جلس فينسينت على حافة الجرف الصخري، مُتأملًا بحر الاشجار والبحيرات الصغيرة أمامه. كانت الرياح تعصف بشعره، لكن رغم الهدوء الذي يحيط به، كان قلبه في حالة من الاضطراب. كانت تلك اللحظات هي الأكثر هدوءًا التي شعر بها منذ وصوله إلى هذا العالم ، ولكن هناك شيء ما كان يثقل صدره. لقد مرّت عدة أيام منذ أن اكتشف مفتاح التحكم بالمانا، ومع ذلك، كان ما يزال غير قادر على فهمها كما ينبغي.

"المانا ليست القوة، بل هي جزء منها، ومن أجل أن تتحكم بهذا الجزء عليك أن تفهمها." كانت هذه كلمات راندولف تردد في ذهنه، وهي لا تفارق عقله منذ أن سمعها. المانا بالنسبة له لم تكن مجرد طاقة يمكن استخدامها عند الحاجة، بل هي أكثر من ذلك بكثير. كانت هي الرابط الذي يربط بين الأنظمة المختلفة في هذا العالم، وإذا أراد فهمها، كان عليه أن يدرك كيف يعمل هذا الرابط، وليس فقط كيف يسيطر عليه.

تذكر أول تمرين بدأه مع راندولف. كان راندولف قد أخبره في بداية تدريبه: "المانا ليست شيئًا يمكنك الإمساك به أو توجيهه كما تشاء، إنها مثل تيار مياه هادر. إذا أردت أن تستخدمها، يجب أن تفهم كيف تتعامل مع هذا التيار، لا أن تحاول أن تقاومه." كان فينسينت في البداية مترددًا، معتقدًا أن المانا هي شيء يمكنه استخدامه بشكل مباشر، كما يفعل مع أي قوة أخرى. لكن راندولف كان يعلم أنه بحاجة إلى تعلم شيء أكثر أهمية: الصبر.

المانا، كما شرح له راندولف، هي وسيلة لتحقيق القوة، ولكنها ليست القوة نفسها. إنها الرابط بين الأشياء: بين العناصر، بين المسارات، بين النسيج الكوني. إذا كان فينسينت يريد استخدام المانا بفعالية، كان عليه أن يفهم هذا الرابط. كانت المانا تشبه شبكة غير مرئية تربط بين كل شيء، وإذا أراد أن يسيطر عليها، عليه أولًا أن يتعلم كيف يفهم هذه الشبكة وطبيعتها.

أغمض فينسينت عينيه وأخذ نفسًا عميقًا. لم يكن الهدف من تدريبه هو جمع المانا في من بلورة أو محاولة امتصاصها كما كان يفعل في البداية. هذه المرة كان يهدف إلى فهم المانا وتجميعها من العالم من حوله مباشرة. لم يكن يريد أن يراها كطاقة محبوسة يمكنه التحكم بها متى شاء، بل كان يريد أن يرى كيف تنساب في كل مكان، كيف تتواجد في الهواء، في الأرض، في البحر، في كل شيء.

بدأ فينسينت يركز على محيطه. أصوات الرياح التي تعصف بالأشجار، وأمواج البحر التي تتحطم على الصخور، والحركات الخفيفة للأشياء من حوله. لم تكن هذه مجرد أصوات أو حركات عشوائية. كان كل شيء يتناغم مع بعضه، وكان يشعر أن هناك شيئًا غير مرئي يربط بين كل هذه العناصر. وهذا الرابط، الذي كان يشعر به في كل لحظة، هو المانا.

لم يكن الأمر كما كان يظن في البداية، أن المانا هي طاقة يجب جمعها بشكل فوري وبدون تفكير. كانت المانا جزءًا من كل شيء من حوله. كانت الطريقة التي تتحرك بها الأشياء، الطريقة التي تتفاعل بها العناصر. بدلاً من محاولة جمع المانا بشكل مصطنع، بدأ فينسينت يشعر بها تتسلل إلى جسده بشكل طبيعي، كما لو كانت جزءًا منه منذ البداية.

كانت المانا تتدفق في داخله كما تتدفق المياه في مجرى طبيعي. لم يكن هناك صراع، لم يكن هناك محاولة لفرض السيطرة على شيء ما. كانت فقط تتدفق، وفي هذه التدفقات كان فينسينت يدرك ببطء كيف يمكنه التفاعل معها. كان تجميع المانا اسهل عند فهمها .

"المانا ليست حياة، وليست قوة بحد ذاتها، بل هي حلقة وصل بين كل شيء." كانت هذه الكلمات تعود إليه مجددًا. المانا لم تكن شيئًا يمكنه امتلاكه أو السيطرة عليه بالقوة. كانت هي الرابط، الذي يربط بين العناصر، بين الحياة والموت، بين المسارات واختلاف قواتها، إذا أردت ان تتحكم بكل هذا، عليك ان تتحكم في التي تربط بينهم كلهم.

شعر فينسينت بشيء عميق في قلبه، كما لو أن الغيوم التي كانت تحجب رؤيته بدأت تتلاشى أخيرًا. بدأ يدرك أن المانا هي شيء يجب أن يتعامل معه برفق، بفهم، وليس بالقوة. كانت مثل النهر الذي ينساب في مجراه، لا يمكن إجباره على التوجه في طريق غير طريقه، لكن يمكن فهم هذا المجرى لتغير طريقه.

عندما فتح عينيه ببطء، كانت الرياح ما تزال تعصف من حوله، لكن قلبه كان أكثر هدوءًا. لم يكن بحاجة بعد الآن للركض وراء القوة. المانا كانت موجودة، لكنها لم تكن شيئًا ليُحارب من أجله. كانت جزءًا من العالم، وجزءًا من حياته. كانت الحلقة التي تربط بين كل شيء.

ابتسم فينسينت لنفسه. لأول مرة منذ فترة طويلة، شعر وكأن المانا قد بدأت تصبح أكثر وضوحًا له. لم يكن بحاجة للتحكم فيها بالقوة، بل كان عليه فقط أن يتعلم التحكم بها عن طريق فهم طبيعتها.

ونجح في هذا اخيرا.

______

عذرا على الفصل القصير

ورأيكم به

2024/11/24 · 16 مشاهدة · 723 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025