التاريخ : 15\6 \ 2012
المكان : طوكيو – مقر القيادة المركزية للشرطة اليابانيه .
راح المفتش يوكاميتسويحك شعره البني اللون وهو يختلس النظر إلى ساعة يده – والتي أشارت إلى تمام 2:45 مساء , قبل أن يطرق باب غرفة زميله المفتش هاتوري أكاي , مضت لحظات بلا رد ففتح الباب وتقدم إلى الداخل بقامته الممشوقة وجسده النحيل, ليفاجأ بسحب الدخان التي تملأ المكان فانفجر يسعل في شدة قبل أن يهتف " أكاي بالله عليك كم مرة طلبنا منك فتح نوافذ الغرفة عندما تريد أن تدخن ؟ "
وصل إلى مسامعه صوت تحرك مزلاج النافذه لتبدأ بعدها سحب الدخان بالتلاشي " أعرف أنك مدخن شره ولكن هذا كثير , هل تريد أن تموت بالسرطان قبل أن تتقاعد؟ "
قالها وعيناه تنظران إلى المفتش ذي الشعر الأسود القصيروالوجه الحليق ذي العينين اللتان تنافسان شعره في السواد بحده, قبل أن يجوب ببصره المكان, بعدما تلاشت أكثر الأدخنه , كانت حجرة متوسطة الحجم , ذات جدران بيضاء اللون نال التشقق من عدة مواقع فيها , أما الأثاث فلم تكن تحتوي سوى على مكتب ذي لون رمادي كئيب وقد تراصت عليه بعض الأوراق بلا انتظام في حين استقرت خزانة متعددة الأدراج في أقصى يمين الغرفة
" كالعادة حجرتك فارغة لا أدري لما ترفض أنت تضيف إليها مقعدا أو اثنين أو حتى إعادة طلائها على الأقل "
صاح بها وهو يجلس على المقعد الوحيد في الغرفة
" لا داع لذلك , مقعد واحد كاف للغايه , فلا يستخدمه أحد سواك في العادة , كما أن تشقق أو اثنين ليس مبررا لإعادة طلاء الحجرة كاملة "
تنهد المفتش يوكاميتسو " الرد المعتاد "
ابتسم أكاي في سخريه وهو يطفئ سيجارته في مطفأة كانت أمامه " بالمناسبة هل أتيت للزيارة أم أن لديك عمل ما ؟"
" المفتش سينا يستفسر عن تقريرك الخاص بقضية الحي الثالث عشر هل انتهيت منه ؟ "
لم يجب أكاي بل اكتفى بأن أمسك أحد الملفات – الملقاة على مكتبه – ثم ناوله إلى يوكاميتسو , الذي فتحه للحظات " كالعادة , أسلوبك في كتابة التقارير مختلف تماما عن حال مكتبك لما لا تنظم أوراقك كما تفعل بتقاريرك ؟ "
" مجرد جهد بلا طائل "
" للأسف "
انعقد حاجباه غضبا وهو يتأمل أكاي الذي بدأ في تدخين سيجارة الجديدة غير مبال بتحذرياته السابقة . خيم الصمت عليهما للحظات قبل أن يسأله أكاي " بالمناسبة كيف حال ابنك ؟ "
" هو بخير , ما يزال في مرحلة التأهيل ولكنه يتحسن في سرعه ويتوقع الأطباء أن يغادر المستشفى خلال اليومين القادمين "
" يا لهذه الرياضات العنيفة , لا أدري كيف سمحت له بلعب كرة القدم الأمريكيه ؟ "
تنهد يوكاميتسو ثم قال" تعرف جيدا أن والدته ضغطت علي من أجل ذلك , ولكن لا أنكر أن جسده وثقته بنفسه تحسنا كثيرا منذ إنضمامه إلى الفريق , وعلى الرغم من إصابته إلا أنه متحمس للعودة إلى الفريق. "
" يا لهؤلاء الأطفال , لا يعجبهم إلا أعنف الأشياء."
" لا تنسى أنه لم يعد صغيرا , فهو في المرحلة المتوسطه الآن "
" بالنسبة لي يبقى الطفل طفلا حتى يستقل بنفسه , عندها يكون رجلا "
ضحك يوكاميتسو " لو سمعتك والدته لغضبت منك "
ابتسم أكاي ولم يعلق فتابع " بالمناسبة لما لا تتزوج , أنت قد أصبحت في الثلاثين من عمرك , أعتقد بأن الوقت حان كي تتزوج وتستقر"
" تعرفني جيدا , لدي أسبابي " قالها وهو يطفئ بقايا سيجارته
" لا أستطيع أن أفهم أسبابك هذه "
" كما لا أستطيع سبب فهم زواجك وعمرك ما يزال 20 عاما ؟ "
" نحن أبناء القرى نختلف عنكم كثيرا يا أبناء المدن . الفارق بيننا 5 سنوات ولكن أنا متزوج ولدي 3 أبناء في حين أنت ما تزال أعزبا "
لم يعلق أكاي فنهض يوكاميتسو واقفا " هل تناولت طعام غدائك ؟ "
هز أكاي رأسه بالنفي فابتسم المفتش " جيد جدا , إذا سأدعوك على حسابي , لن يضرك أن تتناول بعض الطعام المتوازن من وقت لأخر"
ابتسم أكاي وهو ينهض بدوره " لا مانع لدي ولكن أنت حقا تذكرني بزوجتك هكذا "
ضحك يوكاميتسو وهما يغادران الغرفة إلى الممر , وبينما أكاي يغلق الباب التفت إلى يوكاميتسو " إجازة المدارس ستبدأ بنهاية الشهر , هل ستأخذ أبناءك إلى أي مكان ؟ "
هز المفتش يوكاميتسو رأسه بالإيجاب" بالتأكيد , حينما يغادر أكي ابني المشفى فسأذهب بهم لنخيم في الجبال "
هز أكاي رأسه " من يتخيل المفتش يوكاميتسو الذي يرتجف الضباط لمجرد ذكر اسمه يقدس العلاقات الأسريه هكذا "
" تعرف أن أبنائي وزوجتي أهم ما لدي , وأحب استغلال الفرصة لتقوية الروابط معهم , أنت لم تتزوج لذلك لا تدرك معنى أن يكون لديك أبناء "
ابتسم أكاي " أعفني أرجوك من قصائد الغزل الأسريه هذه "
انفجر المفتش يوكاميتسو ضاحكا " حسنا لك هذا, ولكن مشتاق جدا لهذا الصيف فأنا أعتقد بأنه سيكون مختلفا تماما"
قالها ولم يدرك كم كانت توقعاته صائبة تماما, وأن هذا الصيف سسيحمل للجميع الكثير من المفاجأت.
******************************************************************************
اليوم : 15/5/2012
" وهكذا انتهينا "
أغلق مانشيرو تويا الكتاب الذي أمامه ثم فرك عينيه محاولا إزالة الإجهاد عنهما وهو ينهض من على مقعده
" لا ينغص حياتي في المرحلة الثانويه سوا هذه الأطنان من الواجبات التي يطلبونها يوميا "
قالها وهو يعاود الجلوس ولكن أمام جهاز الكمبيوتر هذه المره وراحت أصابعه الخبيره تجري فوق لوحة المفاتيح ناقلة إياه إلى عالم الانترنت الواسع , كم استغرق هذا الأمر , ساعة أم ساعتين ؟ وكيف وصل إلى هناك ؟ لا يدري , كانت لديه عادة البحث عن أغرب المواقع على الشبكه , لماذا ؟ هو نفسه لا يدري . المهم أنه وجد نفسه في النهايه وبعد تتبع عدد من الروابط أمام موقع من صفحة واحده , كان تويا معتادا على أغرب الأشياء ولطالما رأى أغرب وأعجب التصميمات ولكن هذا الموقع كان مختلفا , لماذا ؟ لا يدري , لم يكن في تصميمه شيئا مميز بل كان إلى البساطه أقرب , كان الموقع كما قلنا مكوننا من صفحة واحده وإن شئنا الدقه فحتى تلك الصفحه كانت شبه خاليه مجرد سؤال كتب باللون الأزرق
" أتريد انتصار الشر ؟ "
وتحته كانت هناك إجابتان
" نعم – كتبت باللون البني – ولا – كتبت باللون الأخضر "
تأمل تويا الصفحه قبل أن تلوح على وجهه الوسيم ابتسامه ساخرة وهو يقوم بالضغط على " نعم "
" بالتأكيد سيقودنا هذا السؤال إلى تحليل نفسي , أو موقع أخر , وما دام لا يشكل تهديدا على جهازي فلنرى نهاية هذا السخف"
لم يكد ينهي عبارته حتى اختفت الصفحه وحلت محلها صفحه جديده كتب فيها التالي " إلى الفاني الذي قادته أخطاؤه إلى هنا , يمكنك التراجع ولن يلومك أحد , ولكن إن كنت تحمل من الشجاعه لتكمل فاعلم أنك تسير إلى الجحيم وهذا لدأب الفانين يقودهم فضولهم دائما إلى أسوء المواقف , استمع إلى نصيحتي وغادر هذه الصفحه بلا رجعه , تبتسم في سخريه ؟ حسنا هذا دأب الفانين يستخفون بما لا يعرفون وهي لخطيئة كبيره , ما تزال تواصل القراءة ؟ شجاعه ؟ بالتأكيد كلا , فالشجاع هو من يعرف ما ينتظره , جهل ؟ ربما كان هذا أقرب وهي خطيئتك الثانيه بعد الفضول . للمرة الأخيره غادر هذا المكان ولا تعد إليه . ما تزال مواصلا حقا إنكم تلقون أنفسكم إلى الهاوية كما يلقي الفراش نفسه في النار . مغرور ! بالتأكيد أنت كذلك ما دمت تقرأ هذا الكلام وما تزال تبتسم في سخريه , وهذه خطيئتك الثالثه , حسنا والآن لتواجه اختيارك وتذكر أنت من اخترت ولتتحمل ما ينتظرك .
أطلق تويا ضحكة قصيرة " من كتب هذا الكلام مجنون تماما , أيحسب بأنه في العصور الوسطى ؟ "
قالها وهو يتأمل الصفحة التي راحت تختفي لتظهر مكانها واحدة جديده , كانت الصفحة خاليه إلا من مستطيلين في وسطها, كتب تحت أولهما ( إلى الفاني الذي قادته أقدامه إلى الجحيم , الآن ساعة الحقيقه , اكتب هنا اسم شخص ما , ذكر أو انثى لك الخيار ولكن ما تختار سيكون هو الاساس لهذه اللعبه , اكتب من تريد , قريبا , صديقا أو حتى من لا تعرف ولكن ولأنك اخترت انتصار الشر فيجب أن يكون هذا الشخص طيبا , المجرمون مستبعدون , اكتب وليكن الهلاك مصير من كتبت والآن واجه ما اخترت ولتحل عليك لعنات من اخترت وتقديرات من لم تختر).
وأما الثاني فكان ما تحته عبارة واحدة ( اكتب بعض المعلومات عن الشخص المرجو هلاكه )
تأمل تويا الكلام ويقينه يزداد بكون الموضوع مجرد مزحه سخيفه , لذلك وبدون تردد وضع السهم على المستطيل الأول وهم بالكتابه ولكن هنا توقف وراح يتساءل " ولكن من أضع ؟ واحدا من أهلي ؟ , زملاء الفصل أو ربما أحد الجيران ؟"
تلفت حول نفسه قبل أن تتوقف عيناه أمام إطار خشبي على طرف مكتبه , امتدت يده إلى الإطار وراح يتأمل الصورة التي داخله , كانت الصورة تجمعه مع فتاة بيضاء البشرة ذات شعر أسود طويل وعينين خضراوان وكان على وجهها ابتسامه صافيه , واصل تويا تأمل الصورة للحظات " سيرافيم ستكون خيارا جيدا "
قالها وهو يضع الإطار جانبا وبلا تردد جرت أنامله على لوحة المفاتيح ليظهر هذا الاسم داخل المستطيل الأول " أيانو سيرافيم ", كما لم ينسى أن يضع بعض المعلومات عنها في الخانة الثانية.
وبلا لحظة من التفكير ضغط زر الإرسال , اختفت الصفحة للمرة الثالثه قبل أن تظهر صفحة جديده ولدهشة تويا كان على هذه الصفحه عدد من الأرقام تتعير في سرعه , تأمل كيويا الصفحه ثم أدرك أن هذا ليس سوى عد تنازلي , كانت الأرقام تشير إلى تبقي ما يزيد عن الأسبوعين بقليل
فجأة اختفت الأرقام وعاد السؤال الأول : هل تريد انتصار الشر ؟
" هكذا فقط ! "
لم ينجح تويا في إخفاء خيبة أمله , كان يتوقع أي شيء ولكن هذا بدا له تقليديا ومملا
قطع تفكيره إرتفاع صوت جرس الباب , فنهض من مقعده وأغلق شاشة جهازه وغادر حجرته الموجوده في الطابق الثاني وفي خطوات هادئه لا أثر للعجله فيها , نزل السلالم وهو يتساءل في دهشه عن الطارق في هذا الوقت , والداه ؟ صحيح أنهما في زيارة لأحد الأقارب ولكن لديهما المفتاح , ترى هل أضاعاه ؟ إذا لماذا لم يتصلا لإبلاغه على الأقل
كان غارقا في أفكاره حينما ارتفع رنين الجرس ثانيه فأسرع الخطا وهو يهتف : دقيقة واحده
ولم يكد يفتح الباب و يلمح الشخص الواقف أمامه حتى ابتسم " كان يجب أن أعرف".
فالشخص الواقف لم يكن سوى أيانو سيرافيم – الفتاة التي كتب اسمها قبل لحظات – صديقة طفولته وجارته في نفس الوقت
" مساء الخير , أرجو ألا أكون قد أيقظتك ؟ "
بصوت حمل من الخجل الكثير وبوجه تحاشى نظراته قدر المستطاع , كانت هناك
" هل ترينني أرتدي لباس النوم ؟ "
قالها والابتسامه المرتسمه على وجهه تتسع أكثر
" الحمدلله , قلقت حينما تأخرت في فتح الباب "
تنبه في تلك اللحظه فأشار إليها بالدخول ففعلت , أغلق الباب ثم التفت إليها " ما الذي جاء بك في هذا الوقت ؟ "
صمتت في حرج بضع لحظات قبل أن تناوله طبقا كان بين يديها " بما أن والديك لن يعودا اليوم فقد طلبت والدتك من إعداد العشاء لك "
قالتها وهي تناوله طبقا متوسط الحجم, ابتسم " في الوقت المناسب فقد نسيت شراء طعام العشاء "
ابتسمت سيرافيم " كالعادة"
ضحك تويا " وكالعادة تقومين برعايتي وتدبير شؤوني "
لم تجب فتابع " 10 سنوات"
هزت رأسها بالإيجاب " نحن جيران طوال هذه المدة ودائما تبادرين لمساعدتي من دون أن أطلب منك حتى , أنا مدين لك بالكثير . سيرافيم"
احمر وجهها وهتفت في كلمات مبعثره " كلا , لا , بالتأكيد , أقصد أنك كثير النسيان و , أقصد بذلك... "
عجزت عن إكمال عبارتها فضحك تويا " فهمت , فهمت ولكن اسمحي لي بأن أقول شيئا "
نظرت إليه في دهشه " شكرا جزيلا لك على كل ما فعلته من أجلي , أعرف أن كلمات الشكر لن تكفيك حقك ولكن اسمح لي بأن أقولها "
نظرت إليه وهي تبتسم " على الرحب والسعه , والآن تناول طعامك قبل أن يبرد "
انشغل الاثنان في الحديث ولم ينتبها على ذلك الظل الذي راح ينظر إليهما من خلال النافذة القريبة وابتسامة وحشية ترتسم على وجهه.
نهاية الفصل الثاني