بان (يضحك قائلًا):

‎– هل تعلمون ما الفرق بين منظمة أودجين وسرير المستشفى؟

‎السرير يُريحك بعد الألم… أمّا أودجين، فتعلمك كيف تُصبح الألم نفسه!

‎ضحك خفيف خجول صدر من زاوية القاعة، لكن أغلب الوجوه كانت جامدة، باردة، تنتظر شيئًا أعظم من نكتة.

‎وفجأة…

‎تشاي رمى دفتراً جلدياً أسود على الطاولة، ارتطم بصوتٍ حاد، تقطّعت معه أنفاس الجميع.

‎تشاي (بصوتٍ مكسور لكنه غاضب):

‎– إلى متى ستكذبين عليّ يا إيفا؟!

‎أتعلمين كم سنةً ضيّعتها أبحث عن ظلّ رجل… بينما كنتِ أنتِ تعرفين الحقيقة منذ البداية؟!

‎صمت مطبق.

‎إيفا لم تُجِب.

‎أنزوي انحنت برأسها، وكأنها تشعر بالذنب قبل أن تُسأل.

‎تشاي (يواصل وقد ارتجف صوته):

‎– لقد قلتِ لي انك لا تعرفين شيء على الماضي … ثم قلتِ لي إنكِ لا تعرفين من هو اللذي يريطك بهذه العائلة …

‎لكنكِ كنتِ تعرفين. تعرفين أنه كان يوتا قائد في منظمة . كنتِ تعرفين اسمه.

‎وأخفيتِه عني… سنوات.

‎إيفا (بصوتٍ هادئ كالماء، لكنه يحمل جليدًا داخله):

‎– كنتُ أحميك يا تشاي…

‎– تحمينني؟! (صرخ تشاي وهو يضرب بيده على الطاولة)

‎من ماذا؟ من اسمي؟ من دمي؟ من الحقيقة التي خلقتني؟!

‎تدخلت أنزوي بصوتٍ خافت:

‎– تشاي… أنا…

‎لكنه قاطعها فورًا، وهو يحدّق في عينيها:

‎– كنتِ الأقرب إليّ، أنزوي…

‎كنتُ أراكِ أختًا.

‎كيف قدرتِ أن تخفي عني شيئًا كهذا؟

‎حتى حين بدأت أشك، حتى حين صرتُ أقترب من الجواب… لم تُخبِريني.

‎سقطت دمعة من عيني أنزوي، لكنها لم تجب.

‎تشاي (ينظر حوله، يسأل بشك):

‎– من أيضًا كان يعلم؟

‎لا تكذبوا عليّ الآن… من؟

‎(صمت)

‎– أرجوكم… من يعرف الحقيقة؟

‎ردّت إيفا أخيرًا، بعد تنهيدة طويلة:

‎– لا أحد يعرف الاسم الحقيقي سوى ميشا، وآي جي…

‎و… كي تاي، لكنّه مات.

‎بان (يحاول التخفيف):

‎– تشاي، لا فائدة من النبش في جراح لا تلتئم. لقد نسيتُ ما عرفت… لأني إن لم أنسَ، لقتلت كل من حولي.

‎تشاي (بمرارة):

‎– أنت نسيت، وأنا سُرِقتُ.

‎أنتم لم تكذبوا فقط… أنتم سَلبتموني هويتي.

‎ثم تنقّل ببصره بينهم جميعًا، وانتهى إلى كرسيه، جلس كأن جسده ثقل فجأة، وقال بصوتٍ متهدّج:

‎– أعطيتكم ثقتي، فماذا بقي لي الآن؟ لا شيء سوى أوراق، وأشباح من الماضي…

‎رفع تشاي رأسه من بين يديه، وقد احمرّت عيناه، وتصلّبت قسمات وجهه.

‎تطلّع إلى الجميع بنظرة شاحبة، لكنها حادّة، تشقّ ما تبقّى من جدران الكتمان.

‎تشاي (بصوتٍ منخفضٍ يقطّعه الألم):

‎– أعطوني اسم أمي…

‎اسـ...ـمها فقط.

‎ساد صمت ثقيل، كأن الهواء نفسه تجمّد في القاعة.

‎ترددت أنزوي، رفعت يدها ببطء، عيناها تبرقان بحقيقة دامعة.

‎أنزوي (بصوت مرتجف):

‎– اسمها هو...

‎لكن فجأة، قطعت إيفا المشهد بصوتٍ صارم، وسرعة لا تخفى على أحد:

‎إيفا:

‎– آلين شين.

‎التفت الجميع نحوها، كأنها ألقت عليهم حجرًا.

‎تشاي (بذهول):

‎– آلين… شين؟!

‎إيفا (بهدوء مصطنع، كأنها تُجري عملية تشريح لا اعتراف):

‎– نعم… فتاة جميلة… مرهفة القلب، ذات عينين تلمعان بالشغف، كانت أقوى من أن تُحب قائد فرقة … لكنها أضعف من أن تواجه والدها.

‎(تتقدّم بخطوات بطيئة، تتحدث بصوت أشبه بالموسيقى المرة)

‎– بان، والدها، لم يقبل أن تُقيم علاقةً مع قائد فرقة ضمن منظمة .

‎كان يريد أن يرى ابنته تتحوّل إلى قاتلة مأجورة… .

‎لكنها رفضت رغبة أبيها، وتمردت. هربت… واختفت لسنوات.

‎(نظرت إلى تشاي ثم أكملت، بنبرة قاتمة)

‎– ثم أنجبتك، في خفاءٍ عن العائلة.

‎وعندما اكتشفا مكانها…

‎كانت قد فقدت.

‎تشاي (بهمس حائر):

‎– "فُقِدت"؟ ماذا تقصدين؟

‎إيفا (بلا انفعال):

‎– قتِل والداك.

‎و ماتت هي …

‎فنقلك إلى أحد أصدقئه… الرجل الذي درّبك لاحقًا.

‎سقطت الكلمات في عقل تشاي كالصواعق.

‎شفتاه لم تتحركا.

‎عيناه بقيتا معلّقتين في الفراغ، كأنهما تبحثان عن اسمٍ مفقود في ضبابٍ كثيف.

‎أنزوي (بصوت خافت جدًا، تكاد تهمس لنفسها):

‎– لكن هذا ليس…

‎إيفا (نظرت إليها نظرة حادة، فقطعت كلامها قبل أن يخرج):

‎– …ليس الوقت للتفاصيل، أنزوي.

‎وقف تشاي ببطء، حمل الدفتر عن الطاولة، حدّق فيه كما لو كان يحمل بين يديه رفاة قلبه، ثم قال:

‎تشاي:

‎– آلين شين؟

‎ليكن…

‎لكنني لا أريد اسمًا جميلاً…

‎أريد الحقيقة، حتى لو كانت قبيحة.

‎ثم التفت إليهم، وبعينين جامدتين:

‎– لقد قُتلت مرة حين كنت طفلاً… واليوم، أُقتَل ثانيةً وأنتم تنظرون.

‎وخرج…

‎ترك خلفه صمتًا يُشبه المقابر

‎.سُمع صدى خطواته يتلاشى شيئًا فشيئًا في الرواق الطويل…

‎وبقي الصمت داخلاً، كثيفًا، حتى إنّ أنفاس الموجودين بدت ثقيلة.

‎أنزوي كانت أول من تحرّك. وضعت يدها على الطاولة، متكئة، تنظر إلى الباب الذي خرج منه تشاي، وقد ارتجفت شفتاها.

‎أنزوي (بهمس مشوب بالانكسار):

‎– لماذا… لم تدعيني أقول الحقيقة؟

‎إيفا (ببرود مريب):

‎– لأنه لم يكن بحاجة إلى الحقيقة.

‎بل إلى ما يجعله يتوازن.

‎أنزوي (بغضبٍ صادق):

‎– أنتِ لم تمنحيه توازنًا… بل دفعته إلى هاوية جديدة.

‎إيفا (بنبرة قاطعة، تمزج القسوة بالحكمة):

‎– وهل تعتقدين أن الحقيقة ستمنحه النور؟

‎الحقيقة، يا أنزوي، في هذا العالم ليست خلاصًا.

‎بل وقودًا للحرق.

‎سكتت قليلًا، ثم أضافت:

‎– إن أخبرناه باسم أمه الحقيقي… إن علم من تكون…

‎سيتحول إلى شيء لا يمكن لأحدٍ منا السيطرة عليه.

‎حتى أنتِ.

‎أنزوي (بصوت يعلو مع الدموع):

‎– لكننا صنعنا منه وحشًا!

‎أليس من حق الوحش أن يعرف من صنعه؟!

‎أن يعرف من كانت أمه… لا مجرد "آلين شين" الخيالية!

‎إيفا (تنظر إليها بهدوء قاتل):

‎– لقد أصبح ما أردناه… أليس كذلك؟

‎نظرتِ في عينيه، كما فعلتُ أنا قبل قليل…

‎وشعرتِ بالرعب، أليس كذلك؟

‎هذا الرعب، يا أنزوي… كان هدفنا.

‎وقد تحقق.

‎أنزوي (تخفض رأسها وتهمس، تكاد تختنق بالكلمات):

‎– لم أرد أن أخسره.

‎إيفا (تقترب منها):

‎– لكنه لم يكن يومًا ملككِ… ولا ملكي…

‎لقد كان ملكًا لأودجين.

‎أنزوي:

‎– بل كان ابن أختي.

‎إيفا (بقسوة مفاجئة):

‎– وابنة أختك هي من أدخلت نفسها إلى النار، حين أحبت من لا يجب أن يُحب.

‎وكان لا بد أن ندفع الثمن جميعًا.

‎ابتعدت أنزوي، وخرجت من القاعة في صمت موجوع.

‎إيفا بقيت وحدها.

‎نظرت إلى المقعد الفارغ الذي كان فيه تشاي، ثم قالت بصوت منخفض، لا يسمعه أحد:

‎– لم تكن جاهزًا للحقيقة بعد…

‎لكنك تقترب، يا تشاي.

‎تقترب كثيرًا… وربما أكثر مما ينبغي.

2025/08/02 · 5 مشاهدة · 993 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025