الغابة بدت وكأنها قد وقفت في حالة من الصمت الغريب، كل شيء كان ساكنًا عدا حفيف الأوراق الذي تحرك مع النسيم البارد الذي تسلل بين الأشجار العملاقة. الشمس قد غابت تقريبًا، تاركة السماء تشتعل بألوان الغروب، من برتقالي دافئ إلى بنفسجي هادئ. جلست الظلال الثقيلة بين جذوع الأشجار وكأنها تحاول التمدد واحتلال المكان بالكامل.

جلس فينسينت عند مدخل الكهف، ظهره مستند إلى صخرة كبيرة، وعيناه تنظران إلى يديه وكأنهما تحملان أسرار العالم بأسره. كان يشعر بتوهج خفيف ينبعث منهما، إحساس جديد وغريب يجتاح جسده كما لو كان يكتشف ذاته للمرة الأولى.

"تقوية الدم... لم أتوقع أن يكون الأمر سريعًا إلى هذا الحد." فكر وهو يحاول تذكر الدروس التي تلقاها من راندولف. كان يعرف أن العملية شاقة وتتطلب تركيزًا طويلاً، لكنها بدت له كأنها تحدث بشكل طبيعي وسلس.

رفع رأسه نحو الأفق الذي كان يبتلع آخر خيوط الضوء. تنهد بعمق، شعر بالإرهاق الذي اجتاحه بعد معركة البقاء ضد الدب الضخم، ثم الساعات التي أمضاها في تقوية جسده. كان يعلم أنه بحاجة إلى الراحة، لكن وجود ذلك الوحش في الداخل أبقاه في حالة من التوتر المستمر.

'إذا خرج الدب الآن، فلن أتمكن من مقاومته.'

استيقظ فينسينت فجأة على ضوء الشمس الذي تسلل إلى عينيه من خلال أغصان الأشجار. فتح عينيه ببطء وهو يشعر بالثقل في جسده وكأن الليل لم يكن كافيًا ليرتاح. كان الجو هادئًا، لكنه لم يستطع تجاهل الصوت الذي تردد داخل عقله: شيء ما ليس على ما يرام.

دوم!

تردد صوت مدوٍ من داخل الكهف، كأن شيئًا ثقيلًا قد اصطدم بالأرض. وقف فينسينت بسرعة، يده امتدت غريزيًا نحو خنجره. كان جسده مشدودًا بالكامل، كل حواسه مركزة على مدخل الكهف المظلم.

"هذا الدب... لا بد أنه يحاول التحرك."

لكنه انتظر، لم يسمع شيئًا آخر. لم يكن لديه خيار سوى الدخول. أخذ نفسًا عميقًا، ثم خطا إلى داخل الكهف.

رائحة الرطوبة كانت أول ما ضرب أنف فينسينت بمجرد أن دخل. الهواء كان ثقيلًا، كأنه يحمل معه ذكريات قديمة وعالقة في هذا المكان المظلم. تقدم بخطوات حذرة، كل خطوة كانت تُصدر صوتًا خافتًا على الأرض الحجرية.

الجدران المحيطة به كانت تتلوى بأشكال غريبة تحت ضوء المشعل الصغير الذي حمله. قطرات الماء التي تساقطت من السقف صنعت موسيقى بطيئة، إيقاعها كان يملأ الفراغ الكئيب.

بعد دقائق من المشي، بدأ يرى شيئًا ضخمًا مستلقيًا على الأرض أمامه. توقف للحظة، ثم ركز بصره على الكتلة المظلمة.

'إنه الدب.'

كان الوحش يحاول التحرك، لكنه بدا وكأنه مكبل بجراحه. استطاع فينسينت رؤية الدم الذي انتشر على الأرض، لونه الداكن يلمع تحت ضوء المشعل. اقترب بحذر، قلبه ينبض بسرعة، لكن عينيه كانتا ثابتتين على الوحش.

' يبدو ان إصابته قد تفاقمت. ظننت ان الجرح قد يغلق، او على الأقل لا يكون بهذه الحالة.'

كان واضحًا أن الدب يعاني. أطلق زفيرًا عميقًا وكأنه يستسلم للواقع. لم يكن هناك هجوم، ولا حتى محاولة للزحف نحوه.

"هذه هي النهاية بالنسبة لك."

انحنى فينسينت وسحب النصل الفضي الذي كان بجانب جسد الدب. حمله بيد ثابتة وتوجه نحو رأسه. أخذ لحظة ليتنفس بعمق، ثم تحدث بصوت منخفض:

"لا تلومني... كنت فقط أحاول البقاء على قيد الحياة."

رفع النصل ثم غرسه بقوة في جمجمة الدب. كان الصوت الناتج عن الاختراق مزيجًا من العظام التي تنكسر واللحم الذي يتمزق. ارتجف جسد الدب للحظة، ثم خمد تمامًا. الدم اندفع كنافورة صغيرة من الجرح، ليصل إلى وجه فينسينت ويديه.

تراجع قليلاً ونظر إلى الوحش الميت أمامه. كان الأمر غريبًا، لكنه شعر بنوع من الانتصار، حتى لو كان طعمه ممزوجًا بمرارة الدم.

"أول كائن أقتله في هذا العالم... دب. حسنًا، ليست أسوأ بداية."

بعد أن تأكد من موت الدب، تابع السير في الكهف. كان الظلام يزداد مع كل خطوة، لكنه شعر بأن هناك شيئًا يدفعه للاستمرار. الأرضية الحجرية بدأت تصبح أكثر نعومة، وكأنها مغطاة بطبقة من الطين.

بعد وقت بدا كأنه لا نهاية له، داس فينسينت على شيء غريب. كان ملمسه ناعمًا ومبللًا بعض الشيء. انحنى ليفحصه بيده، فاكتشف أنه عشب أخضر.

"عشب؟ في كهف؟"

رفع رأسه ونظر للأمام، حيث بدأ يرى ضوءًا خافتًا ينبعث من مسافة بعيدة. تسارع نبضه مع كل خطوة. الضوء كان يصبح أقوى وأوضح، حتى خرج أخيرًا من الكهف إلى عالم مختلف تمامًا.

كانت هناك بحيرة كبيرة تمتد أمامه، مياهها زرقاء لامعة تعكس السماء التي بدت صافية كالكريستال. الأشجار الضخمة التي أحاطت بالبحيرة جعلت المكان يبدو وكأنه مخفي عن العالم الخارجي. الصخور التي برزت من الماء كانت كجزر صغيرة، بعضها كبير بما يكفي لجلوس شخصين.

وبينما كان يتأمل المشهد، لفت انتباهه شيء آخر. في منتصف البحيرة، على صخرة كبيرة، جلست امرأة. كان لها شعر طويل أزرق كالسماء، ويقابله ظهرها الذي كان عاريا ونقيا مثل المياه الباردة ايضا ذيل ينتهي بزعانف أرجوانية تتلألأ تحت ضوء الشمس.

'حورية!...'

تجمد فينسينت في مكانه، غير قادر على تحويل نظره عنها. الحورية بدورها لاحظته، عيناها الواسعتان امتلأتا بالدهشة. ثم، وبحركة مفاجئة، قفزت إلى الماء واختفت.

لم يمر وقت طويل حتى شعر بشيء يلتف حول كاحله. كانت يد بيضاء ناعمة، لكن قبضتها كانت قوية بشكل لا يصدق.

تفاجئة فينسينت من هذا وحاول الهروب من قبضتها. سقط السيف الفضي من يده ووقع على الارض بجانبه.

حاول المقاومة، لكنه لم يكن له قوة أمام الكائن الذي يسحبه. قبل أن يدرك ما يجري، وجد نفسه مغمورًا في المياه العميقة، الظلام يحيط به، وصدى الماء والكائنات البحرية الأخرى وكأنهم يضحكون عليه.

'أيتها العاهرة المجنونة...'

________

رأيكم في الفصل

واعتذر عن عدم نشر فصل في ألامس، لذلك سوف يكون هناك فصل غير هذا اليوم ان شاء الله

2024/12/20 · 23 مشاهدة · 851 كلمة
Ashura
نادي الروايات - 2025