استيقظ فينسينت على صوت الطرق المتكرر على باب الكوخ الخشبي. "انهض، أيها الكسول! اليوم لن تجلس مستريحًا كما فعلت بالأمس." صوت راندولف كان خشنًا وحازمًا، كأنه لا يقبل أي تردد.
فتح فينسينت عينيه ببطء، والضوء الخافت الذي تسرب من بين ألواح الكوخ المتهالكة جعله يغلقهما مرة أخرى. كان رأسه يطن، وجسده يشعر بالتعب كأنه قضى الليلة في معركة خيالية، على الرغم من أنه لم يفعل شيئًا يُذكر. حاول تذكر أحداث الأمس: الغابة، فقدان الوعي، والكوخ الذي انتهى به الأمر فيه.
"هل ستبقى نائمًا طوال اليوم؟" قاطع صوته صوت راندولف مرة أخرى.
"آه... حسناً، قادم." أجاب فينسينت بصوت متثاقل وهو يجلس ببطء. شعر بجسده يتثاقل كأنه يحمل أثقالاً غير مرئية.
عندما خرج من الكوخ، واجه منظراً أخاذاً جعله يتوقف في مكانه. كانت الغابة تتوهج بألوان لا تصدق؛ الأشجار كانت عملاقة بأوراق بألوان زاهية تتراوح بين الأزرق والأرجواني، بينما العشب تحت قدميه بدا وكأنه ينبض بخفوت مع كل خطوة. بركة صغيرة قريبة تعكس السماء الصافية ونباتات غريبة الشكل تحيط بها. كانت هذه الغابة وكأنها تنتمي لعالم آخر.
"ما الذي تنظر إليه؟ هل رأيت شجرة من قبل؟" سأل راندولف بتهكم، ملتفتًا إلى فينسينت الذي وقف كأنه مسمّر في مكانه.
"هذه ليست شجرة عادية... لا شيء هنا يبدو عاديًا." أجاب فينسينت بصوت مذهول.
"ربما لأنك لم ترَ العالم الحقيقي بعد. هذا المكان ليس سوى البداية." قال راندولف، مستأنفًا السير بخطوات ثابتة.
تبع فينسينت راندولف، وهو يحاول فهم ما سيحدث في "التدريب" الذي تحدث عنه. لم يخبره راندولف أي شيء سوى أنه سيكون شاقًا، لكن الغموض كان يحيط بكل شيء، مما جعل قلبه يخفق بشدة.
بعد مسافة قصيرة من السير، وصل الاثنان إلى ساحة مفتوحة وسط الغابة. لم يكن هناك شيء مميز في المكان سوى وجود علامات غريبة منحوتة على الأشجار المحيطة، بدت وكأنها رموز قديمة تشع طاقة خافتة.
"اجلس هنا، في المنتصف." أمره راندولف بصوت قاطع، مشيرًا إلى دائرة صغيرة محفورة في الأرض.
جلس فينسينت ببطء، متربعًا داخل الدائرة، بينما فتح راندولف حقيبته الصغيرة وأخرج منها بلورة متوهجة باللون الأزرق، تبدو وكأنها تحتوي على بحر صغير من الضوء داخلها.
" ما هذه؟". تسائل فينسينت عن البلورة التي كانت تجذب اهتمامه مثل المغناطيس.
" هذه بلورة مانا. يمكنك تخيلها وكأنه مكان تجمع وتحفظ فيه المانا، مثل القنينة التي تحفظ بها الماء. سوف تساعدك على استشعار المانا".
امال فينسينت رأسه بينما اخد البلورة وتفحصها. كان ملمسها زجاجي وبارد، وشعر ايضا بأمر غريب يلامس أصابعه. " حسنا. هل سوف تخبرني ماذا سوف يكون "التدريب". هذا؟".
ضحك راندولف قليلا وقال:" فلتصبر ايها الصغير، سوف اتي لك بالكلام. حسنا... تدريبك اليوم، سوف يكون بسيط، كل ما عليك ان تفعله او ان تستشعر المانا".
نظر فينسينت نحو العجوز الذي كان يرتدي ابتسامة غريبة على وجهه لبعض الوقت." حسنا، كيف ؟".
هذا كان سؤال متوقع بالنسبة لراندولف، وكان ينتظره ليبدأ بالكلام. " جميع السحرة في العالم يجمعون المانا، وهذا الأمر البديهي، ولكن الطرق تختلف. الان أمامك أربعة مستويات، والتي سوف تمهد الطريق لك حتى تستطيع استعمال السحر، إلا وهي تقوية الأعضاء الاربعة".
رفع فينسينت حاجبه بتفاجؤ." ما فائدة تقويتها، اليس المهم هو المانا والسحر، ما دخل هذا في الجسد".
ابتسم راندولف، عندما سمع سؤاله، الذي يمكن القول عنه ذكي." المانا هي جزيئات غير مرئية اجل. ولكن السحر لا. قبل ان يتم تشكيل السحر فهو يكون مانا، الان من اجل ان تشكله فأنت تستعمل المانا التي لديك. بالطبع ليس من حولك لان هذا سوف يأخذ وقت طويل".
" ولكن، لن تستطع ان تأخذ المانا التي في جسدك، إذا لم تقوي اعضائك الاربعة".
" هاه، لماذا ؟". تفاجئ فينسينت من هذا.
" جسد البشر ضعيف بطبعه، وأي مجهود يلقى عليه سوف يتعبه. لذلك إذا كانت الأعضاء الاربعة عن الشخص مقوى، فلن يهتم بأن يتعب، وسوف يأخذ المانا التي بجسده بحرية".
" بالطبع، لكل شيء له حد. نعم تقوية هذه الأعضاء تجعل الشخص اقوى من البشري العادي، وتخول له ان يخزن المانا في جسده، إلا ان وعلى سبيل المثال، القتال لمدة طويلة، قد يستهلك المانا التي في هذه الأعضاء".
خذ راندولف نفسا عميق بعد ان أنهى حديثه، ولكن هنا اتى دور فينسينت حتى يستغرب اكثر." لكن، اليس الشخص في الوقت الحالي لا يستعمل السحر، إذا كيف يمكن ان يستهلك المانا التي في جسده، او اعضائه".
رفع راندولف حاجبه مع ابتسامة. لم يكن معتاد على شخص ان يسأل بكثرة، وان تكون أسألته منطقية." هاهاها.. انت فتى ذكي ايها الصغير".
لم يفهم فينسينت سبب ضحك راندولف، ولكنه لم يتحدث وانتظر رده.
" حسنا، ببساطة، عندما يقاتل شخص لوقت، فهو بطبيعة الحال يستهلك طاقته، لذلك وبطريقة غير إرادية، يبدأ الجسد في استهلاك المانا المخزنة في أعضاء الشخص ويجعلها مثل اضافة المزيد من الخشب على النار. وهكذا يستطيع الشخص ان يكمل القتال، او على الأقل ان لا يقع على الأرض وهو يلهث".
" اليس هذا شيء جيد؟ هكذا يستطيع الشخص ان يقاتل بإستمرار". هز راندولف رأسه وقال:" ليس بالضرورة، كما ان المانا تعمل مثل الدفعة التي تجعل الشخص يكمل القتال، فهي ايضا تنتهي في النهاية، ويصبح الشخص بجسد ضعيف جدا معرض لأصغر ضرر، ويحتاج ان يجمع المانا من جديد".
بدأ فينسينت يفهم شيئا فشيئا، كان الأمر برمته غريب وجديد عليه، لذلك وصوله لهاته النقطة من دون ان يضيع اي معلومة كان إنجاز بحد ذاته.
" تبا، لقد ابتعدنا عن ما عليك ان تفعله اليوم". ضحك راندولف، كما ابتسم فينسينت عندما ادرك هذا ايضا.
" حسنا، أين كان ؟... اجل، الأعضاء الاربعة التي تمثل اول أربعة مستويات هي: البشرة، الدم، العظام، العضلات. عند تقوية هاته الأعضاء، يكون الشخص يوشك ان يدخل عالم السحر. وكما قلت، كل ساحر لديه طريقته الخاصة في التأمل، ولكن في هاته المستويات طريقة التأمل موحدة لدى الجميع".
" لماذا هذا؟". لم يجد فينسينت تفسير لماذا طريقة التأمل موحدة في المستويات الاربعة بالتحديد.
" كل ما في الأمر، ان هذه المستويات لا تستعمل المانا، وترتكز حول تأقلم الجسد عليها. حسنا... الان لننتقل لتدريبك".
" اخيرا!". تحمس فينسينت عندما سمع هذا.
ضحك راندولف قليلا، وقال:" طريقة التأمل هذه بسيطة، ولكن يمكن ان تكون مرهقة. كل ما عليك ان تفعله، هو ان تستشعر المانا بعدها توجهها نحو الأعضاء الاربعة. بسيط اليس كذلك".
" اجل بسيط، ولكن ايضا كيف ؟".
أكمل راندولف." اغمض عينيك، وركز على البلورة التي بين يديك، اظن ان تشعر بشعور حول أصابعك، بعد ذلك، حاول ان تحرك هذا الشعور وتراه".
" هاه، هل هذا منطقي".
ضحك راندولف." السحر ليس منطقي ايها الصغير. افعل ما قلته، وسوف تفهم".
لم يسأل فينسينت كثيرا وفعل مثلما قال. اغمض عينينه ركز على البلورة التي بين يديه.
كان الشعور الذي يلامس أصابعه مازال متواجد، لم يكن يعرف كيف يمكنه ان "يحركه" او "يراه" ولكنه حاول ان يتخيل الأمر. بعد القليل من الوقت، شعر بتيارات سريعة تمر عبر أصابعه وتذهب في كل جسده، وعندها بدأ يرى أشعة غريبة امام عينيه، كانت الأشعة تتحرك بشكل سريع جدا، كما ان لديها ألوان مختلفة واشكال حتى.
بعض لديه لون احمر ويتحرك بشكل تصاعدي. اما البعض الآخر الذي كان لديه ألوان غامقة وكان ثابت ولا يتحرك.
_______
رأيكم في الفصل