داخل المنظمة... كانت أشبه بمقبرة مدفونة في قلب الأرض.
لا صوت.
لا نفس.
لا حركة.
الهواء ثقيل... كأن الأرواح التي قُتلت في هذا المكان لا تزال تهمس في زواياه.
كل شيء اختفى — لا أحد في الردهات، لا أحد خلف الزجاج، لا أثر للحياة.
تشاي...
بخطى قاتمة تُطقطق على الأرض الرخامية، يدخل الطابق الأول.
وجهه لم يعد وجه بشري...
عينان مفتوحتان حد التمزق، تدوران كأنهما تبحثان عن شيء تاه في الجحيم.
تتشقق قسماته بغضبٍ صامت، أنفاسه ساخنة كأن قلبه مشتعل.
اقترب من السلم الكهربائي.
أصبعه يضغط على زر الطابق 11.
ضوء الزر يُضيء بلونٍ أحمر باهت، ثم...
الصعود.
داخل المصعد، تقف ملامحه جامدة، لكن قلبه ينزف ضجيجًا.
عيناه مثبتتان على الباب المعدني، لا يرمش، لا يتنفس،
كأنه يتهيأ لفتح بوابة إلى الجحيم.
في الطابق الحادي عشر...
في نفس اللحظة، يفتح "آكاي" باب مكتبه.
صمت مريب يلف الطابق...
لكنه يشعر.
يشعر أن شيئًا قاتلًا قادم.
يخرج إلى الرواق، يقف أمام المصعد، يمد يده، يضغط على زر "فتح الباب".
لا تردد.
"دينغ"
يفتح الباب.
ويُفتح معه الصمت.
انفتح باب المصعد أمام تشاي... لكن لم يكن أحد ينتظره.
لا آكاي.
لا صوت.
لا شيء.
نزل قبل وصوله بعشر ثوانٍ فقط.
ثوانٍ كأنها قرون.
تشاي يخرج،
صوت خطواته على الأرضية يشبه قطرات دم تتساقط على أرضية باردة.
عيناه تجولان كذئب جائع...
الممر طويل، مضاء بضوء أبيض بارد...
كأنه طريق لجنازة.
يتذكر كلمات "تاي":
> "مكتب آكاي... نهاية الرواق، الباب الذي بلا لافتة."
يتجه نحوه.
وصل.
اليد ترتفع، تفتح الباب بهدوء...
ويدخل.
الداخل...
مرتب. منظم.
أنيق بشكل غريب.
لكن الأناقة هنا لم تكن دليل سلام... بل كانت تشبه استعداد مريض للموت.
لا شيء ينبض بالحياة.
تشاي يتوقف.
يتنفس ببطء، كأن أنفاسه أصبحت تحترق داخل صدره.
يحدّق حوله.
وفجأة...
يلمح رسالة.
موضوعة على الطاولة،
بيضاء نقية، وعليها بخطٍ أنيق...
"إلى عزيزي تشاي."
حدّق فيها طويلًا.
كأنها تتكلم.
مد يده.
أخذها.
فتح تشاي الرسالة...
وبدأ يقرأ:
"تشاي أودجين...
مرحبًا بك في منظمتي."
"أنا آكاي.
سعيد بوجودك هنا، وسعيد أكثر أنك تقرأ هذه الرسالة الآن.
إن كنت تمسك بها... فأنا خارج المدينة بالفعل.
لا تنسى... لدي سيارة أسرع من غضبك."
"لم أرد أن نتصادم الآن.
هناك لحظة واحدة فقط تستحق لقاءنا...
ولم تحن بعد."
"لكنني لن أتركك بلا شيء."
"سأقدم لك معلومة،
قد تهدئ بعضًا من النار التي تشتعل فيك. أو على الأقل، تزيدها اتساعًا."
"أثناء تعذيب (آني)...
تكلمت.
لم يكن ذلك مفاجئًا."
"اعترفت بأشياء كثيرة، بعضها عنك."
"أشياء... قلتها لها بنفسك."
"من بينها، أنك لا تعرف من هما والداك.
وأنك تربيت في بيت غريب لا تعلم صلته بك.
وأنك كرّست حياتك للبحث عن حقيقتك."
"هذا مؤلم، أليس كذلك؟
أن تعيش دون هوية، دون جذور، دون ماضٍ واضح؟"
"أنا... أعرف من أنت، يا تشاي.
وأعرف من هو والدك الحقيقي."
"حاولت أن أستخدم هذه المعلومة ضدك.
حاولت أن أجعلها خنجرًا يذبحك من الداخل...
لكن لم أجد الدافع."
"ربما... لأن جزءًا مني أراد أن يعرف ما ستفعله بها."
"لذا، سأهديها لك."
"باقي الحقيقة،
تنتظرك في الطابق رقم -3."
"اتبع الرائحة."
انتهت الرسالة.
لكن في صدر تشاي...
بدأ كل شيء للتو.
انفجر ألف سؤال في لحظة واحدة.
رائحة الماضي أصبحت فجأة أوضح من أي وقت مضى.
الهواء في المكتب تغيّر.
كأن الغرفة بدأت تتنفس ببطء،
وكل نفس يهمس له:
> "من أنت يا تشاي؟"
"ومن الذي كذب عليك طوال هذه السنين؟"
بسرعة البرق...
لم يأخذ تشاي المصعد.
لم يُفكر. لم يتردد.
ركض.
نزل من السلالم كعاصفة مقطّعة الأنفاس.
كل طابقين...
ثانية واحدة فقط.
الدرج ينهار خلفه من شدة الضغط،
الهواء يقطع وجهه كالسكاكين،
جسده يتحرك... لكن روحه كانت تسبق خطواته.
طابق 0
طابق -1
طابق -2
الآن... -3
توقف فجأة.
شيء في الهواء تغيّر.
ليست رائحة فقط...
بل جدار من العفن والدم والخراب صفعه على وجهه.
الهواء خانق.
لا يشبه روائح الموت...
بل كأنه احتراق لحم إنسان امتزج بالزمن.
تشاي يضع كمّه على أنفه...
لكن الرائحة تدخل عقله لا أنفه.
يتقدم بخطوات ثقيلة.
كل خطوة... كأنها تبتلع صوته الداخلي.
يتبع مركز الرائحة.
ومع اقترابه...
رآها.
آني.
جثة...؟ لا.
بقايا شيء كان يُسمّى إنسانًا.
مربوطة.
مقلوبة الرأس.
أطرافها مشقوقة.
صدرها مفتوح.
وبطنها... مفتوح بالكامل.
ومن الداخل...
رسالة.
مطوية
داخل جسدها.
تشاي تجمّد.
كل شيء حوله أصبح أزرق باهت.
الأرض، الجدران، الزمن...
توقفت الحياة.
لكن يداه تحرّكت.
مدّها داخل الجثة... وسحب الرسالة.
كانت دافئة... كأن آني لا تزال تتنفس.
فتح الظرف،
وبدأ يقرأ —
{"أحببتُ تلك الفتاة..."
"كانت أجمل ما رأت عيناي."
"ليست فقط جمالًا... بل كانت ياقوتة من النُبل."
"لكن حين عرفت أنها من عائلة أودجين... "
"مدرسة كاملة لتعليم القتال... سلالة نبيلة ."
"فرحتُ للحظة... فأنا أحب امرأة من نسل العظمة."
"لكن المشكلة لم تكن في الاسم، بل في شخص واحد فقط:"
"أبوها... بان أودجين."
"رجل قاسٍ. لا يُشبه باقي العائلة."
"إيفا، إنزوي... رحبوا بي، بل أحبوني."
"لكن بان؟ لم يكن يراني إلا عارًا."
"قالت لي مرارًا أنه يضربها... يعاقبها بوحشية."
"لم أفهم لمَ كل هذا الكره؟" }
---
"الآن، هذه الكلمات ليست من تأليفي.
"بل من دفتر قائد الفرقة الأقوى في المنظمة قبل 35 عامًا:"
"يوتـا شيمازاكي."
"نعم... وجِدت هذه الأوراق القديمة بين كتب منسية في خزانة المنظمة."
"وحين قرأتها، حسبت التواريخ... والأعمار..."
"واكتشفت شيئًا مرعبًا."
"أنت، تشاي... بحسب التقدير، في ذات العمر الذي كان يجب أن يكون عليه ابن يوتا."
"وأمك؟"
"واحدة من آل أودجين."
"اسمها... لم يُذكر."
"لكن يكفي أن تعرف أنها أحبت، وخانت، وهربت، وأنجبتك."
"والآن، الجزء الأشد قسوة..."
"جدك، بان أودجين... هو من قتل أباك."
"قبل 30 عامًا، دخل يوتا في مواجهة مباشرة مع بان... وخرج منها جثة."
"هذا مكتوب بخط اليد في أرشيف المنظمة."
"دفتر يوتا، الأصلي، موجود الآن على الكرسي أمامك."
"اقرأه كما تشاء..."
"أو تجاهله وامضِ في جنونك."
"قبل الوداع..."
"تركتُ لك جثة من كانت حبيبتك."
"كي تُمعن النظر في الجسد الذي لم تحمه."
"فقط لتتأكد... أن أكاي ليس جيدًا."
"بل أنه لا يُجيد شيئًا... سوى أن يُريك من تكون."
— آكاي
الرسالة تنتهي...
لكن العالم انهار داخل تشاي.
مدّ تشاي يده إلى الكرسي.
عليه دفتر قديم، جلده مشقوق، أوراقه مائلة إلى الاصفرار،
لكنه أثقل من جبل.
دفتر الأب.
جلس.
فتح الصفحة الأولى...
الثانية...
عشرات الذكريات المكتوبة بخطٍ واضح،
أحلام، خطط، ملاحظات قتالية، وأحيانًا كلمات عن الوحدة... عن امرأة ما.
ثم...
وصل إليها.
صفحة شبه ممزقة.
عليها جملة بخط مختلف قليلًا، كأن اليد التي كتبتها كانت ترتجف:
> "اليوم التقيت فتاة جميلة تدعى..."
لكن الاسم؟
ممزق.
شقّ بالورق.
بعرض الكلمة بالضبط.
كما لو أن شخصًا ما... أراد قتل الحقيقة.
تشاي قلب الصفحة بسرعة.
ثم الأخرى...
ثم رجع.
بحث في الهوامش.
في الختم، في الطيات،
لكن في كل مرة... الاسم ممزق.
وكأن الماضي نفسه يرفض أن يعطيه هويته.
ثم...
شيء انفجر.
شيء في صدره انكسر كأن قلبه أصبح زجاجًا يُداس عليه.
نهض ببطء.
يداه ترتجف.
عيناه كأنهما تشعّان شررًا.
رفع رأسه للفراغ...
ثم أطلق صرخة.
صرخة كانت أشبه بعاصفة تخرج من فمه،
صرخة كسرت السكون، وأيقظت الحقد، وهزّت المكان كله.
> "آكاييييييييي!!!!"
"سنلتقي يوماً ما...
وسأقتلع عينيك من مكانها!"
تردد صوته في جدران الطابق -3،
كأنه لا يتكلم، بل يُعلن حربًا.
------------------
في الجهة الغربية من المدينة...
لم يكن هناك شيء يشبه "الحياة".
النار لا تزال تهمس في أطراف الرماد،
والغبار...
يغطي كل شيء ككفنٍ رماديٍّ للأرض التي ماتت.
السماء...
أقرب إلى الدم المتخثّر.
سوادٌ ممزوجٌ بوهج أحمر كأنها تئن تحت عذابٍ لا يُطاق.
مبانٍ شاهقة اقتُلعت من جذورها،
ناطحات سحاب مكسّرة،
مرمية كعظام آلهة سقطت من السماء.
المنازل...
مدمّرة، محطّمة،
الطرقات مشقّقة كأن الأرض نفسها حاولت الهرب من شيء لم تُطق رؤيته.
وفي هذا الجحيم...
من مشهد بعيد —
ناطحة سحاب واحدة ما تزال واقفة.
جسدها مشقوق، جدرانها محترقة...
لكنها واقفة.
وعلى قمتها...
شخصان.
امرأتان.
عند الاقتراب منهما...
الأولى: هزيلة، رقيقة كأن الريح قد تُطيح بها،
لكن وقفتها ثابتة كأنها خيط سيف مشدود.
والأخرى:
عملاقة.
تتجاوز المترين.
شعرٌ أبيض كالشيب،
ينساب على ظهرها كأنه خيوط من معدن محترق.
جسدٌ نُحت للحرب.
نظرتها تكسر الصخر.
إنهما:
"أوقا" و "أمادا"
الأسطورتان،
اللتان لا يُذكر اسمهما إلا وتتبعهما روايات عن نهاية معارك،
لا بداياتها.
أقوى من مرّوا في تاريخ منظمة صائدي القتلة.
بل يُقال إن ظهورهما في أي مكان... لا يسبق إلا الكارثة.
لقد وصلتا لكن في وقت متأخر
☺️☺️☺️☺️☺️☺️
))))))))) ها نحن نطوي الصفحة الأولى من رحلة مظلمة.
أرك "المطاردة" كان البداية... بداية الندم، والدم، والصراخ المكبوت في الظلال.
أعلم أني أسرعت في خطوات بعض الفصول،
وأن بعض المشاهد احتاجت تنفسًا أطول...
لكن صدّقوني، لم تكن السرعة ضعفًا، بل كانت صرخة البداية.
أما الآن...
الأرك الثاني قادم.
بأسلوب جديد، وبنَفَسٍ أبطأ،
سنمشي في الظلام لا لنركض... بل لنفهم.
لنغوص أكثر، لا في الأكشن فقط، بل في القلب، في العقل، وفي السر.
أعدكم أن كل خطوة قادمة... ستكون محسوبة.
وأن كل جملة ستُكتب لتبقى فيكم. 😍😍🤩