"كل واحد من هؤلاء المتسامين أسس مملكة خاصة به، ولكن الفرق بين ممالكهم والممالك النموذجية التي قد تراها هو أنها كانت تقع خارج هذا العالم."
كان فينسينت منصتًا بإمعان، ولكن لم يتمكن من كبح دهشته، فسأل:
"كيف يمكن أن تقع مملكة خارج العالم؟ هل هذا حتى ممكن؟"
ضحك راندولف ضحكة خافتة، تشبه صوت الرياح وهي تعبث بأوراق الشجر اليابسة، ثم قال:
"بالطبع ممكن. كانت ممالكهم ترتكز على حواف عالم نيوناد، حتى أن بعضها امتد إلى عوالم أخرى أقل قوة من هذا العالم. هؤلاء المتسامون لم يروا في حدود العالم عائقًا، بل جسرًا يعبرونه متى شاءوا."
لم تكن فكرة العوالم الأخرى غريبة على فينسينت، فقد جاء هو نفسه من عالم مختلف، لكنه لم يستطع منع قلبه من الخفقان بقوة أمام تخيل عظمة هؤلاء المتسامين. كيف لمن يحكم عوالم أن تحده قوانين الطبيعة؟ تساءل بصوت خافت يكاد لا يُسمع:
"إذاً... هل لقوتهم حدود؟ هل يمكنهم حقًا تدمير أو إنشاء عوالم؟"
هز راندولف رأسه بتروٍ، وقال بصوت هادئ يشوبه ثقل الحكمة:
"لا تغتر بالظاهر يا فتى. صحيح أن قوتهم هائلة وتفوق إدراك العقول العادية، لكنهم ليسوا آلهة. لكل كائن حد، ولكل قوة نهاية. قد يتحكمون بمسارات كونية كاملة، ولكن خلق العوالم أو تدميرها ليس كما تظن. حتى المتسامين يحتاجون سنوات طويلة من الحروب والصراعات، وربما يفشلون في النهاية."
رفع فينسينت حاجبًا وهو لا يزال حائرًا:
"إذاً... لديهم نقاط ضعف؟"
ضحك راندولف ضحكة مفعمة بالسخرية، ثم قال:
"بالطبع. كل كائن تحت السماء له نقاط ضعف. لكن المتسامين يعوضون ذلك بخبراتهم التي تتجاوز حدود الزمن، وبقوتهم التي تجعل حتى الكوارث الكبرى تبدو وكأنها أحداث عابرة."
ثم أضاف بنبرة جدية:
"لنعُد إلى القصة. لفترة طويلة، عاش عالم نيوناد في سلامٍ وازدهار تحت حكم هؤلاء المتسامين. كان العالم أشبه بلوحة مرسومة بإتقان، تتناغم فيها الحياة والقوة. لكن كما تعلم، السلام دائمًا هشّ، وسرعان ما انقلبت الأمور."
تغيرت ملامح فينسينت قليلاً، وشعر بنذير خطر يتسلل إلى قلبه. سأل بصوتٍ مضطرب:
"ما الذي حدث؟"
تنهد راندولف، وكأن الإجابة تحمل معه أثقال قرونٍ مضت، ثم قال:
"بدأ كل شيء عندما ظهرت أعراض غريبة على متسامي الواقع. أعراض تدل على أنه فقد عقله. ومع تدهور حالته، أعلن حربًا شعواء ضد باقي المتسامين، ساعيًا للسيطرة على العالم بأسره. تحالف معه متسامي الموت ومتسامي اللهب. وهكذا بدأت حرب عظيمة مزقت كل شيء."
أخذ راندولف نفسًا عميقًا وأكمل:
"كانت تلك الحرب هي الأعنف في تاريخ نيوناد. عشرات الملايين قُتلوا، والممالك التي أسسها المتسامون دُمِّرت تمامًا. متسامي الموت قُتل في النهاية على يد تحالف متسامية المياه المقدسة ومتسامي الغضب ومتسامي الليل الأبدي. لكن النصر لم يأت دون ثمن. فبعد تلك المعركة، ماتت متسامية المياه المقدسة ومتسامي الليل الأبدي، وانهارت ممالكهم معهم. أما متسامي اللهب، فقد أشعل الأرض نارًا أبادت كل شيء قبل أن يختبئ في مكان مجهول. وأخيرًا، كانت هناك المواجهة الحاسمة بين متسامي الواقع ومتسامي الظلام."
سأل فينسينت وقد شردت عيناه في الفراغ:
"لكن أليس مسار الواقع أقوى من الظلام؟"
ابتسم راندولف ابتسامة باردة كأنها تحمل سخرية العارف، وقال:
"ليس كما تتخيل. مسار الواقع قد يكون عظيمًا، لكنه يعتمد على قوانين العالم. أما الظلام، فهو الفوضى التي تمزق هذه القوانين. متسامي الظلام كان يشوه الفضاء نفسه، ويفتح بوابات من العدم تبتلع هجمات متسامي الواقع. ومع مساعدة متسامية القمر الفضي، تمكنا من ختمه. لكن الثمن كان فادحًا."
كان وجه فينسينت الآن خليطًا من الحيرة والخوف، فسأل بنبرة مرتجفة:
"ماذا حدث بعد ذلك؟"
أجاب راندولف بصوت خافت، وكأن كل كلمة تقطر ألمًا قديمًا:
"لا أحد يعلم. كأن ما حدث في تلك اللحظة تم محوه من الوجود. حتى المتسامين الذين بقوا على قيد الحياة لا يعرفون الحقيقة الكاملة. هناك أساطير تقول إن الختم لم يكن كاملًا، وإن متسامي الواقع لا يزال يقاوم من داخله، يحاول كسره."
رفع فينسينت حاجبيه بدهشة وقال:
"لكن ألم يشارك كل المتسامين في الحرب؟"
هز راندولف رأسه وقال:
"لا. البعض اختبأ في ممالكه الخاصة، مثل متسامي العواصف. وهناك متسامون جدد ظهروا لاحقًا، مثل متسامي الوحوش ومتسامي الأرواح. لكن بعضهم كان ضعيفًا نسبيًا ولم يكن له تأثير كبير."
تردد فينسينت للحظة، ثم سأل بصوت متردد:
"إذاً... هل كان هناك متسامون جدد أقوياء؟"
أجاب راندولف بابتسامة غامضة:
"بالطبع. متسامي السموم، على سبيل المثال، كان له دور محوري في تسميم متسامي الواقع، مما جعل عملية ختمه ممكنة. يقال إن السم الذي استخدمه كان من نوع نادر جدًا، يصيب الجوهر الروحي، وليس الجسد فقط."
ثم أضاف بنبرة حازمة:
"لكن لا تظن أن المتسامين الجدد كانوا كأولئك العظماء. إرثهم كان أقل شأنا، وقوتهم لم تصل لمستوى المتسامين القدماء. كل عصر يحمل عظماءه، ولكن ليس بالضرورة أن يتكرر مجد الأوائل."
سأل فينسينت بفضول متزايد:
"كيف عرفت كل هذا؟ إذا كانت الحقيقة ضائعة، فكيف وصلت إليك؟"
ابتسم راندولف، لكن عيناه كانتا تحملان مزيجًا من الحزن والاعتزاز. قال:
"كما ذكرت، بعض المتسامين تركوا إرثًا. متسامية القمر الفضي كانت أم جان الأقمار. وأنا كنت أحد مراسليها. منذ صباي، خضعت لطقوس جعلتني حاملًا لإرثها، وقد نقلت لي هذه المعرفة قبل وفاتها."
اندهش فينسينت وقال بصوت مرتعش:
"إذاً... أنت من جان الأقمار؟"
هز راندولف رأسه وقال بهدوء:
"نعم، ولدت من نسلها، وحملت إرثها لفترة من الزمن. لكنها ماتت منذ زمن بعيد. قبل أن ترحل، شاركتني كل هذه الحقائق، وكأنها كانت تعلم أن وقتها قد انتهى."
صمت راندولف للحظة، ثم أكمل بنبرة ملؤها الحزم:
"والآن، أنت هنا، تحمل عبئك الخاص. لا تسألني عن سبب رؤيتك لتلك الأحلام، لكن ما أعلمه يقينًا هو أنك بحاجة لأن تصبح أقوى. ففي هذا العالم، فقط الأقوياء هم من يملكون الحق في تقرير مصائرهم."
جلس فينسينت يفكر مطولًا، كلمات راندولف تطرق عقله كالمطارق. القوة... هل حقًا هي المفتاح الوحيد للبقاء؟
نظر راندولف إليه بنظرة حكيم رأى الكثير وقال:
"اجعل كلماتك أفعالًا يا فتى. ففي النهاية، العالم لا ينتظر أحدًا ليغيره، فهو يتغير دائما، وما عليك حاليا فعله ريثما تحصل على القوة هو ان تتأقلم مع هذه التغيرات."
_______
رأيكم في الفصل
ايضا سوف أتوقف عن النشر لمدة أسبوعين او ثلاث بسبب بعض الانشغالات ايضا من اجل ان اكتب المزيد من الفصول
أتمنى ان تكونوا بخير حتى ذلك الوقت