في الجهة الغربية...
كان الدخان يتصاعد كسحب سوداء تتلوى في السماء، بينما ظلال النيران ترقص على بقايا البنايات المتفجرة. وسط الركام، وقف أنتونيو كتمثال جليدي بين جثث متفحمة، يحمل مسدسًا أنيقًا يتقطر بالدم. سترته السوداء ممزقة عند الكتف، لكن هالته لم تُمسّ، بل كانت أضخم من الدمار نفسه، تحيط به هالة قاتمة تتراقص كأنها شبح لا يُقهر.
في الخلف، وسط الظلال المتكسّرة لممر ناطحة سحاب محترقة، كان بيلي يراقب بصمت. عيناه تلمعان كعيون الذئب في ليلٍ مظلم، وجهه مغطى بالرماد، لكن تعابيره ساكنة، مهيبة، كأنّه لا ينتمي لهذا العالم.
بدأت خطوات خافتة تُسمع...
فرقة من المقاتلين الخارقين تتقدم، كل منهم يجر خلفه أزيز قوة تُرعب الأرض تحتهم. لم ينطق أحد، كأن الزمن توقف احترامًا لقدسية المواجهة القادمة.
وفجأة...
قذف أحدهم بنفسه نحو أنتونيو بسرعة تتخطى البصر، الهواء اهتز من حوله، والركام طار كأنّ إعصارًا مرّ.
ابتسم أنتونيو بهدوء مميت.
أسقط مسدسه.
و... في اللحظة التي لامس فيها المهاجم محيط جسده—
تجمّد الزمن.
المهاجم تجمد في مكانه، ارتجف... ثم سُمع صوت "طقطقة" كأنها كسر جليدٍ تحت الأقدام.
جسده تشقق... ثم تحطم إلى شظايا بلورية تبخّرت في الهواء مع آخر نفس.
الصمت عمّ المكان.
لكنها كانت الإشارة...
بقية الفرق اندفعت كأشباح الجحيم.
كل من اقترب... نال نفس المصير.
تجمّد... تكسر... تبخر.
كان الأمر لا يُصدّق.
أنتونيو لا يتحرك، لكنه يُبيدهم.
أما بيلي، فكان لا يزال في الظل، كأنه ينتظر شيئًا... أو أحدًا.
في تلك اللحظة، لم يكن المشهد مجرد معركة.
كان عرضًا إلهيًا للفناء،
وكان أنتونيو وبيلي هما الآلهة فوق المسرح المحطم.
بعيدًا عن ساحة المجزرة،
كان بانغ يتقدم بسرعة فوق الأسطح المتشققة، يتبعه شو، نيفيرو، بالمند، وأوبيتو. الرياح تعصف، والسماء تمطر رمادًا كأنها تبكي على ما حدث للتو.
بانغ بصوتٍ حازم وهو يقفز بين الأنقاض:
– أين سيد موريس؟
شو، بابتسامة لا تفارقه حتى في الفوضى:
– توجه شرقًا. يبدو أنه لمح خصما قويا في جهة الاخرى.
بالمند:
– أشعر أنها ليلة لن تنتهي إلا بدماء كثيرة... احذروا، الخصم هنا ليس عاديًا.
وصلوا إلى موقع المعركة.
المنطقة كانت جحيماً صامتاً.
منازل متكسرة...
أطلال تتنفس البخار...
والأرض ملطخة بسائلٍ أحمر تبخّر حتى غطّى المكان بسحابة حمراء خانقة.
في مركز الدمار...
كان أنتونيو واقفًا.
جسده مغطى بضوءٍ خافت كوميض نيزك،
وحوله فقط بخار... بخار لا ينتهي، كثيف، قاتم، يعبق برائحة الدماء المحترقة.
اوبيتو وقد لحق بهم من الخلف، قال بصوت مندهش:
– ماذا... ماذا حدث للفرق؟!
لقد أرسلت أكثر من ثلاثين فرقة إلى هنا!
قبل أن يُرد عليه أحد،
خرج رجلٌ جريح من خلف ركام، عينيه تتذبذبان بين الجنون والرعب:
– جـ... جمدوهم... قتلوهم...
ثم، في لحظة—
جسده تجمد، تشقق، وتبخر في الهواء، كما لو أن حتى كلماته كانت محرّمة هنا.
شو أطلق صفيرًا وابتسم بخفة متهورة:
– يبدو أننا أمام وحش... حقيقي.
في لحظة واحدة، اتخذ الجميع وضعيات القتال.
الأرض اهتزت تحت أقدامهم.
كلهم كانوا يراقبون بحذر.
الخصم أمامهم... مجهول القواعد، مجهول القدرات، مجهول النية.
لكن أنتونيو رفع رأسه بهدوء.
ابتسامته لم تكن ساخرة، بل حزينة... كأنّه ينعيهم قبل أن يقتلهم.
قال بصوت عميق يتردد في البخار:
– فرقة موريس الشهيرة...
لا شك أنكم أنتم من طارد عائلة أودجين،
يا له من مشهد مضحك... انتم ههههههه
أن تأتي كلاب إلى عرين الذئاب.
تقدم خطوة واحدة،
الأرض تجمدت تحتها،
وقال بهدوء:
– حسنًا، سأقدم نفسي...
أنا أحد خدم عائلة أودجين.
ولأكون واضحًا...
لا يمكنني حتى أن أقارن بأفراد العائلة الحقيقيين.
لم تكد آخر كلمة خرجت من فم أنتونيو تستقر في الهواء...
حتى اختفت صورة بالمند من مكانه كوميض برق.
في أقل من رمشة عين—
كان أمام أنتونيو،
يده الممتدة كأنها مخلب نمر يوشك أن يغلق على عنق الخصم.
لكن...
قبل أن تلامس أصابعه الجلد—
تجمّد بالمند في الهواء،
كأن الزمن نفسه لفظه.
عينيه اتسعتا، لا خوف، بل دهشة قاتلة.
تشقق جسده بصوت أشبه بانفجار بلوري،
ثم تحطم إلى شظايا بيضاء،
واختفى في زوبعة بخارٍ جليدي.
الفرقة صمتت.
لكن—
من خلفهم...
ظهر بالمند مجددًا، واقفًا بينهم، جسده لم يُصب بخدش.
أنتونيو، بابتسامة خفيفة وهو يلف كتفه:
– لديك مهارة تسمح لك بنسخ نفسك... لكن، لسوء حظك،
نسخك ضعيفة أمامي.
بالمند، وهو يحدق فيه بعينٍ صارمة:
– لم تكن تلك مهارته....
أنا لم أشعر أنه من جمّد نسختي ..
هناك شخص آخر،
من يرسل هذا البرد القاتل...
صمت خيم على الجميع.
وفجأة، على بُعد آلاف الأمتار—
صوت الإنذارات يعلو في كل المدينة،
صفارات الشرطة، تنبيهات الطوارئ، أصوات المروحيات.
الناس تهرع...
عائلات، أطفال، شيوخ، يهربون في صفوف منسقة،
ورجال الشرطة يحاولون فتح الممرات وسط الركام والدخان.
من السماء، المشهد يبدو كأن زلزالًا ضخمًا أو حربًا نووية قد ضربت المدينة.
لكن الحقيقة كانت أبشع...
هذا الدمار كله،
الدماء، البخار، الحطام،
لم يكن بفعل جيش... ولا منظمة...
بل فقط ثلاثة أشخاص.
صورة بانغ