في الليل الدامس، كان القمر الأصفر يضيء الأفق وكأنه شمعة تنير الأرض كلها. انتشرت ألوان الأعشاب الخضراء في المشهد كما لو كانت بحرًا لا نهاية له. كانت الطبيعة صامتة، والهواء خفيفًا، يعبر بين الأشجار بلطف، ليضيف للمشهد جواً من السكون الغامض. كل شيء حول راندولف كان يسير في تناغم مثالي مع الهدوء الذي يعم المكان، لكن هو لم يكن متأثرًا بكل هذا الجمال.

كان راندولف يقف أمام طاولة خشبية قديمة، موضوعة عليها أدوات وموارد مختلفة. كانت هناك أعشاب عادية، وفتات صخري غريب الشكل، إضافة إلى كرة لامعة بها نتوءات صلبة تبرز منها بشكل غير طبيعي. بدت كما لو أنها تحتوي على طاقة غامضة لم تكشف بعد. بينما كان يركز في عمله، كان الضوء الذي سطع من نافذة الغرفة الصغيرة يعكس ظلالًا على الجدران، كأنها ترقص مع إشراق القمر في الخارج.

كان راندولف غارقًا في التفكير، وعيناه مشدودتان إلى الأداة التي بين يديه. لم يكن يشعر بالحاجة إلى مراقبة ما حوله. كان عقله مشغولًا بأمر آخر. من تعبير وجهه، كان واضحًا أن كل شيء في هذا العالم كان ثانويًا بالنسبة له في تلك اللحظة. حتى لو كان نيزكًا ضخمًا قد سقط أمامه، لما كان قد انتبه لذلك.

مرت عدة أيام منذ أن بدأ فينسينت تدريبه تحت إشراف راندولف، وكانت وتيرة تطوره رائعة. رغم أنه لم يقوِ بعد أول أعضاء جسده، إلا أن سرعته كانت أعلى بكثير من المتوسط، وأصبح راندولف يرى في فينسينت إمكانيات غير متوقعة.

كانت عملية تقوية الأعضاء أمرًا مرهقًا للغاية، سواء من الناحية البدنية أو الجسدية. كان على الشخص أن يركز بالكامل على تقوية تلك الأعضاء، دون أن يعير أي اهتمام لما يحيط به. كانت رحلة شاقة من التمرين المتواصل، من دون راحة حقيقية.

لكن الجانب الجسدي كان الأكثر إرهاقًا. كان يتطلب من الشخص أن يعرض جسده للمانا لفترات طويلة، من الداخل والخارج، دون أن يحصل على الفرصة للراحة. كانت المانا تمتص القوة من كل عضو في الجسم، وتبدأ ببطء في إعادة هيكلته، لكنها كانت أيضًا تجعل الجسم يشعر بالتعب الشديد.

مع مرور الوقت، بدأ راندولف في العمل على ما كان يخطط له. أخذ فتات الصخور الذي جمعه مسبقًا، بالإضافة إلى الأعشاب التي كان قد حصدها، وضعها في قدر مملوء بالماء. بدأ في طحن الأعشاب بهدوء، ليصنع خليطًا متجانسًا. بعد أن انتهى من ذلك، أخذ الفتات مع الأعشاب المطحونة ووضعها في الموقد، حيث بدأ يسخن الخليط.

انطفأت النار تدريجيًا، وعندما خفت اللهيب، أخرج راندولف الكرات الصغيرة من الموقد ووضعها بعناية على الطاولة. كل كرة كانت مليئة بخطوط صغيرة بألوان متشابكة، بينما كان يشع منها ضوء ذهبي مائل للبياض. بدأ راندولف يخفي الكرات في كفه واحدة تلو الأخرى، وفجأة بدأت الأضواء تتكاثف وتنطلق في خطوط لامعة.

تنهد راندولف بعمق وهو يواصل عمله، مبدأًا في صنع المزيد من الأدوات المشابهة. كانت تلك الأضواء والكرات تجسد المانا في شكل ملموس، وكانت كل واحدة تمثل مرحلة في تحسين مهاراته، وتطوير قدراته.

...

في الصباح التالي، استفاق فينسينت على ضوء الشمس الذي ضرب وجهه مباشرة، كما لو أن الشمس نفسها كانت تمازحه، تدفعه للاستيقاظ. فتح عينيه ببطء، وكان يشعر وكأن هناك عاصفة ثلجية عابرة أمامه. جلس على السرير المصنوع من القش، وجلس برهة ينظر إلى الغرفة.

من خلال نافذة صغيرة في الجدار، رآى راندولف جالسًا على كرسيه أمام الموقد. استدار عندما شعر بحركة خلفه. كان فينسينت قد استفاق أخيرًا.

"أوه، أنت مستيقظ؟ كنت سأقوم بإيقاظك، لكن يبدو أن الشمس قد أنجزت المهمة هذه المرة." قال راندولف وهو يبتسم بلطف.

"نعم، يبدو أن الشمس قامت بعملك هذه المرة." أجاب فينسينت بصوت نعس، وضحك راندولف على كلماته. وقف راندولف من على الكرسي وأخذ خطوة نحو فينسينت.

"حسنًا، استيقظ تمامًا وابدأ تدريبك. لقد مرت أيام منذ أن بدأت في جمع المانا، وأعتقد أنك قريب من تقوية بشرتك."

غادر الاثنان الكوخ متجهين إلى الساحة الكبيرة التي كانت في قلب الغابة. كان الجو هادئًا بشكل غير عادي، والهواء عذب ونقي. شعر فينسينت أن ذهنه أصبح هادئًا تمامًا، مثل الماء الراكدة في بحيرة معزولة. كان عقله يتساءل عن المستقبل: بعد أن يقوي أول عضو له، ماذا سيحدث؟ كيف ستكون قوته بعد أن يقوي جميع أعضائه؟ والأهم من ذلك، ماذا سيحدث عندما يخرج من هذه الغابة؟

لكن فورًا، توقف فينسينت عن التفكير. أدرك أنه لن يجد إجابات لتلك الأسئلة الآن، وأن الوقت سيكشف له كل شيء في المستقبل. ومع هذا التفكير، أكمل سيره مع راندولف حتى وصلا إلى الساحة المحاطة بالأشجار، التي كانت منقوشة برموز غريبة، وكأنها كانت تحفظ أسرارًا قديمة.

أمر راندولف فينسينت بالجلوس في منتصف الساحة والتركيز على تدريبه.

لقد حاول فينسينت سابقًا جمع المانا، لكنه في كل مرة كان يفشل. إما أنه كان ينقطع عن التنفس، أو يشعر بألم شديد في صدره أو رئتيه. وفي مرات أخرى، كان تركيزه يضعف فجأة، مما يجعله يفقد السيطرة. عندما سأل راندولف عن السبب، أخبره أنه كان يعتقد أن جسده لم يكن قويًا بما فيه الكفاية لتحمل عملية التركيز لفترة طويلة. وهذا كان يسبب إجهادًا غير طبيعي لجسده.

لكن هذا اليوم كان مختلفًا. الآن، هو يعرف بالضبط ما عليه فعله. بدأ فينسينت بالتركيز، وتحرّكت المانا ببطء حوله، مكونةً أشعة ملونة تلتف حول بعضها البعض. شكلت هذه الأشعة دائرة ثم تفرقت لتصبح دوائر أصغر. كل دائرة كانت تتميز بلون مختلف، يراوح بين الأزرق السماوي والبحري العميق، وبعضها كان أبيضًا مثل الثلج.

شعرت الأشعة وكأنها تسرع في الحركة، وكأنها قطار ضوء سريع. اقتربت الأشعة من فينسينت، وبدأت تلامس بشرته. في البداية، لم يشعر بأي شيء سوى وخز خفيف، وكأنها لمسات خفيفة من نباتات شائكة. لكن بعد لحظات، بدأ يشعر بشيء غريب، وكأن لحمه يذوب ويذوب، ثم يعود ويتجمد فجأة، كما لو أنه تعرض لهجوم بارد وحاد.

مرت لحظات أخرى، ولكن الشعور استمر، وتبدل بسرعة، فبعد أن كان الألم متسارعًا، أصبح الوخز شيئًا أكثر هدوءًا، كما لو أن تلك الأشعة التي كانت تضرب بشرته أصبحت أقل حدة.

فتح فينسينت عينيه أخيرًا، وهو يتصبب عرقًا. نظر حوله ليرى الشمس قد بدأت تغرب في الأفق، وكان يدرك أنه قد مر وقت طويل جدًا منذ بدأ في التدريب. نظر إلى راندولف، الذي كان يبتسم بابتسامة حارة.

"أحسنت، أيها الفتى، لقد نجحت في تقوية بشرتك." قال راندولف بفخر.

تفاجأ فينسينت. كان يعتقد أنه فشل مرة أخرى، ولكن اتضح له أنه قد نجح بالفعل في تخطي المرحلة الأولى من التدريب. ‎

____

رأيكم في الفصل.

2024/11/25 · 15 مشاهدة · 976 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025