الساعة كانت تشير إلى العاشرة ليلًا.

‎الثلج ما زال يتساقط، لكن بشكل أخف.

‎المدينة بدت وكأنها تنام تحت بطانية من الجليد الصامت.

‎وحدها "ليسنوفا"... بقيت مستيقظة.

‎حيّ قديم، مكوّن من بنايات شبه مدمّرة، شبابيك مكسورة، جدران مشققة، ولافتات صدئة تعود إلى زمن الاتحاد السوفيتي.

‎لا إنارة، لا حراس، لا صوت سيارات.

‎كأن المكان سُحب من الحياة منذ سنين، لكن رغم ذلك... كان هناك شيء غريب.

‎اختبأت فرقة "بيغ وان" في بناء نصف منهار، يطل مباشرة على شارع ضيق في قلب الحي.

‎كانوا في الطابق الثاني، يراقبون من خلف نافذة متربة مكسورة.

‎هاكو جلس على ركبتيه، يحمل منظارًا ليليًّا.

‎ريكو كانت بجانبه، تسجّل كل ملاحظة على دفتر صغير.

‎جاي-شِن يقف بعيدًا، يراقب من ثقب في الجدار.

‎كِرِن قرب الباب، يراقب الخلف.

‎أما سيدة مين، فكانت تمسك جهازًا لاسلكيًّا، تصغي بهدوء لأي تردد غريب.

‎هاكو (بصوت منخفض):

‎ـ "منذ ساعة، مرّت قطة واحدة فقط… لا بشر، لا ظلال. هذا الحي ميت… لكني لا أصدق أنه خالٍ."

‎ريكو (تدون):

‎ـ "صفر حركة. نوافذ الطابق الرابع في البناية المقابلة مغلقة بإحكام. لكن ستارة صغيرة تحركت قبل قليل… مع أن النوافذ مغطاة بالثلج من الخارج."

‎جاي-شِن (همس):

‎ـ "رأيت نفس الشيء قبل عشر دقائق. البناية على اليمين… الطابق الأرضي، أحد الأبواب مفتوح قليلًا، ثم أغلق فجأة."

‎كِرِن (من مكانه):

‎ـ "لا صوت خطوات. لكن قبل قليل شعرت أن أحدهم يراقبنا. مثل حشرة على الرقبة… تشعر بها، لكن لا تراها."

‎سيدة مين:

‎ـ "هدوء غير طبيعي. حتى الريح لا تعوي هنا.

‎هذا الحي... لا يصدر أي صوت. كأن شخصًا تعمّد عزله عن كل شيء."

‎مرت دقائق طويلة، لا حركة…

‎ثم فجأة، همس هاكو بلهفة:

‎ـ "انتظروا… هناك شيء. انظروا إلى الزاوية الخلفية خلف صناديق القمامة…"

‎اقترب الجميع.

‎في الظل، كان هناك شيء يتحرك ببطء… رجل، أو امرأة، يحمل حقيبة بيضاء.

‎جسمه مغطى بالكامل بمعطف سميك، لا يُرى وجهه.

‎ريكو:

‎ـ "هذا هو! نفس الوصف الذي ذُكر في تقرير الضحية الأخيرة!"

‎هاكو:

‎ـ "هل أقترب؟ أتبعه؟"

‎سيدة مين (بحزم):

‎ـ "لا… نبقى في المراقبة. أي خطوة الآن قد تُفسد كل شيء."

‎جاي-شِن (يراقب بتركيز):

‎ـ "إنه يتجه نحو البناية التي تحركت فيها الستارة… إن دخل، فالمكان مأهول."

‎الشخص الغامض توقّف فجأة.

‎نظر خلفه…

‎تجمّد الجميع.

‎لكن الغريب أنه لم ينظر مباشرة نحوهم، بل نحو السماء.

‎ثم واصل طريقه واختفى خلف البناية.

‎كِرِن (تمتم):

‎ـ "لم أرتح له… خطواته بطيئة، لكن واثقة. وكأنه يعرف أننا هنا، لكنه لا يهتم."

‎سيدة مين (تتنفّس ببطء):

‎ـ "سجّلوا الوقت.

‎أظننا اقتربنا خطوة."

‎أخرجت من جيبها ورقة بيضاء، وبدأت ترسم خريطة بسيطة للحي،

‎ثم قالت:

‎ـ "كل حركة صغيرة في هذا الحي تُشبه لعبة شطرنج…

‎ونحن دخلنا اللوح، لكن لم نُحرّك أي قطعة بعد."

‎مرّت ثلاث ساعات على بدء المراقبة.

‎الليل بلغ ذروته، والبرد أصبح أشرس، حتى أن أنفاسهم أصبحت ثقيلة وبطيئة.

‎لكن رغم الإنهاك، لم يغادر أحد مواقعهم.

‎ريكو كانت تفرك يديها بجانب النافذة، وعيناها لا تفارقان البناية المقابلة.

‎هاكو بدأ يشعر بالملل، فراح يرسم على زجاج النافذة المتجمدة بأصابعه.

‎جاي-شِن بقي صامتًا كعادته، وعيناه تقطعان الظلام دون كلل.

‎كِرِن استلقى في الزاوية، لكنه لم ينم.

‎أما سيدة مين، فظلت واقفة، لا تتحرك، كأنها تنتظر شيئًا محددًا.

‎فجأة، تمتم جاي-شِن بصوت منخفض:

‎جاي-شِن:

‎ـ "انظروا… هناك شيء غريب."

‎اقترب الجميع من النافذة.

‎في الزقاق الجانبي، ظهر رجل جديد. لم يكن كالرجل الأول.

‎هذا الشخص كان نحيفًا جدًا، يرتدي بدلة عمل رمادية، ويجرّ عربة صغيرة مليئة بأكياس القمامة.

‎ريكو (بدهشة):

‎ـ "من هذا؟ عربة قمامة؟ في هذا الحي؟!

‎لا أحد يعيش هنا أساسًا."

‎هاكو (ينظر بالمنظار):

‎ـ "الزي نظيف… واليدين مغطاتان بقفازات بلاستيكية شفافة، تشبه ما يستخدم في المختبرات."

‎كِرِن:

‎ـ "من ينظّف زقاقًا لا يسكنه أحد؟"

‎سيدة مين (تحدّق بتركيز):

‎ـ "لا تتحركوا… فقط راقبوا."

‎الرجل النحيف بدأ بجمع أكياس قمامة من خلف صناديق حديدية مائلة.

‎كل كيس يرفعه… يضعه بعناية في العربة، ثم يرش فوقه سائلًا شفافًا من زجاجة صغيرة.

‎ريكو (تميل إلى الأمام):

‎ـ "هل هذا… مطهّر؟! لماذا يعقّم القمامة؟!"

‎هاكو (يميل رأسه ببطء):

‎ـ "وكأنها ليست قمامة… بل شيء آخر."

‎جاي-شِن فجأة التقط صورة سريعة من الكاميرا الصغيرة المثبّتة في النافذة، ثم قال:

‎ـ "أنظروا إلى هذه الكيس بالذات… فيه شكل غريب، طوله نصف متر، مستطيل… يشبه علبة معدنية أو... حاوية أدوات."

‎كِرِن (بصوت خافت):

‎ـ "هل هي أدوات جراحة؟... أو معدات تجميد؟"

‎سيدة مين (بهدوء خطير):

‎ـ "هذا الرجل ليس عامل نظافة…

‎بل مسؤول عن طمس الأدلة."

‎تابعوا مراقبته.

‎كان يتحرّك بسرعة دقيقة، لا يُصدر صوتًا، لا ينظر حوله، يعمل كما لو أنه روبوت مبرمج.

‎لكن حين اقترب من الزاوية،

‎توقّف فجأة.

‎رفع رأسه قليلًا… ثم أخرج من جيبه شيئًا غريبًا — جهاز صغير يشبه هاتفًا قديمًا، فتحه، ضغط زرًا…

‎وفجأة…

‎كل أنوار الحي الخافتة انطفأت.

‎حتى أعمدة الكهرباء المهترئة، انطفأت كلها دفعة واحدة.

‎ثم…

‎اختفى.

‎في ثوانٍ، كأن الأرض ابتلعته.

‎ريكو (بهمس):

‎ـ "لم نرَ إلى أين ذهب… لم نرَ كيف خرج… فقط اختفى."

‎سيدة مين (تنظر إلى الخريطة):

‎ـ "هذه ليست صدفة. العصابة تنظف خلفها، وتعقّم مسرحها، وتسيطر على الكهرباء. هذا الحي ملكهم."

‎هاكو:

‎ـ "لو لم نكن نراقب بدقة… لما لاحظنا أي شيء."

‎جاي-شِن:

‎ـ "سؤال واحد يبقى…

‎إذا كانت هذه القمامة تحتوي على شيء مهم…

‎فأين يذهب بها؟

‎وأين يُخفون كل شيء؟"

‎سيدة مين (تنظر نحو الظلام):

‎ـ "إما أنهم يدفنون الحقيقة تحت الأرض…

‎أو أنهم يجعلون من كل شيء عادي… مسرحًا مثاليًا للجريمة."

2025/08/03 · 8 مشاهدة · 888 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025