" انطلقوا "

لم تكد تنتهي هذه الكلمة حتى انطلقت الفتيات السبع ركضا, وخلال لحظات بدا التفاوت بينهم شديد الوضوح, سيرافيم في المقدمة وبمسافة لا بأس بها عن أقرب منافسيها والذين راحوا عبثا يحاولون اللحاق بها , كانت أشبه بغزال رشيق وسط مجموعة من الأفيال, بجسدها المتناسق و خصلات شعرها الأسود المتطايرة مع الرياح و قطرات العرق المتساقطة من وجنتها وسط أنفاسها المتلاحقة. في النهاية انهت السباق بفارق كبير عن بقية المتنافسين, وفي حين تمددت الفتيات أرضا وهن يلهثن تعبا, كانت هي تقف بينهم بمنشفتها البيضاء وابتسامتها الهادئة

" أحسنتم عملا جميعا " قالتها وهي تمسح وجهها

" أحسنتم عملا ؟ , سيارفيم هل تمزحين؟, نحن نبذل كل جهدنا لمجرد محاولة اللحاق بك " هتفت بها إحدى الفتيات

" وأنتم تتحسنون في كل مرة "

" نتحسن ؟ شكرا على المجاملة , نحن بالكاد نلتقط أنفاسنا في حين لا يبدو عليك أنك كنت تركضين حتى "

" أنت تبالغين "

" حقا! , حسنا من يرى بأنه يستطيع ركض 400 م دون توقف دون أن ينهار تعبا بعدها فليرفع يده "

طبعا لم يفعلها أحد فقالت سيرافيم في ضيق " بل أنتن كسولات جدا , لا تحضرن التمارين بشكل منتظم وتأكلن ما يضر من الطعام, بعد كل هذا هل تعتقدون بأن لديكم فرصة؟"

ظهر الحرج على وجه عدد منهن في حين لاحت ابتسامة ساخرة على وجه إحداهن " فقط؟ ألا تعتقدين بأنك تنسين أمرا مهما ؟ "

نظرت إليها سيرافيم في حذر في حين سألتها إحدى الفتيات " ماذا تقصدين ؟ "

عادت تقول وابتسامتها الساخرة تتسع " منافسات المناطق أصبحت على الأبواب وبالتأكيد هذه فرصة مناسبة لإبهاره "

بدا الارتباك على وجه سيرافيم للحظة في حين تبادلت الفتيات النظرات الساخرة

" هكذا إذا , لم تقولي لنا بأن تويا هنا , الأميرة تحاول إظهار نفسها أمام أميرها "

احمر وجهها في شدة لتشيح به وهي تهتف " ما هذا السخف الذي تتفوهن به ؟ "

تبادلنا النظرات قبل أن تربت إحداهن على كتفها وابتسامتها الساخرة تتزايد " تعرفين ماذا نقصد جيدا يا عزيزتي ولا داع لإدعاء الغباء, أنت نجمة فريق العدو ولا بأس بأن تظهري ذلك لأميرك كل فترة "

تحاشت سيرافيم نظراتها ثانية وازداد احمرار وجهها قبل ان تقول في ارتباك " أنا وهو مجرد صديقي طفولة لا أكثر ولا أقل "

تنهدت الفتاة في يأس " إلى متى تتحدثين بهذه الحماقة؟, أنت فاشلة في الكذب, أنا أحذرك تويا لديه شعبية لا بأس بها بين الفتيات, استمري بهذا الأسلوب وستفقدينه, ترى هل هذا مقبول لك؟ "

مضت لحظات قبل أن تهمس سيرافيم بشيء ولكن صوتها كان شديد الانخفاض حتى أن زميلتها اقتربت منها " هه, ماذا قلت؟"

عادت للصمت لثوان قبل أن تقول " بالتأكيد لا "

عانقتها زميلتها " أجل هذه الروح المطلبة, الحب هو ساحة للحرب وكل وسيلة فيه جائزة "

همت سيرافيم بالتعليق و... " ألن تكفي عن هذا السخف ؟ "

التفت الجميع إلى مصدر الهتاف ليجدوا عددا من الفتيات في مواجهة فتاة نحيلة ذات شعر أشقر قصيرراحت تنظر إليهم في برود

" هذه هي الحقيقة "

" أتحداك أن تقوليها مجددا "

" كما قلت, لا أبالي بكونكن أكبر سنا أو أقدم في الفريق, ولكن مستوياتكم جميعا سيئة, أنتن هنا لأنكم أقدم منا عمرا فقط, أما بالنسبة للمستوى فأنا أفضل منكن جميعا بكثير " قالتها في ثقة

" ياللغرور" قالتها إحدى الفتيات في ضيق

" إذا ما رأيك بسباق بسيط بيننا؟, لا تقلق لن أكون جادة كثيرا "

تبادلن النظرات في تردد, صحيح أنها مغرورة متعجرفة ولكن الحقيقة أنه لا مقارنة بينهم أبدا هي أفضل منهن ولا مجال للإنكار

عادت تقول بنبرة تقطر شماته " لماذا الصمت؟ أم أنكم تعرفون النتيجة مبكرا؟ لا بأس موهوبة مثلي لا تقارن بمجموعة من الكبار عديمي الفائدة, بسبب وجودكم فريقنا يغادر المنافسة سنويا من المراحل الأولية, القدامى عديموا الفائدة عليهم أن يحنوا رؤسهم ويتركوا المجال للموهوبين هذه سنة الحياة "

احتقنت الوجوه وبدا واضحا أن المسألة ستتطور للأسوء و ...

" جميعكم, هذا يكفي " بحزم وقوة انطلق هذا الهتاف , التفت الجميع إلى سيرافيم والتي تقدمت منهم في بطء " على عناصر الفريق الواحد ألا يتشاجروا فيما بينهم مهما كان السبب "

" فريق؟ عما تتحدثين ؟ , هؤلاء مجموعة من عديمي الفائدة الفاقدي الموهبة , مكانهم هو المدرجات لا أكثر " قالتها الشقراء وهي تعبث بخصلات شعرها في برود

" ثم من أعطاك الحق لتوجهي لي هذا الكلام؟ كونك أكبرمني بعام لا يهمني كثيرا يا سيرافيم , وحدهم من يملكون موهبة أكبر مني - إن وجدوا - هم من يحق لهم الكلام ولا أحد في هذا النادي الفاشل يحق له ذلك "

" ألن تتوقفي أيتها المغرورة ؟ " هتفت بها إحدى الفتيات في غضب

" ولكن هذه هي الحقيقة , من هي التي حققت أفضل زمن في منافسات الربيع؟ , من التي لولاها لما تأهلنا إلى منافسات المنطقة؟ سيرافيم حتى أنت لم تحققي شيئا فيما أنا فعلت, خسرت منذ الجولة الأولى فيما وصلت أنا إلى النهائيات , ربما تملكين بعض الموهبة بالمقارنة لهؤلاء الفاشلين ولكن إن قورنت بي فلست تختلفين عنهم لهذا لست مضطرة إلى سماع أي شيء منك, أنا جوهرة هذا الفريق أكاتسكي نينا "

راح الجميع ينظر إليها في ضيق ومقت وهم يدركون بأن كلماتها تحتوي نسبة لا بأس بها من الصحة وإن كان الإعتراف بهذا يؤلمهم كثيرا

مضت لحظات من الصمت قبل أن تقول سيرافيم " نينا, أعترف بانه لا يوجد أي مقارنة بين وبينك, موهبتك ونتائجك أفضل مني بكثير ولن أنكر هذا , ولكن كلنا هنا نبذل جهدنا يوميا ونسعى جاهدين للنجاح لهذا مهما كان الشخص موهوبا أو مبدعا فلا يحق له أن يعامل الأخرين بهذه الطريقة الفظة لهذا أطلب منك الاعتذار للجميع "

" هل فقد عقلك؟ أنا نينا أعتذر لكم أيها الفاشلون؟ منذ متى على الموهوب أن يعتذر للفاشلين عن انعدام موهبتهم؟ أنت تضحكينني كثيرا يا سيرافيم "

" موهوبة أو لا , لا يحق لأحد أن يتعامل مع الأخرين هكذا , اعتذري للجميع فورا "

" سيرافيم منذ متى جاءتك الجرأة لكي تخبريني بما علي فعله؟, أنا أمل هذا الفريق الوحيد والإدارة تدرك هذا جيدا لهذا ليس من مصلحتك إغضابي "

تبادلتا النظرات الحادة لثوان قبل أن تبتسم نينا فجأة وتقول " ولكن مهلا هذه فرصة جيدة, ما رأيك إذا بتحد صغير, أنا وأنت هنا والآن في سباق 400 م لننهي هذا الجدال "

لم تجب سيرافيم فأضافت " سأعتذر للجميع إن تغلبتي علي وسألتزم بكل ما تقولين داخل الفريق , ما رأيك؟ ليست صفقة سيئة "

" و كأن سأنخدع بهذه السهولة, أنت لا تقترحين أمرا إلا و أنت أكبر المستفيدين منه دائما, ما الذي تسعين إليه ؟ "

" ليس بالكثير إن فزت فبالإضافة إلى كونك ستخرجين من الفريق فسيكون عليك أن تتركي تويا لي "

" ماذا ؟ " هتفت بها سيرافيم في دهشة

" كما سمعتي , إن خسرتي فعليك أن تبتعدي عن تويا نهائيا , أنت تستغلين كونكما صديقي طفولة بطريقة غير عادلة . هو يستحق الأفضل والأجمل وبالتأكيد ليس أنت "

نظرت لها سيرافيم في حدة " كنت أعرف أنك تسعين لأمر ما, ولكن لما علي أن ألعب لعبتك القذرة هذه؟ لما علي الموافقة أصلا؟"

" هل أصابك الخوف بهذه السرعة؟ لا ألومك فتاة مثلك لن تجد شخصا يحبها ولو بعد مائة عام لهذا تنسجين خيوطك حول تويا "

مضت لحظات من حرب النظرات بين الطرفين قبل أن تتنهد سيرافيم " حسنا ولكن بشرط"

لم تجب نينا فتابعت " إذا فزت فبالإضافة إلى ما تعهدت به سيكون عليك أن تتركي تويا وشأنه , هل هذا واضح "

لاحت ابتسامة ساخرة على وجه نينا " موافقة لأنه لا أمل لك بالفوز علي "

" إذا لدينا اتفاق " قالتها سيرافيم وهي وتربط شعرها

راحت أصوات الهمسات ترتفع من المتواجدين بين مؤيد ومعارض ولكن كان من الواضح أنه لا يمكن إعادة مارد الغضب إلى قمقمه, في النهاية ووسط الصمت وقفتا على خط البداية وكل واحدة ترمق الأخرى في مقت , تقدمت واحدة من الفتيات وبصوت مرتجف " استعداد ... "

الصمت المطبق, ضوء الشمس المائلة للغروب, نبضات القلب المتوترة, قطرات العرق الساقطة ورائحة الأدرينالين في الأجواء كل هذا اجتمع ليعطي صورة مهيبة لما يجري .

" انطلاق "


" ياله من اندفاع ويالها من سرعة " بالتأكيد ترددت هذه العبارة في رؤوس المشاهدين مع ما يرون , لا مكان للبطء هنا, الجسدان الغضان يقتحمان الهواء في قوة , لا مجال للإبطاء أو التراخي , كان الكل يتابعهما مدهوشا مبهورا ولكن أكثر المندهشين لم يكن سوى نينا نفسها , فدائما ما كانت ترى نفسها نجمة الفريق وأسرع من فيه إلى لحظات مرت كانت تؤمن بهذا ولكن ما يجري الآن هزها بعنف فعلى الرغم من كل الفوارق بينهما إلا إنهما كانت تركضان متجاورتين , الكتف بالكتف والساق بالساق.

هنا أدركت أنها وإن كانت تستخدم 100% من طاقتها فإن سيرافيم قد تجاوزت هذه النسبة وأنها حرفيا تجاوزت إمكانياتها

" كل هذا لأجله؟ "

بعدم تصديق ترددت هذه العبارة في رأسها , وبدا واضحا حجم الخطأ الذي ارتكبته حينما أدخلت تويا في التحدي, في الحقيقة هي غير مهتمة به ولا تمييل إليه ولكنها سمعت - من أعضاء النادي - مرارا عن مدى ارتباط سيرافيم به فأرادت إغاظتها وإهانتها بأخذه منها ولكنها الآن عرفت كارثة هذا الأمر .

عضت على شفتيها في ضيق وهما تدوران الدورة الأخيرة في المضمار وتندفعان إلى خط النهاية

" لن أخسر, ليس أمام هذه الفتاة بالتحديد "

كان التعب قد بدأ ينال منها وبدأت عضلاتها تئن تحت تأثير هذه السرعة ولكنها غير قادرة على الإبطاء ولو قليلا

" كلا سأربح مهما كان الثمن "

وفي تلك اللحظة أقدمت على أكبر حماقة, إذ وضعت قدمها أمام قدم سيرافيم في محاولة لاسقاطها, ولكن الأخيرة بدت وكأنها كانت تتوقع هذا إذ تجاوزت القدم بقفزة صغيرة في حين فقدت نينا توازنها نتيجة حماقتها لتسقط أرضا في قوة وقبل أن تنهض كانت سيرافيم تتجاوز خط النهاية بالفعل.

ظل الصمت للحظات قبل أن تقطعه هتافات الانتصار وضحكات النصر التي أطلقها العديد من أعضاء النادي وهم يندفعون إلى سيرافيم مهنئين وفرحين في حين كانت الأخيرة تلهث من التعب لكن ابتسامة كبيرة ارتسمت على وجهها

ظلت نينا مددة على الأرض وأمكانها أن ترى - بعينين امتلأتا دمعا الجميع وهم يهنؤون سيرافيم في سعادة في حين لم يكلف أحد عناء مساعدتها حتى.

بعد مدة تمكنت من الجلوس والدموع تنسال من عينيها, لقد خسرت, الأمر الذي لم تتوقعه أو تحسب حسابه, لقد خسرت وأمام الجميع في هذا التحدي بل والأسوء أنها حاولت إسقاط سيرافيم في أمر لا يدل سوى على انعدام الحيلة والضعف

" هل أنت بخير ؟ "

رفعت رأسها لتجد سيرافيم أمامها , تبادلتا النظرات قبل أن تسأل نينا في حيرة " كيف ؟ "

" تقصدين كيف تجاوزت قدمك؟, الأمر سهل لأن توقعت إقدامك على أمر ما أثناء السباق لهذا منذ البداية لم أخفض دفاعي ولهذا نجحت , والآن كما اتفقنا , منذ اليوم ستتعاملين باحترام مع الجميع وستطيعين ما يطلبه الأكبر سنا في أدب , الغرور والتطاول ممنوعان تماما "

صمتت للحظات قبل أن تضيف " وعليك الإبتعاد عن تويا نهائيا كما وعدت "

مضت لحظات قبل أن تنهض نينا واقفة وتهتف " مجرد مصادفة , لم أكن أشعر أن بخير تماما منذ الصباح لهذا تمكنت من الفوز علي ولذلك لست أعترف بهذا السباق "

انعقد حاجبا سيرافيم في غضب " أيتها الطفلة المدللة, هذا يكفي "

انفجرت الدموع من عينيها واندفعت مبتعدة وهي تهتف " مجرد حظ لا أكثر "

همت سيرافيم باللحاق بها لكن إحدى الفتيات أمسكت يدها ومنعتها من ذلك .

اندفعت نينا مبتعدة بعينين لا تكادان تريان من الدموع وبلا وجهة محددة , في النهاية وجدت نفسها على سطح المدرسة الخالي في هذا الوقت, انتحبت لبعض الوقت قبل أن يظهر الغضب جليا عليها " تلك اللعينة أهانتني أمام الجميع, لن أسامحها أبدا , أنا نينا أتعرض لمثل هذه الإهانة. صبرا أيتها الفتاة ستدفعين الثمن غاليا "

عضت على إظفر إبهامها في غيظ حتى أدمته قبل أن تهتف " حسنا لم أكن مهتمة به في البداية ولكن الآن سأحصل عليه , سأجعل تويا كالخاتم في إصبعي وأجعل تلك الفتاة تعرف مكانتها جيدا "

قالتها وابتسامة شرسه ترتسم على وجهها و

فجأة ارتفع صوت هاتفها المحمول معلنا وصول رسالة جديدة, نظرت إلى الشاشة وكم اندهشت حينما اكتشفت أنها مرسلة من مجهول, بعد لحظات من التردد فتحت الرسالة وهنا تضاعفت دهشتها أكثر فأكثر , كانت الرسالة لا تحتوي سوى على رابط للشبكة العنكبوتية وتحته بخط أحمر اللون " إذا أردت الانتقام فهذه فرصتك "

بعد لحظات من التردد ضغطت على الرابط مع إدراكها التام لخطورة ما تفعل وحجم الكارثة إذا ما كان هذا فخا إلكترونيا, في النهاية ظهرت العبارة أمامها " هل تريد انتصار الشر؟ ".

لتجد نفسها في نفس الموقع الذي عثر عليه تويا منذ بضعة أيام , استغرق الأمر منها نصف ساعة في النهاية وضعت اسم سيرافيم وابتسامة شامتة على وجهها " لا أعرف من جدية هذا الكلام ولكنه أتى في الوقت المناسب, سيكون من الرائع لو تعرضت لمكروه" قالتها وضوء الشمس الأحمر يملأ المكان.


نهاية الفصل الرابع


2018/09/08 · 455 مشاهدة · 2042 كلمة
abalmaghrabi@
نادي الروايات - 2024