85 - نهاية الارك الاول '' المطاردة''

داخل المنظمة... كانت أشبه بمقبرة مدفونة في قلب الأرض.

‎لا صوت.

‎لا نفس.

‎لا حركة.

‎الهواء ثقيل... كأن الأرواح التي قُتلت في هذا المكان لا تزال تهمس في زواياه.

‎كل شيء اختفى — لا أحد في الردهات، لا أحد خلف الزجاج، لا أثر للحياة.

‎تشاي...

‎بخطى قاتمة تُطقطق على الأرض الرخامية، يدخل الطابق الأول.

‎وجهه لم يعد وجه بشري...

‎عينان مفتوحتان حد التمزق، تدوران كأنهما تبحثان عن شيء تاه في الجحيم.

‎تتشقق قسماته بغضبٍ صامت، أنفاسه ساخنة كأن قلبه مشتعل.

‎اقترب من السلم الكهربائي.

‎أصبعه يضغط على زر الطابق 11.

‎ضوء الزر يُضيء بلونٍ أحمر باهت، ثم...

‎الصعود.

‎داخل المصعد، تقف ملامحه جامدة، لكن قلبه ينزف ضجيجًا.

‎عيناه مثبتتان على الباب المعدني، لا يرمش، لا يتنفس،

‎كأنه يتهيأ لفتح بوابة إلى الجحيم.

‎في الطابق الحادي عشر...

‎في نفس اللحظة، يفتح "آكاي" باب مكتبه.

‎صمت مريب يلف الطابق...

‎لكنه يشعر.

‎يشعر أن شيئًا قاتلًا قادم.

‎يخرج إلى الرواق، يقف أمام المصعد، يمد يده، يضغط على زر "فتح الباب".

‎لا تردد.

‎"دينغ"

‎يفتح الباب.

‎ويُفتح معه الصمت.

‎انفتح باب المصعد أمام تشاي... لكن لم يكن أحد ينتظره.

‎لا آكاي.

‎لا صوت.

‎لا شيء.

‎نزل قبل وصوله بعشر ثوانٍ فقط.

‎ثوانٍ كأنها قرون.

‎تشاي يخرج،

‎صوت خطواته على الأرضية يشبه قطرات دم تتساقط على أرضية باردة.

‎عيناه تجولان كذئب جائع...

‎الممر طويل، مضاء بضوء أبيض بارد...

‎كأنه طريق لجنازة.

‎يتذكر كلمات "تاي":

‎> "مكتب آكاي... نهاية الرواق، الباب الذي بلا لافتة."

‎يتجه نحوه.

‎وصل.

‎اليد ترتفع، تفتح الباب بهدوء...

‎ويدخل.

‎الداخل...

‎مرتب. منظم.

‎أنيق بشكل غريب.

‎لكن الأناقة هنا لم تكن دليل سلام... بل كانت تشبه استعداد مريض للموت.

‎لا شيء ينبض بالحياة.

‎تشاي يتوقف.

‎يتنفس ببطء، كأن أنفاسه أصبحت تحترق داخل صدره.

‎يحدّق حوله.

‎وفجأة...

‎يلمح رسالة.

‎موضوعة على الطاولة،

‎بيضاء نقية، وعليها بخطٍ أنيق...

‎"إلى عزيزي تشاي."

‎حدّق فيها طويلًا.

‎كأنها تتكلم.

‎مد يده.

‎أخذها.

‎فتح تشاي الرسالة...

‎وبدأ يقرأ:

‎"تشاي أودجين...

‎مرحبًا بك في منظمتي."

‎"أنا آكاي.

‎سعيد بوجودك هنا، وسعيد أكثر أنك تقرأ هذه الرسالة الآن.

‎إن كنت تمسك بها... فأنا خارج المدينة بالفعل.

‎لا تنسى... لدي سيارة أسرع من غضبك."

‎"لم أرد أن نتصادم الآن.

‎هناك لحظة واحدة فقط تستحق لقاءنا...

‎ولم تحن بعد."

‎"لكنني لن أتركك بلا شيء."

‎"سأقدم لك معلومة،

‎قد تهدئ بعضًا من النار التي تشتعل فيك. أو على الأقل، تزيدها اتساعًا."

‎"أثناء تعذيب (آني)...

‎تكلمت.

‎لم يكن ذلك مفاجئًا."

‎"اعترفت بأشياء كثيرة، بعضها عنك."

‎"أشياء... قلتها لها بنفسك."

‎"من بينها، أنك لا تعرف من هما والداك.

‎وأنك تربيت في بيت غريب لا تعلم صلته بك.

‎وأنك كرّست حياتك للبحث عن حقيقتك."

‎"هذا مؤلم، أليس كذلك؟

‎أن تعيش دون هوية، دون جذور، دون ماضٍ واضح؟"

‎"أنا... أعرف من أنت، يا تشاي.

‎وأعرف من هو والدك الحقيقي."

‎"حاولت أن أستخدم هذه المعلومة ضدك.

‎حاولت أن أجعلها خنجرًا يذبحك من الداخل...

‎لكن لم أجد الدافع."

‎"ربما... لأن جزءًا مني أراد أن يعرف ما ستفعله بها."

‎"لذا، سأهديها لك."

‎"باقي الحقيقة،

‎تنتظرك في الطابق رقم -3."

‎"اتبع الرائحة."

‎انتهت الرسالة.

‎لكن في صدر تشاي...

‎بدأ كل شيء للتو.

‎انفجر ألف سؤال في لحظة واحدة.

‎رائحة الماضي أصبحت فجأة أوضح من أي وقت مضى.

‎الهواء في المكتب تغيّر.

‎كأن الغرفة بدأت تتنفس ببطء،

‎وكل نفس يهمس له:

‎> "من أنت يا تشاي؟"

‎"ومن الذي كذب عليك طوال هذه السنين؟"

‎بسرعة البرق...

‎لم يأخذ تشاي المصعد.

‎لم يُفكر. لم يتردد.

‎ركض.

‎نزل من السلالم كعاصفة مقطّعة الأنفاس.

‎كل طابقين...

‎ثانية واحدة فقط.

‎الدرج ينهار خلفه من شدة الضغط،

‎الهواء يقطع وجهه كالسكاكين،

‎جسده يتحرك... لكن روحه كانت تسبق خطواته.

‎طابق 0

‎طابق -1

‎طابق -2

‎الآن... -3

‎توقف فجأة.

‎شيء في الهواء تغيّر.

‎ليست رائحة فقط...

‎بل جدار من العفن والدم والخراب صفعه على وجهه.

‎الهواء خانق.

‎لا يشبه روائح الموت...

‎بل كأنه احتراق لحم إنسان امتزج بالزمن.

‎تشاي يضع كمّه على أنفه...

‎لكن الرائحة تدخل عقله لا أنفه.

‎يتقدم بخطوات ثقيلة.

‎كل خطوة... كأنها تبتلع صوته الداخلي.

‎يتبع مركز الرائحة.

‎ومع اقترابه...

‎رآها.

‎آني.

‎جثة...؟ لا.

‎بقايا شيء كان يُسمّى إنسانًا.

‎مربوطة.

‎مقلوبة الرأس.

‎أطرافها مشقوقة.

‎صدرها مفتوح.

‎وبطنها... مفتوح بالكامل.

‎ومن الداخل...

‎رسالة.

‎مطوية

‎داخل جسدها.

‎تشاي تجمّد.

‎كل شيء حوله أصبح أزرق باهت.

‎الأرض، الجدران، الزمن...

‎توقفت الحياة.

‎لكن يداه تحرّكت.

‎مدّها داخل الجثة... وسحب الرسالة.

‎كانت دافئة... كأن آني لا تزال تتنفس.

‎فتح الظرف،

‎وبدأ يقرأ —

‎{"أحببتُ تلك الفتاة..."

‎"كانت أجمل ما رأت عيناي."

‎"ليست فقط جمالًا... بل كانت ياقوتة من النُبل."

‎"لكن حين عرفت أنها من عائلة أودجين... "

‎"مدرسة كاملة لتعليم القتال... سلالة نبيلة ."

‎"فرحتُ للحظة... فأنا أحب امرأة من نسل العظمة."

‎"لكن المشكلة لم تكن في الاسم، بل في شخص واحد فقط:"

‎"أبوها... بان أودجين."

‎"رجل قاسٍ. لا يُشبه باقي العائلة."

‎"إيفا، إنزوي... رحبوا بي، بل أحبوني."

‎"لكن بان؟ لم يكن يراني إلا عارًا."

‎"قالت لي مرارًا أنه يضربها... يعاقبها بوحشية."

‎"لم أفهم لمَ كل هذا الكره؟" }

‎---

‎"الآن، هذه الكلمات ليست من تأليفي.

‎"بل من دفتر قائد الفرقة الأقوى في المنظمة قبل 35 عامًا:"

‎"يوتـا شيمازاكي."

‎"نعم... وجِدت هذه الأوراق القديمة بين كتب منسية في خزانة المنظمة."

‎"وحين قرأتها، حسبت التواريخ... والأعمار..."

‎"واكتشفت شيئًا مرعبًا."

‎"أنت، تشاي... بحسب التقدير، في ذات العمر الذي كان يجب أن يكون عليه ابن يوتا."

‎"وأمك؟"

‎"واحدة من آل أودجين."

‎"اسمها... لم يُذكر."

‎"لكن يكفي أن تعرف أنها أحبت، وخانت، وهربت، وأنجبتك."

‎"والآن، الجزء الأشد قسوة..."

‎"جدك، بان أودجين... هو من قتل أباك."

‎"قبل 30 عامًا، دخل يوتا في مواجهة مباشرة مع بان... وخرج منها جثة."

‎"هذا مكتوب بخط اليد في أرشيف المنظمة."

‎"دفتر يوتا، الأصلي، موجود الآن على الكرسي أمامك."

‎"اقرأه كما تشاء..."

‎"أو تجاهله وامضِ في جنونك."

‎"قبل الوداع..."

‎"تركتُ لك جثة من كانت حبيبتك."

‎"كي تُمعن النظر في الجسد الذي لم تحمه."

‎"فقط لتتأكد... أن أكاي ليس جيدًا."

‎"بل أنه لا يُجيد شيئًا... سوى أن يُريك من تكون."

‎— آكاي

‎الرسالة تنتهي...

‎لكن العالم انهار داخل تشاي.

‎مدّ تشاي يده إلى الكرسي.

‎عليه دفتر قديم، جلده مشقوق، أوراقه مائلة إلى الاصفرار،

‎لكنه أثقل من جبل.

‎دفتر الأب.

‎جلس.

‎فتح الصفحة الأولى...

‎الثانية...

‎عشرات الذكريات المكتوبة بخطٍ واضح،

‎أحلام، خطط، ملاحظات قتالية، وأحيانًا كلمات عن الوحدة... عن امرأة ما.

‎ثم...

‎وصل إليها.

‎صفحة شبه ممزقة.

‎عليها جملة بخط مختلف قليلًا، كأن اليد التي كتبتها كانت ترتجف:

‎> "اليوم التقيت فتاة جميلة تدعى..."

‎لكن الاسم؟

‎ممزق.

‎شقّ بالورق.

‎بعرض الكلمة بالضبط.

‎كما لو أن شخصًا ما... أراد قتل الحقيقة.

‎تشاي قلب الصفحة بسرعة.

‎ثم الأخرى...

‎ثم رجع.

‎بحث في الهوامش.

‎في الختم، في الطيات،

‎لكن في كل مرة... الاسم ممزق.

‎وكأن الماضي نفسه يرفض أن يعطيه هويته.

‎ثم...

‎شيء انفجر.

‎شيء في صدره انكسر كأن قلبه أصبح زجاجًا يُداس عليه.

‎نهض ببطء.

‎يداه ترتجف.

‎عيناه كأنهما تشعّان شررًا.

‎رفع رأسه للفراغ...

‎ثم أطلق صرخة.

‎صرخة كانت أشبه بعاصفة تخرج من فمه،

‎صرخة كسرت السكون، وأيقظت الحقد، وهزّت المكان كله.

‎> "آكاييييييييي!!!!"

‎"سنلتقي يوماً ما...

‎وسأقتلع عينيك من مكانها!"

‎تردد صوته في جدران الطابق -3،

‎كأنه لا يتكلم، بل يُعلن حربًا.

------------------

في الجهة الغربية من المدينة...

‎لم يكن هناك شيء يشبه "الحياة".

‎النار لا تزال تهمس في أطراف الرماد،

‎والغبار...

‎يغطي كل شيء ككفنٍ رماديٍّ للأرض التي ماتت.

‎السماء...

‎أقرب إلى الدم المتخثّر.

‎سوادٌ ممزوجٌ بوهج أحمر كأنها تئن تحت عذابٍ لا يُطاق.

‎مبانٍ شاهقة اقتُلعت من جذورها،

‎ناطحات سحاب مكسّرة،

‎مرمية كعظام آلهة سقطت من السماء.

‎المنازل...

‎مدمّرة، محطّمة،

‎الطرقات مشقّقة كأن الأرض نفسها حاولت الهرب من شيء لم تُطق رؤيته.

‎وفي هذا الجحيم...

‎من مشهد بعيد —

‎ناطحة سحاب واحدة ما تزال واقفة.

‎جسدها مشقوق، جدرانها محترقة...

‎لكنها واقفة.

‎وعلى قمتها...

‎شخصان.

‎امرأتان.

‎عند الاقتراب منهما...

‎الأولى: هزيلة، رقيقة كأن الريح قد تُطيح بها،

‎لكن وقفتها ثابتة كأنها خيط سيف مشدود.

‎والأخرى:

‎عملاقة.

‎تتجاوز المترين.

‎شعرٌ أبيض كالشيب،

‎ينساب على ظهرها كأنه خيوط من معدن محترق.

‎جسدٌ نُحت للحرب.

‎نظرتها تكسر الصخر.

‎إنهما:

‎"أوقا" و "أمادا"

‎الأسطورتان،

‎اللتان لا يُذكر اسمهما إلا وتتبعهما روايات عن نهاية معارك،

‎لا بداياتها.

‎أقوى من مرّوا في تاريخ منظمة صائدي القتلة.

‎بل يُقال إن ظهورهما في أي مكان... لا يسبق إلا الكارثة.

‎لقد وصلتا لكن في وقت متأخر

‎☺️☺️☺️☺️☺️☺️

‎))))))))) ها نحن نطوي الصفحة الأولى من رحلة مظلمة.

‎أرك "المطاردة" كان البداية... بداية الندم، والدم، والصراخ المكبوت في الظلال.

‎أعلم أني أسرعت في خطوات بعض الفصول،

‎وأن بعض المشاهد احتاجت تنفسًا أطول...

‎لكن صدّقوني، لم تكن السرعة ضعفًا، بل كانت صرخة البداية.

‎أما الآن...

‎ الأرك الثاني قادم.

‎بأسلوب جديد، وبنَفَسٍ أبطأ،

‎سنمشي في الظلام لا لنركض... بل لنفهم.

‎لنغوص أكثر، لا في الأكشن فقط، بل في القلب، في العقل، وفي السر.

‎أعدكم أن كل خطوة قادمة... ستكون محسوبة.

‎وأن كل جملة ستُكتب لتبقى فيكم. 😍😍🤩

2025/08/02 · 9 مشاهدة · 1458 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025