كانت الغابة ممتدة أمامهم كبحرٍ لا نهائي من الظلال والأصوات، حيث تمايلت الأشجار الشاهقة مع الرياح، تنقل معها همسات الطبيعة وصيحات الطيور البعيدة. كان فينسينت يسير خلف راندولف، يحاول مجاراة خطواته السريعة والواثقة وسط الأرض الوعرة.

"إلى متى سنستمر في السير؟" سأل فينسينت بصوت يحمل مزيجًا من الضيق والملل. "لا يبدو أننا نقترب من أي شيء. أم أن هذا اختبار للصبر؟"

راندولف، كعادته، لم يلتفت إليه، لكنه رد بعد لحظة بصوت هادئ: "إن كنت تملك وقتًا لتشكو، فاستغله في مراقبة ما حولك."

توقف فينسينت عن السير، حاجبًا عينيه عن الشمس التي بدأت تتسلل من بين أوراق الأشجار الكثيفة. "مراقبة ماذا؟ الغابة؟ الأشجار؟ أم الظلال التي تبدو وكأنها تنتظر الفرصة لتبتلعنا؟"

تجاهله راندولف، لكنه أشار إلى الأمام بيده. "هذه الغابة ليست كما تراها. في كل خطوة تخطوها، هناك شيء يراقبك. ربما حيوان، ربما شيء آخر."

شعر فينسينت ببرودة غريبة تزحف على عموده الفقري. "أنت تتحدث وكأن الغابة حيّة..."

"ومن قال إنها ليست كذلك؟" أجاب راندولف بابتسامة غامضة.

بينما كانوا يسيرون، تذكر فينسينت شيئا. تذكر الميتم الذي كان فيه، تذكر انضمامه إلى الأخوية، تذكر الكثير من الأمور وقارنها بما يحدث معه الان وما يتوقعه ان يحدث في المستقبل

"هل تفكر في شيء؟" قطع صوت راندولف أفكاره.

"لا شيء مهم." رد فينسينت بسرعة، محاولًا أن يبدو غير مكترث.

"أحيانًا، الماضي هو ما يُبقينا على قيد الحياة في مواجهة ما هو قادم." قال راندولف بغموض.

بعد ساعة أخرى من السير، بدأ المكان يتغير. الأشجار أصبحت أقل كثافة، والهواء أصبح أكثر برودة. توقف راندولف فجأة وأشار بيده نحو أسفل المنحدر.

"ها نحن ذا."

تقدم فينسينت ببطء إلى جانب راندولف ونظر إلى الأسفل. كانت هناك ساحة مفتوحة محاطة بجدران صخرية عالية، وفي وسطها كهف مظلم يشبه فم وحش يترصد فريسته.

"لا تقل لي أن..." بدأ فينسينت، لكن صوته اختفى عندما خرج من الكهف مخلوق ضخم.

كان دبًا بفرو أسود كثيف، لكن ما لفت انتباه فينسينت حقًا هو الخطوط الحمراء التي بدت وكأنها تنبض على جسده، وكأنها شرايين مكشوفة. كانت عيناه اللامعتان تحدقان مباشرة نحو الأعلى، وكأنهما تدركان وجوده.

"هذا ليس جيدًا." تمتم فينسينت، يتراجع خطوة للخلف. "أهذا ما علي التعامل معه؟"

"هذا اختبارك." قال راندولف بهدوء وضحك قائلا، ثم أدار رأسه وذهب بعديا.

"اختبار؟!" صاح فينسينت، لكنه لم يملك وقتًا للاعتراض. شعر بدفعة مفاجئة من يد راندولف أوقعته من أعلى المنحدر.

تدحرج فينسينت على الأرض، جسده يرتطم بالصخور والحصى. عندما توقف أخيرًا، رفع رأسه ببطء ليرى الدب يقف أمامه. كان المخلوق ضخمًا كالطود، وكل خطوة منه تهز الأرض.

"راندولف! أقسم أنني سأقتلك عندما أخرج من هنا!" صرخ فينسينت، لكنه لم يحصل على أي رد.

زأر الدب، وكأن الصوت يحمل معه تهديد الموت.

'لا مجال للهرب.' فكر فينسينت.

تذكر تدريبًا آخر من الأخوية: "إذا كنت أضعف من خصمك، فلا تحاول مواجهته وجهًا لوجه. استخدم بيئتك لصالحك."

التقط صخرة من الأرض ورماها نحو الدب بكل قوته. ارتطمت الصخرة بجبين الدب، لكنها لم تفعل سوى أن تثير غضبه. اندفع الدب نحوه بسرعة مذهلة، رافعًا مخلبه العملاق ليضربه.

تحرك فينسينت بسرعة، يتجنب المخلب بالكاد، لكن الأرض تحت قدميه اهتزت بشدة عندما ضرب الدب. عثر على سيف مكسور ملقى على الأرض، رفعه بسرعة.

عندما اقترب الدب مرة أخرى، اندفع فينسينت نحو ساقه، مستخدمًا السيف لطعنه بزاوية محددة. أصدر الدب صوتًا مليئًا بالألم، لكنه لم يتوقف.

بدأ القتال يتحول إلى صراع إرادات. كل ضربة من الدب كانت كفيلة بتحطيم الصخور، وكل خطوة منه تجعل الأرض تهتز. لكن فينسينت كان يتحرك برشاقة، يتذكر كل تدريب تعلمه.

'لا تستنزف قوتك. دع العدو يستهلك نفسه.'

وأخيرًا، بعد دقائق طويلة، أصدر الدب زئيرًا أخيرًا وتراجع نحو الكهف، يجرّ ساقه المصابة خلفه.

تنهد فينسينت وشعر أن عقله يعيده إلى ماضٍ كان يفضل نسيانه. إلى تلك الأيام التي قضاها في الأخوية، حيث كان مجرد صبي يحاول النجاة وسط عالمٍ مظلم

تذكر تدريبه الأول حيث انه رمي في ساحة كبيرة مع مجموعة أخرى من الأطفال، من النظرة الاولى قد يقول البعض انه اختبار للقوة، ولكن العكس من ذلك، كان المغزى منه هو اختيار المؤهل للبقاء.

' كان البقاء حاجة، وهذه الحاجة هي التي جعلتنا نصبح اقوى."

تذكر كيف تعلم الاستماع لأنفاس الأرض، قراءة تحركات الأعداء من أدق التفاصيل. كانت تلك الدروس قاسية، لكنها أنقذته أكثر من مرة.

جلس فينسينت على الأرض، جسده منهك وروحه تكاد تنهار من الإرهاق. شعر بشيء غريب. كأن جسده يستجيب بطريقة لم يختبرها من قبل.

جلس على الأرض وبدأ يركز على تدفق دمه، أغمض عينيه وسمح لنفسه بالاستماع إلى نبضه الداخلي. بعد لحظات، شعر بتغير غريب. وكأن قوة جديدة تنبعث من داخله.

'ما هذا؟' فتح عينيه، ونظر إلى يديه المرتعشتين. 'هل يمكن أن يكون هذا...؟'

ابتسم رغم كل شيء. ربما كان على وشك الموت من هذا الحدث المفاجئ، ولكنه قد خرج بجائزة ضخمة على الأقل

________

رأيكم في الفصل

2024/12/18 · 22 مشاهدة · 744 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025