرقة Big One إلى روسيا."

‎جاك رفع حاجبه باستغراب:

‎"تحرك منذ زمن، لكن... لم ينجح أحد في إسقاط أيٍّ منهم. إنهم في أرضهم، والاقتراب منهم انتحار."

‎ثم خفض صوته، وصار يتحدث بنبرة أكثر قتامة:

‎"في العام الماضي... أمرني السيد بالمهمة ذاتها. لكنني فقدت نصف عائلتي هناك. كنا نظن أننا مستعدون... لكنهم اختفوا أمام أعيننا، مثل السراب."

‎غابت الأصوات للحظة. لا يُسمع سوى همسات الريح تتسلل عبر شقوق الأبواب.

‎أكاي أخرج سيجارة، أشعلها ببطء وقال وهو يبتسم ابتسامة غامضة:

‎"غدًا... ستُكسر المعادلات القديمة. والدماء ستعيد تشكيل قواعد هذه اللعبة."

‎+++++++++++

‎وصل بان إلى منزل تشاي برفقة خدمه بصمتٍ ثقيل كأن العاصفة تمشي على أقدام بشر.

‎الأبواب فُتحت أمامهم، والظلال على الجدران بدت وكأنها تهمس بأشياء لا تُقال.

‎في غرفةٍ مظلمة لا تُنار إلا بوميض المصباح المتدلّي، جلس بان قبالة تشاي.

‎العيون التقت، نظرةٌ امتزجت فيها الكراهية بالصمت، والندم بالريبة.

‎بان ابتسم بصعوبة، كأن الكلمات ثقيلة على لسانه:

‎> "أهلاً تشاي... سمعت من إيفا أنني سلبتُ منك والديك..."

‎وقبل أن يُكمل الجملة، في ومضة من الخيال، تخيّل بان يداً تخترق جمجمته وتُفتت دماغه.

‎لم يكن هذا حقيقة... بل سيناريو داخلي مروّع مرّ في لحظة.

‎ابتلع ريقه وأعاد ترتيب كلماته بسرعة.

‎> "أهلاً تشاي... كيف حالك؟"

‎صوت تشاي خرج كالسكاكين:

‎> "لماذا... لا تتذكّر؟"

‎قبل أن يردّ، مدّ تشاي يده فجأة وأمسك بان من رقبته بقوة، رفعه عن الكرسي وأخذ يخنقه.

‎> "قلها... لماذا قتلتهم؟ من هو الشخص الذي أخذتني إليه بعد أن جعلتني يتيمًا؟"

‎بان بصوت مختنق:

‎> "ستقتلني... لا أتذكر، أقسم أنني لا أتذكّر... أنا آسف..."

‎لكن تشاي لم يتراجع، نظراته تنزف حقدًا:

‎> "أجبني... أمي أم أبي؟ من منهم من عائلة أودجين؟ من ربطني بهذه القذارة؟! قُلها!"

‎بان تمتم بكلمات خافتة:

‎> "... محو... المكان..."

‎وفجأة، تغيرت ملامحه. لم يعد بان، بل أحد الخدم، استعمل تقنية لينجوا لتبديل الوجود.

‎نظرة تشاي أصبحت أكثر سوادًا:

‎> "إذا تجرأت على استخدام تلك الحيلة مرةً أخرى... سأقتلك دون تفكير."

‎عاد بان إلى شكله الطبيعي، كان يرتعش.

‎ثم قال بصوت أقرب إلى الرجاء:

‎> "لا أذكر شيئًا يا تشاي... لا أعرف من تكون ولا من يكون والداك... أرجوك، أنا آسف..."

‎لكن تشاي تجاهل توسّله، ثم التفت إلى الخدم بنبرة صارمة:

‎> "الآن... سأشرح لكم الخطة."

‎وقف الخادمان في وضعية استعداد.

‎> "ما أسماؤكما؟"

‎ردّ أحدهم:

‎> "أنا أنتونيو، وهذا أخي بيلي."

‎أومأ تشاي:

‎> "جيّد... غدًا، الساعة السادسة مساءً، تبدأ المجزرة.

‎بان سيكون في الجهة الشرقية من المنظمة، وأنتم في الجهة الغربية.

‎أنا سأتقدم من المنتصف. دمروا كل شيء.

‎كل ما هو حي... اقتلوه.

‎فجّروا، مزقوا، لا تتركوا شيئًا يتحرك.

‎حينما أدخل أنا... ينتهي عملكم. انسحبوا فورًا، سأتكفّل بالبقية."

‎الخدم بصوت واحد:

‎> "مفهوم."

‎بان تردّد، فتح فمه ليتكلم:

‎> "لكن..."

‎وقبل أن يُكمل، قال تشاي بصوت بارد:

‎> "أنتونيو... أخبر هذا الأحمق ماذا يحدث لمن يتكلم."

‎التفت أنتونيو نحو بان، ونظر إليه طويلاً دون أن ينطق بكلمة.

‎الصمت... كان أبلغ من أي تهديد.

‎ساد السكون... لا يُسمع سوى صوت أنفاسهم.

‎وها قد اقتربت ليلة الدم.

‎---

2025/07/31 · 6 مشاهدة · 772 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025