23 - الفتى الذي لا يرى سوى الظلام

كانت الصدمة شديدة على عماد لدرجة أنه شعر بدوارٍ شديد ورأسه بدأت تدور وكاد يقع عدة مرات لكنه كان يستند على الطاولة ، قال أحد الذين كانوا متواجدين: أحضروا ماءً محلى بالسكر بسرعة.

وقد كان أمر ذلك الرجل مطاعاً فقد حضرت في ثوان، شربها عماد كلها دفعة واحد كما شرب الصدمه.

أتعني أنني لن أراه مجدداً؟؟

هذا كذب أليس كذلك؟ فاليقل لي أحد ذلك رجاءً .

كان عماد يقولها للحاضرين بصوت ضعف كثيراً . لم يستطع أحد إجابته وحتى أن بعضهم قد بدأ بالبكاء.

لماذا تبكون أخبروني، هو لم يمت أليس كذلك؟

بعدها جاء صوت حازم يقول له: لقد مات يجب عليك أن تتقبل الحقيقة.

لم يسمعه عماد لأن وعيه قد غمس في الظلام لم يعد يرى سوى السواد، كيف لماذا متى لم يعد يشعر بشيء حوله ، ظل واقفاً هكذا وكأنما تحجر.

بعدها بدأن الناس بالإعداد للجنازه، كان كل من يقابل عماد يواسيه ويقول له البقاء لله وكن قويا وتلك الأشياء، كان عماد لا يستطيع حتى الرد، وبعد الجنازة تكفل أحد الجيران بطبخ الطعام لهم ، لم يقرب عماد الطعام أبداً ، كان جفناه يرفضان إنزال الدموع بالرغم من كونه حزين حزن الدنيا كلها لا تقوى على تحمله لأنه وببساطة لم يكن قد قضى معه وقتاً كافياً ، لم يعوضه عن الفترة التي تركه فيها.

مرت الأيام ولؤي ومنه قد تقبلا الأمر لكن عماد لم يفعل لم يقرب لفمه من الطعام سوى أقل القليل ، نحف كثيراً وأصبح يرتجف طوال الوقت، ينام ساعات قليلة.

بدأت منه ولؤي القلق عليه فبدأى بمحاولة التخفيف عنه لكنه كان لا تكلم سوى بصوت خفيض وكلمات قليلة لاتسمن ولا تغني من جوع.

كان دائماً يسأل نفسة"هل هذا عقابي لقتل السبعة؟" لم يفهم لماذا.

بعد عدة أسابيع كان عماد على غير عادته يجلس على السطح وينظر بعيون فارغة إلى القمر الذي اكتمل بدراً في السماء يتخله والده.

كانت منه منشغلة قليلاً وفجأه رأت أن عماد قد اختفى من الشقة فبحثت عنه في البيت كله فلم تجده، هي تعلم أنه لن يغادر البيت ففكرت في أنه سيكون في السطح ، صعدت فوجدته جالساً بلا حراك ويرفع رأسه إلى السماء نظرت إليه فشعرت أن هناك ما يسحبه فجرت نحوه و.....

كان عماد ينظر إلى القمر ولا يرى سوى السواد الشديد، شعر بشيء دافئ قد أحاط به فأستند عليه ، نظر بطرف عينه إلى ذلك الشيء ،فقال بصوت متعب: هاه؟....منه م...مال..مالذي تفعلينه؟

قالت له وعيناه إمتلأتا بالدموع: شعرت بأنك ستختفي وتضيع مني.

قال: لن أختفي يا حمقاء

- لماذا تفعل بنفسك هكذا؟، والدك قد استرح من الدنيا وأنت لا يمكنك إعادته

قال: هل تعلمين، كل ما فعلته حتى الآن، تحملت الكثير من مضايقات أصدقائي التي كانت شديدة، وحصل ما حصل، حاولت التكفير عن ذنبي بأن أجعل نبيل يعيش معي، وحصل ما حصل، حاولت أن أعتذر لأبي وأتصالح معه، و.. ومات ، حتى الآن كل ما فعلت لم يكن مفيداً كان فقط إرضاءً لذاتي، لا بل كان كسرابٍ حسبته ماءً من ظمئي

- من ظمئك لماذا؟

- إلى الخلاص!!!، لا أريد لأي شخص ممن أحب أن يموت

- ولكن ... أليس هذا مستحيلاً؟

- أجل أعرف، ولكنني لم أعد أتحمل!!!!!!!

وبدأ بالبكاء دموعه تنزل حارة على وجهه بالرغم من أن جسده كان كقطعة من الثلج.

بعد مدة قالت منه لعماد: عماد دعني أخبرك أمراً أنت تعرف مسبقاً أن الحياة ليست شمساً مشرقةً وقوس قزح ، بل إنه مكان في غاية الصعوبة والدناءة، ولا يهم مدى قوتك فإنها دائماً ستقوم بكسرك، لكن لكي تنتصر يجب عليك أن تتحمل أن تطالب بحقك، دأئماً تذكر أن الدنيا دنيا مهما بدت جميلة ، لا تتحطم بسرعة هكذا، تحمل قليلاً بعد السعادة في طريقها إليك ، لا تستعجهلها

بعدها قال لمنه: أين سمعتي ذلك الكلام.

كانت منه قد تركت عماد ، قالت له مبتسمة: أنت قلته لأخي قبل مدة من الزمن وأنا سمعته، كان ذلك حين ماتت أمي، شعرت براحة كبيرة، فظننت أنه سينفع الآن معك.


(الفتى الذي لا يرى سوى السواد قد رأى النور)


(لكن هل للظل قول آخر؟)

2018/08/30 · 431 مشاهدة · 626 كلمة
aasdfa
نادي الروايات - 2024