بوابة المنظمة الكبرى فُتحت ببطء، كما لو أن الحديد نفسه تردّد قبل أن ينقسم.

‎ثلاثة فقط عبروا الممر الطويل…

‎لكن الأرض شعرت وكأن جيشًا كاملاً قد دخل.

‎أوقا في المقدمة، تمشي بخطى ثابتة، عيناها لا تنظران لأي أحد.

‎كأنها تعرف أن الكل سينحني، دون حاجة إلى نظرة واحدة.

‎خلفها، أمادا، كتفاها عريضان كأنها تحمل حربًا على ظهرها.

‎كل من في الردهة أزاح بصره جانبًا، بعضهم توقف عن التنفّس.

‎وأخيرًا… كايزو.

‎هادئ كأنه فراغ، عيناه بلا لون، ويداه خلف ظهره.

‎لا أحد عرف هل كان ينظر إلى الأرض أم إلى المستقبل.

‎بلا كلمة واحدة، مرّ الثلاثة عبر الممر، حتى وصلوا إلى الغرفة العليا للقيادة.

‎هناك، وقف رجلٌ مرتجف يحيّيهم، ثم انسحب بسرعة دون أن يُسأل.

‎جلست أوقا على المقعد الرئيسي.

‎وقفت أمادا إلى يمينها، وكايزو خلفها مباشرة، كأنهم مرآة لماضٍ لا يُمحى.

‎عمّ الصمت لثوانٍ… ثم رفعت أوقا نظرها إلى كايزو، وتحدثت أخيرًا:

‎— "مرحبًا بعودتك."

‎كايزو لم يُجب.

‎لكن أوقا لم تكن تنتظر جوابًا.

‎أغلقت عينيها للحظة…

‎وفجأة، انسحب الزمن إلى الوراء.

‎السماء لم تكن زرقاء في ذلك اليوم.

‎كانت سوداء.

‎كأن الدخان صار سماءً، وكأن الضوء نسي كيف يمر.

‎الأرض…

‎لم تعد الأرض.

‎صراخ، رماد، بقايا مدن،

‎جثث غامضة، مخلوقات غريبة،

‎أطفال بلا وجوه، نساء يتحولن إلى رماد في الهواء،

‎وشوارع تصرخ من الألم.

‎ما حدث لم يكن حربًا.

‎كان شيئًا آخر.

‎شيئًا لا يُحكى، ولا يُصدّق.

‎وانتهى… كما بدأ.

‎بهدوء.

‎عادت أوقا إلى الزمن الحاضر، فتحت عينيها، وقالت بصوت منخفض:

‎— "ما حدث على هذه الأرض... لن يتكرر. لن أسمح بذلك."

‎نظرت إلى كايزو مباشرة.

‎— "لدينا مهمة."

‎نظرت إلى أمادا، ثم أضافت:

‎— "والمعلومات التي وصلتنا… لا تسمح لنا بالتأخير."

‎صمتت لحظة، ثم

‎، وضعت أمامها ملفًا صغيرًا لم يحمله أحد، ولم يُطبع. كان إلكترونيًا، مشفرًا، ولا يُفتح إلا ببصمتها.

‎فتحت الشاشة، وبدأت الكلمات بالظهور واحدة تلو الأخرى، ببطء… وكأن الحقيقة تتردد قبل أن تكشف نفسها.

‎ثم قالت بصوتها الثابت:

‎— "قبل خمسة أعوام… وقعت خيانة. لكن ليست ممن تظنون."

‎الوجوه حولها بقيت جامدة.

‎— "قائد عصابة ثعالب الجليد، التي كانت تابعة آنذاك للمنظمة الأمريكية، قام بتسريب معلومات خطيرة إلى رئيس المنظمة السابق نفس اللتي سأخبركم بها لاحقا. لا يُعرف لماذا فعل ذلك، لكن بعد وقتٍ قصير… تم إصدار أمر سري."

‎هنا توقفت أوقا لحظة، ونظرت إلى أمادا، ثم إلى كايزو، وقالت:

‎— "المنفّذ كان أودجين."

‎كلمة واحدة… جعلت الحاضرين يغيّرون وضعية جلوسهم.

‎— "أودجين لم يُرسل لتنفيذ مهمة بسيطة… بل تم تكليفه بطمس الحقيقة. ولأن الهدف لم يكن فردًا واحدًا فقط، افتُعلت مجزرة إنجلترا.

‎حينها قالوا للعالم إنها حرب عصابات خرجت عن السيطرة… لكن الحقيقة؟ كانت تغطية على اغتيال واحد فقط.اختيال رئيس منظمة السابق

‎الجريمة التي هزّت أوروبا، لم تكن فوضى… بل خطة.

‎وراءها المنظمة الأمريكية.

‎تابعت أوقا:

‎— "بعدها، تم طرد قائد ثعالب الجليد من مقاعد ، بتهمة الخيانة، و اصدر قرار لإعدامه لكنه هرب والآن، بعد خمس سنوات… اتصل بي من مخبأه في روسيا."

‎رفعت بصرها نحو كايزو، وقالت:

‎— "وأخبرني بما هو أخطر."

‎سكتت لحظة، ثم ضغطت على زرٍ لتعرض خريطة رقمية على الجدار، وظهرت فيها عبارة:

‎> "نظام العشرة مقاعد."

‎— "هذا ما يدير المنظمة الأمريكية… لا مجلس ولا جنرالات. بل عشرة مقاعد فقط.

‎عشرة أشخاص، كل واحدٍ منهم يتحكم بجانب مختلف من العالم السفلي."

‎أشارت إلى المقعد الأول في الصورة، وقالت:

‎— "المقعد الأول: يُعرف فقط بـ السيد.

‎لا اسم، لا وجه، لا بلد.

‎لا أحد يعرف من هو، ولا كيف وصل إلى هذا المقعد. حتى قائد الثعالب لا يعرف فقط سمعهم ينادونه السيد

‎كما هو حال الآن فنحن لا نعرفه حتى على صفحة الفيسبوك الخاص به مكتوب السيد ."

‎تابعت:

‎— "المقعد الثاني: تشاي أودجين.

‎نعم… ، ويبدو أنه رُفع إلى هذا المقعد بعد سنوات من الولاء. وهو الآن الذراع اليمنى للسيد."

‎ثم ظهرت بقية المقاعد تدريجيًا على الشاشة:

‎---

‎ ترتيب المقاعد حسب المعلومات المتوفّرة:

‎1. السيد — المجهول الأكبر. لا معلومات. قائد المنظمة الأمريكية.

‎2. تشاي أودجين — نجل الزعيم المؤسس، من عائلة أودجين، ينفذ المهام الخاصة.

‎3. رين تينشو — زعيم عصابة "السكاكين السوداء"، من كوريا الجنوبية.

‎4. سِرافينا ماكغيل — قائدة عائلة "المريخ الأحمر"، أوروبا الشرقية.

‎5. جاك ماثيوز — الملقّب بـ"سيد الشوارع"، أميركي من شيكاغو، يسيطر على شبكات السلاح.

‎6. غير معروف — كان يشغله قائد ثعالب الجليد، لكنه لا يعلم من حلّ مكانه.

‎7. أوسكار ريفيرو — تاجر مخدرات دولي، من كولومبيا، متهم بتمويل الثورات.

‎8. ماتسو ناغاكي — زعيم عائلة "ناغاكي" اليابانية، مسؤول عن الاتصالات والمعلومات.

‎9. زيندا كاليفا — من أفريقيا، تُعرف بـ"ساحرة الموت"، تسيطر على صفقات البشر.

‎10. إيفان كورشيف — روسي، خبير استراتيجيات حروب العصابات.

‎--

‎أوقا نظرت إلى الأسماء وقالت:

‎— "نحن لا نعرف كيف يُنتخب هؤلاء…

‎ولا نعرف ما اختصاص كل مقعد، أو كيف يعمل النظام بالضبط.

‎قائد الثعالب نفسه لم يمد بأي معلومة إضافية

‎لكن ما أكّده لي… أن هذا ليس مجلس إدارة."

‎تقدّمت قليلاً، وأخفضت صوتها:

‎— "إنه مفتاح السيطرة على هذا العالم.

‎المنظمة الأمريكية لم تعد تنظّم العصابات… بل تدير العالم من خلالها."

‎سكتت أوقا قليلًا بعد أن عرضت المقاعد العشرة، ثم نظرت إليهم قائلة:

‎— "قد تظنون أن ما قاله كافٍ.

‎لكنه لم يخبرني كل شيء… بل اكتفى بما يكفي ليفتح أعيننا."

‎اقتربت أكثر من الطاولة، وانخفض صوتها:

‎— "قال لي: سأعطيكم الباقي… فقط إن ساعدتموني أولًا."

‎قالها بنبرة متعبة، تشبه من عاش نصف حياة تحت الأرض، ونصفها الآخر مطاردًا من ظلال لا تُرى.

‎سأله كايزو حينها:

‎— "بماذا يريدنا أن نساعده؟"

‎ردّت أوقا:

‎— "هو لا يبحث عن لجوء ولا مكان آمن… هو يعلم أن لا مكان في الأرض آمن من المنظمة."

‎نظرت إليهم بثبات، وقالت:

‎— "إنما طلب شيئًا واحدًا…

‎أن نساعده على الهرب من يد أودجين في الوقت الراهن لأنه سمع ان السيد اصدر لأودجين امر اختياله و انه متأكد ان أودجين ستجد مكانه"

‎بعد أن انتهت أوقا من شرح ما طلبه قائد ثعالب الجليد، ساد صمت ثقيل في الغرفة.

‎أخفضت أمادا رأسها وقالت:

‎— أوقا اضن اننا سندخل في آخر حربا لنا "

‎وقبل أن يرد كايزو، قطعتهم أوقا بصوت مفاجئ:

‎— "انتظروا... كدت أن أنسى... هناك شيء أخبرني به قائد الثعالب، واعتبره أخطر ما يعرفه، لكنه قاله وكأنه لا يصدق أنه نجا بحياته بعدما سمعه."

‎رفعت رأسها ونظرت إليهما بنظرة جادّة:

‎— "قال لي إنّ الزعيم الكبير، الرأس الأعلى، زعيم كل شيء… ."

‎أوقا أكملت:

‎— ". قائد الثعالب حضر ذات يوم اجتماعًا مغلقًا للمقاعد العشرة.

‎قال إنّ ذلك الكائن... نعم، لم يسَمِّه رجلًا، بل كائنًا... دخل القاعة يرافقه حارسان ضخمان لا يتكلمان ولا يتحركان إلا بإشارة منه."

‎سكتت للحظة ثم أضافت:

‎— "كان يلبس قناعًا معدنيًا أسود لا يظهر منه شيء. حتى في الاجتماع، لا يخلعه.

‎صوته لا يُعرف… لأنه لا يتكلم بصوته، بل بواسطة نظام صوتي خاص، ميكروفونات تغير نبرته بالكامل.

‎ولا أحد يعرف من هو… لا قائد الثعالب، ولا تشاي أودجين، ولا حتى قادة العصابات القديمة فقط كان يحكي مع السيد ."

‎رفعت أوقا نبرة صوتها قليلًا وقالت:

‎— "ويُقال أن من يعرف وجهه… لا يعيش أكثر من أسبوع."

‎تراجع كايزو إلى الخلف، وبدا أن أمادا قد شدّت قبضتها دون وعي.

‎قالت أوقا بهدوء:

‎— "قد يكون هذا هو السرّ الحقيقي...

‎المنظمة الأمريكية ليست مجرد كيان إداري.

‎هي حجاب… خلفه شيء أكبر.

‎وقد حان وقت تمزيق ذلك الحجاب."

‎كايزو: "وما المطلوب إذاً؟"

‎نظرت إليه أوقا مباشرة وقالت:

‎أوقا: "تم استدعاؤك لتذهب معنا، أنا وأمادا، إلى روسيا. المطلوب هو تعطيل أودجين بالكامل، محو كل أثر له،. سنوقع نحن الثلاثة بقائد الثعالب… سنلعب دور الأصدقاء ونكسب ثقته… نقترب منه اكثر وعندما يعطينا كل شيء، نمسكه."

‎عندها تحدثت أمادا، بنبرة شك واضحة:

‎أمادا: "لكن… ماذا لو وضع هذا القائد احتمالًا أن ننقلب عليه؟"

‎ساد صمت خفيف، وتبادلت الثلاثة النظرات، ثم نظرت أمادا نحو أوقا وتابعت:

‎أمادا: "هو قدّم لكِ هذه المعلومات بنفسه… لماذا؟ ما الهدف الحقيقي؟ هناك شيء لا نعرفه… شيء أكبر من مجرد خيانة انا متأكدة ان هذه المعلومات ليست لأجل حمايته من أودجين ،

‎صمت الجميع

‎لم يُخفِ كايزو ملامح خيبته. كانت نظرته ساكنة، لكنّ هدوءه انكسر للحظة، وكأن شيئًا ما في داخله قد تلاشى.

‎هو الذي ظن أن استدعاءه بعد كل هذه السنوات سيكون لمهمة مواجهة مباشرة ضد أفراد أودجين، لا لمجرد تعطيلهم أو التسلل خلفهم للحصول على معلومات ضد منظمة أمريكا.

‎تحركت عيناه بهدوء نحو أوقا، وكأنه ينتظر توضيحًا.

‎لاحظت أوقا ذلك، ولم تنتظر أن يسأل.

‎قالت بثبات:

‎"تلك… هي المهمة الرئيسة يا كايزو. نعم، نريد تعطيل أودجين... لكن الهدف الحقيقي هو كشف أوراق المنظمة الأمريكية. لا أريد أن أواجه أودجين ونحن عميان."

‎ثم أكملت بنبرة أكثر جدية:

‎"أنا لا أضمن الفوز بنسبة مطلقة… ولهذا أحتاج أن أعرف كل شيء قبل أن أبدأ."

‎سكتت، وتوجهت بأنظارها نحو النافذة.

‎أمادا كانت صامتة، لكنّ عينيها تتأملان كايزو، وكأنها تنتظر إن كان سيقبل باللعبة أم لا.

2025/08/02 · 5 مشاهدة · 1491 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025