التاريخ : 26\6\2012

الوقت : 5:30 مساء

المكان : المقر المركزي لقيادة الشرطة , الوحدة الثانية, مكتب المفتش تكاكي جين

على الرغم من تأخر الوقت وانصراف غالبية الموظفين انهمك المفتش جين بكتابة تقريره النهائي بشأن قضية السطوالمسلح على أحد المصارف والتي وقعت مؤخرا , كانت كل تركيزه منصبا على ما يقوم به حتى أن رنين هاتفه المحمول المفاجئ قد باغته .

" من الذي يتصل في مثل هذا الوقت ؟ "

ولكن لم يكد يلقي نظرة على شاشة جهازه حتى لاحت على وجهه ابتسامة حانية, ازدادت اتساعا مع وصول ذلك الصوت الأنثوي الهاديء إلى أذنيه

" عزيزي هل تدرك كم الوقت الآن ؟ "

نظر إلى ساعة يده للحظة " أرجو المعذرة , يبدو بأن قد انشغلت في عملي"

ضحكت المرأة قبل أن تقول في لهجة من اعتاد مثل هذا الموقف " : لا جديد المفتش جين الذي ينسى أسرته إذا ما انشغل في عمله

اتسعت ابتسامته ": هيا يا عزيزتي لا تكون لئيمة معي "

" أنت تعرف أن لا أستطيع ذلك" بصدق نطقتها وبلا ذرة من الاصطناع

" أنا أكثر رجال العالم حظا بكونك زوجتي"

صمتت لثوان قبل أن تقول في صوت خافت " أحقا ما تقول ؟"

" تعرفينني جيدا , هل سبق وكذبت عليك ؟"

عاد الصمت – فأدرك المفتش أنها تقاوم خجلها – فأضاف " حسنا ما رأيك بهذا العرض, تعويضا عما حدث , ما رأيك أن نتناول طعام العشاء في أحد المطاعم الفاخرة اليوم ؟"

بدا على صوتها الفرح " هل أنت جاد ؟"

" بالتأكيد "

" أعطني ساعة واحدة بعدها سأكون جاهزة"

ضحك المفتش وهو ينهي المكالمة ليخرج بعدها صورة صغيرة من درج مكتبه , تأملها للحظات , كانت الصورة تجمعه مع امرأة شابه متوسطة الطول ذات شعر أسود طويل وبشرة بيضاء تناغمت مع عينيها العسليتين وفمها الصغير.

" 9 سنوات حتى الآن " قالها وهو يمسح على الصورة بحنان

قطعت الطرقات على باب الحجره حبل أفكاره , فأعاد الصورة إلى مكانها وأغلق درج مكتبه سريعا قبل أن يهتف للطارق بالدخول

على الرغم من لهجته الصارمة إلا أن التساؤلات راح تطرح نفسها طرحا في داخله عن هوية هذا الزائر بعد ساعات العمل الرسميه, لم يكد يبصر الطارق حتى ظهرت الدهشه على وجهه إذ لم يكن سوى الضابط تشيبا- أحد العاملين تحت إدارته في الشعبة الثانية- والذي بدا الارتباك جليا عليه" أرجو المعذرة يا سيدي ولكن أحد الحراس وجد هذا المظروف فوق إحدى مقاعد البهو الخارجي"

قالها وهو يرفع المظروف البني اللون كي يراه المفتش , صمت المفتش قبل أن يقول في حذر " وما المشكلة أليس من الممكن أن يكون قد نسيه أحد العاملين هنا قبل انصرافه , هي حادثة إهمال على الأغلب "

" هذا ما ظنناه يا سيدي في البدايه ولكن حينما رأينا هذا – قالها وهو يقلب المظروف – تغير كل شيء "

انعقد حاجبا المفتش وضاقت عيناه قبل أن ينهض من مكانه ويقف على بعد بضع أقدام عن تشيبا وهو يقرب وجهه للمظروف أكثر

" ياللغرابة "

قالها وعيناه تتأملان العبارة التي كتبت بخط اليد على ظهر المظروف

" إلى رجال الشرطة مع تحياتي "

لم يكن مصدر استغراب المفتش هو العبارة نفسها بل لونها إذ كتبت بلون أحمر يبعث القشعريرة في النفوس " صحيح أنه من المستحيل الجزم بلا فحوصات , ولكن كلا هذه دماء , أعمل في هذا المجال منذ خمسة عشر عاما ومن المستحيل أن أخطئ في تميزها من هذا القرب"

جالت هذه الخواطر في رأسه ولكن شيئا منها لم يبدو على وجهه " تبدو لي كأنها كتبت بالدم" بهدوء نطقها

" أتفق معك يا سيدي ولقد جعلت خبراء المعمل الجنائي يحصلون على عينة منها للتأكد"

هز المفتش رأسه في استحسان" هل فحصتموه؟"

" تأكدنا من عدم وجود بصمات عليه , كما فحصناه بالأشعة السينية سريعا "

تأمل المفتش المظروف مرة أخرى " وماذا وجدتم ؟"

" الفحص أشار إلى وجود أسطوانه ليزريه وبعض الأوراق "

" اسطوانه ليزريه !"

خيم الصمت على الحجره للحظات قبل أن يقطعه المفتش " هل فتحتم المظروف ؟"

" كلا يا سيدي , صحيح أنه من المستبعد وجود أي تهديد من هذا المظروف وأنه على الأغلب مجرد مزاح سامج إلى أنني فضلت استشارة من هو أعلى رتبه"

ارتدى المفتش قفازين أبيضين سميكين ثم تناول المظروف ليضعه على مكتبه ويفتحه في هدوء وحذر وراح أمام نظرات تشيبا المهتمه يفرغ محتوياته , بالفعل لم يكن المظروف يحتوي سوى اسطوانه ليزريه وبعض الأوراق المزخرفة والسميكة, تأملها المفتش للحظات " إنها فارغة"

تنهد تشيبا في ضيق " مزاح سخيف "

تناول المفتش الاسطوانه وقام بوضعها في جهازه ومضت لحظات " هناك ملف واحد فقط, ويبدو بأنه مقطع فيديو هل تريد أن نشاهده ؟"

هز تشيا كتفيه " لست متحمسا لذلك على الأغلب سنجد عبارة تم خداعك أو حظا أوفر فقط في هذا المقطع"

ابتسم المفتش " على الأغلب ولكن عملنا يقتضي استبعاد كل الاحتمالات دائما"

تنهد تشيبا بينما المفتش يقوم بتشغيل المقطع بلا اهتمام , ولم يكد يفعل حتى اسودت الشاشه وراحت مجموعة من الأرقام تتحرك عليها تنازليا .

" كأنها بداية فلم سينمائي "

" ألم أقل لك؟ " هتف بها تشيبا في لا مبالاة

هم المفتش بإغلاق المقطع ولكن وقبل أن تصل يده إلى الجهاز توقفت الأرقام وغطت الدماء الشاشة فجأة وتظهر عبارة " اللعبة المميتة " في المنتصف

" : ماهذا السخف ؟"

لم يعلق المفتش جين لتختفي العبارة بعدها وتتغير الخلفية, كان المكان الآن هو حجرة صغيرة بإضاءة شاحبة , في منتصفها كان هناك, على كرسي بدا عليه القدم جلس وقد وضع ساقا على ساق وشبك يديه أمام قناعه الأبيض الشاحب ذي الملامح الجامده و الابتسامه الباردة الساخره المحفوره عليه , مضت لحظات من الصمت قبل أن يقول المقنع " مساء الخير أيها السادة"

تبادل الرجلان النظرات قبل أن يركزا نظرهما على الشاشة في حين واصل المقنع " متأكد أنكم تلعنونني الآن وأنتم تهتفون في ضيق عن أي مدى يمكن أن يصل الإنسان من سماجه وتكلف في مزاحه , لست أختلف معكم ولكن هذه المرة اسمحو لي بأن أقول بأن هذا ليس مزاحا بل هي لعبه"

ابتسم تشيبا في سخرية " وما الفرق ؟"

أشار إليه جين يأمره بأن يخرس وهو يركز اهتمامه على الشاشة في حين أكمل المقنع "بالتأكيد الحمقى منكم سيتساءلون عن الفرق في حين الأذكياء سيدركون جيدا أن هناك اختلافا"

صعد الدم إلى رأسه تشيبا من تلك الإهانة غير المتوقعه فيما لم يبدو على جين أنه لاحظ ذلك

" لا داع للإطالة فيما لا يفيد, الموضوع شديد السهولة , قلت أنها لعبة ولكنها لعملكم يا رجال الشرطة أقرب "

بدا القلق يرتسم على وجه المفتش وعقله يصرخ " من الصعب أن يكون هذا مزاحا , لا يوجد عاقل يذهب إلى هذا الحد"

" ألم أقل لكم بأن اللعبه سهله جدا , محدثكم المتواضع سيقوم بارتكاب جريمة قتل وسيكون عليكم أن تمسكوا بي ولكن خلال الوقت المسموح به وإن فشلتم تخسرون الجولة "

هتف تشيبا " مجنون , إنه مجنون بالكامل"

" لكن لا تقلقوا خسارة جولة لا تعني الكثير فسيكون هناك الكثير من الجولات في هذه اللعبة لذلك تشجعوا "

هتف جين هذه المرة " الوغد, هو يعلنها صريحة "

" أعرف أنكم مصدومون , مجنون , مريض نفسي أطلقوا علي ما تريدون ولكن هذا لن يغير حقيقة أن اللعبه ستشملكم شئتم أم أبيتم , وقت البداية سيكون ابتداء من 1\7\2012 أما النهاية فتعتمد على ذكائكم ولكن دعوني أوضح أمر واحدا ستندمون كثيرا إذا تجاهلتم ما أقول واعتبرتموه مزاحا , هل بقي شيء ؟ آآآه , كدت أنسى بقية التعليمات ستجدونها مع المظروف وبإمكانكم قراءتها ببعض الذكاء والآن طاب يومكم "

اختفت صورة المقنع عن الشاشة وسيطر الصمت على المكان قبل أن يقطعه هتاف تشيبا " بالتأكيد هو يمزح , يالهذا الوغد كيف يمزح بهذه الطريقه"

نظر إليه جين قبل أن يقول في قلق " أتمنى أن يكون كلامك صحيحا "

قالها وشعور قوي يتصاعد داخله بأن ما رأوه ليس مزاحا بل هو حقيقة مفزعة وأن الأيام القادمة ستحمل الكثير من المفاجأت

نهاية الفصل االخامس


2018/09/12 · 480 مشاهدة · 1249 كلمة
abalmaghrabi@
نادي الروايات - 2024