سادت لحظة صمت مشحونة. الجميع كان ينتظر كلمة من مين، وهي تحدق في عيني الرجل كأنها تنبش داخله عن الحقيقة.
ثم قالت ببطء، وكأنها تتأكد من شيء خطر لها فجأة:
ــ "المختبر... هل هو هنا؟ في هذا المكان؟"
تردد الرجل لثانية، لكن تردده كان كافيًا لها.
ــ "أجبني. هل المختبر هنا؟"
همس بصوت مرتجف:
ــ "...نعم."
اقترب ريكو منه فجأة ورفع رأسه من شعره، بعنف:
ــ "أين بالضبط؟ في هذا المبنى؟ تحت الأرض؟"
ــ "الطابق السفلي... وراء الجدار الحديدي. الباب مخفي، لا يُفتح إلا برمز خاص."
كاجي بنبرة جدية:
ــ "وما الذي يُفعل هناك؟"
ــ "تحاليل... وتجارب، ونقل أعضاء. لا يُسمح لنا بالاقتراب… حتى دالين نفسه لا يدخل دائمًا."
رفعت مين يدها لتوقف سيل الأسئلة، ثم انحنت نحوه وسألته بنبرة منخفضة:
ــ "هل يأتي دالين إلى هنا؟"
ابتلع ريقه، ثم هزّ رأسه ببطء:
ــ "نعم… لقد أخبرونا أن دالين سيأتي لتفقد كل شيء… اليوم أو غدًا. لم يُحددوا بالضبط، لكنه قادم."
هاكو بصوت بارد:
ــ "لماذا؟"
ــ "قالوا إنه قلق… يريد أن يتأكد أن الأمور انتهت كما يجب. سيسحب الشحنة الأخيرة بنفسه، أو يتفقد بقاياها… لا أعرف أكثر من ذلك."
وقفت مين، نظرت إلى بقية أعضاء الفرقة وقالت بثقة:
ــ "إذن نحن لن نغادر."
سكتت لحظة، ثم تابعت:
ــ "سننتظر دالين."
لكن ريكو اقترب منه مجددًا، ثم انخفض لمستواه وسأله بهدوء، وهو يُخرج من جيبه صورة ممزقة، عليها شعار نصف وجه ثعلب:
ــ "هذا الشعار… رأيته من قبل، أليس كذلك؟"
تشنجت ملامح الرجل للحظة، ثم نظر بعيدًا دون أن يجيب.
كاجي بخفة دم قاتمة:
ــ "أوه، التمثيل؟ لن يفيدك، نحن نلعب على حواف الموت."
هاكو:
ــ "لا تجبرني على استخدام مهارتي مجددًا… عقلك لن يحتملها لثانية إضافية."
ارتعش الرجل، ثم قال بصوت منخفض:
ــ "رأيت الشعار... مرة واحدة فقط. وكنت أتمنى لو لم أره."
مين:
ــ "تابع."
ــ "قبل شهرين، جاء رجل غريب… طويل، بارد النظرات، لم يتحدث كثيرًا. دخل المختبر ليلاً، ومعه ثلاث حقائب معدنية. لم يُسمح لأحد بالدخول أو الاقتراب. كان يرتدي وشاحًا أسودًا، وعلى كتفه... كان هناك هذا الشعار."
صمت لحظة، ثم تابع:
ــ "الجميع خاف منه. حتى المشرفون الكبار خفضوا رؤوسهم. قيل لنا بعد ذلك إن الرجل ينتمي لعصابة الثعالب… ."
ريكو:
ــ "من الأعلى؟"
ــ "لا... بل من الأسفل."
كاجي بسخرية:
ــ "هل نحن في رواية رعب؟"
لكن مين نظرت إلى الرجل بتركيز، ثم قالت:
ــ "ما الذي جلبه في تلك الحقائب؟"
هزّ الرجل رأسه بقوة:
ــ "لا أحد يعرف. ولكن بعد مغادرته بيوم، بدأ المختبر يعمل بطريقة مختلفة. صار هناك مرضى… لا يتكلمون، لا يتحركون، فقط يتنفسون ببطء شديد، كأنهم آلات تتغذى على الهواء."
هاكو همس وكأنه يقرأ سطرًا من كتاب قديم:
ــ "أجساد... تجارب... وربما فشل."
ارتجف الرجل فجأة وقال:
ــ "الكل هنا مجرد قطعة في لوحة لا نراها. من مثلنا... لا يُخبرونه بشيء. نحن فقط ننقل، وننظف، وننفذ. لا نفكر، لا نسأل، ولا نعود أحياء إن فعلنا."
مين همست لنفسها:
ــ "ثعالب الجليد... تختبئ في الدخان، لكنها ليست وحدها."
مين نظرت إليه مجددًا، عيناها حادتان كأنهما تُشرّحان روحه.
ــ "كم من مختبر يوجد في المنطقة؟ كم مثله هنا؟"
الرجل تنفس ببطء، وقد بدأ التعب يثقل عينيه من شدة التوتر والخوف:
ــ "لا... لا أعرف عددها بالضبط... أنا مجرد عامل تنظيف وشحن... أقسم لكم… لا أحد في مستواي يعرف الصورة الكاملة."
ريكو:
ــ "إذا كنت لا تعرف، فمن يعرف؟"
ــ "المشرفون… نحن لا نراهم إلا نادرًا. هناك أربعة أو خمسة، ربما أكثر… كل واحد مسؤول عن قسم مختلف. أحدهم اسمه دالين، كما قلت… يأتي مرة في الشهر تقريبًا، ويشرف على عمليات النقل."
كاجي:
ــ "وكل هذا يتم في السر؟ لا شرطة، لا أحد يشم رائحة الدم؟"
هزّ الرجل رأسه بقوة:
ــ "من يتكلم… يختفي. حتى الشرطة لا تقترب. الناس هنا اعتادوا الصمت. الأغنياء يُشحنون بما يريدون، والفقراء يُشحنون كسلعة. هكذا تمشي الأمور."
هاكو بنبرة باردة:
ــ "لكنّك تكلمت…"
ارتجف الرجل، فبادرت مين بإيماءة لتهدئة الجو.
ثم سألت بتركيز:
ــ "هل هناك إشارات أو رموز توضع على الشحنات؟ شيء يحدد مصدرها أو وجهتها؟"
فكر الرجل قليلًا، ثم قال:
ــ "أحيانًا… نرى علامة حمراء صغيرة، على شكل دمعة داخل دائرة. لا نعرف معناها، لكنها نادرة… وتُعامل تلك الشحنات كأنها كنوز، لا أحد يقترب منها سوى دالين نفسه."
ريكو بصوت خافت:
ــ "علامة... دمعة؟"
هاكو همس وكأنه يربط خيوطًا في رأسه:
ــ "قد لا تكون تجارة فقط… ربما شيء آخر، شيء مرتبط بأبحاث أو طقوس… أو أسوأ."
مين نهضت من مكانها وقالت بهدوء:
ــ "هذا يكفي، لقد علمنا ما نحتاجه."
توجهت نحو النافذة، نظرت إلى ضوء الليل المتسلل من بين الثلوج، ثم همست:
ــ "علينا أن نتحرك قبل أن يأتي دالين... أو أن نختبئ جيدًا."
ريكو وقف وسحب قفازيه:
ــ "وماذا عن هذا؟"
وأشار إلى الرجل.
كاجي:
ــ "نتركه مع البرد؟"
هاكو:
ــ "لا. سنأخذه، هناك أسئلة لم نطرحها بعد... وقد نحتاجه حين تتغير القصة."