سحب فينسينت نحو الأسفل بقوة مُباغتة، كأن موج البحر تحول إلى مخالب غاضبة تلتف حول قدمه. حاول أن يحرر نفسه من قبضتها القاسية، لكن كلما زاد صراعه، زادت قبضة الحورية تشبثًا به، وكأنها مصممة على سحبه إلى أعماق البحيرة السحيقة.
بدأ الهواء ينفذ من رئتيه، وقلبه يضرب صدره كطبول حرب لا تُسمع. فتح عينيه مذعورًا ليجد نفسه غارقًا في ظلمة زرقاء داكنة. كانت البحيرة تمتد إلى ما لا نهاية، ظلامها كليلٍ أزلي. لا قاع يُرى ولا نور يشق أعماقها. أمسك بقوة برأسه المرفوع حين لمح وجه الحورية المشوهة، بشعرها الأسود الطويل المتراقص مع الماء. عيناها كانت جاحظة، تلمع في العتمة بنور خافت كأعين وحش يصطاد فريسته.
"أيتها العاهرة المجنونة!"
شتم فينسينت بصوت داخلي مختنق. كانت أنفاسه تضعف تدريجيًا، وبدأت رؤية العالم أمامه تهتز وتذوب مثل الحبر المراق في الماء. دماغه يدور، ثم خارت قواه، وغرق في الظلام المُطلق.
...
*نقطة!نقطة! *
فتح فينسينت عينيه واستقبل بسقف حجري مظلم، يبرز منه نتوءات حجرية أخرى، جلس ونظر حوله وصدم من ما رآه. كان بجانبه بركة ماء تصل لفتحة كبيرة نسبيا وكأنها مخرج لهذا المكان، كان حوله مجموعة من العظام والسيوف وكأنها لا تنتهي.
كان يوجد جماجم من مختلف الأحجام والأشكال، بعضها كان لكائنات تشبه البشر بينما الأخرى كانت لمخلوقات أخرى. كانت توجد بجانبها سيوف،مطارق ورماح، وكأنه كان هناك حرب ضارية في هذا المكان.
كانت الجماجم تتجمع لتشكل تل صغير فوقه. كان يجلس فتاة جميلة، كان شكلها مثل الجوهرة في هذا المكان الموحش.
فتاة ذات شعر طويل ازرق غامق وكأنه سماء الليل وعينين زرقاء كالزجاج المكسور، كانت تجلس وسط تلك الجماجم وكأنها جزء من هذه المقبرة المظلمة. كانت ترتدي ثوبًا مهدمًا، يبدو عليه آثار الزمان، ومع ذلك كان هناك شيء غريب في وجودها، شيء لا يتناسب مع هذا المكان الموحش.
نظرت الفتاة إلى فينسينت بعينيها اللامعتين، وكأنها اكتشفت وجوده للتو. لم يتكلم أحدهما في البداية، كانت اللحظة مليئة بالدهشة والترقب. لكن فينسينت كان لا يزال تحت تأثير ما حدث له في البحيرة، يحاول جمع أفكاره واستيعاب ما يحدث.
" إذا انت مستيقظ".
كان صوتها حاد وبارد مثل الجليد، ينساب مع الجو الهادئ للكهف المظلم، الذي لا يمكن سماع صوت غير المياه المتحركة بجانبه.
كانت عيناها الزرقاء، كأنها هدوء هذا الكهف، تشع بالضوء الوحيد، وكأنها التي تحكم في هذا المكان.
'هذه الجماجم... لا يمكن' هبطت نظرة فينسينت على الجماجم التي امامه وصعد حتى وصل لجسد الفتاة التي كانت تجلس فوق هذا العرش الوحشي.
" لا تخف، انها فقط للزينة".
تعمق العرق البارد على ظهر فينسينت عندما سمعها تتحدث بذات النبرة الباردة. كان ما قالته قصير، ولكنه يحمل معنى اكبر وموحش.
ولكن ما فاجأهُ اكثر هو انها استطاعت معرفة ما كان يفكر به!
" كيف ا- أمكنك..."
" قرأة افكارك؟ اجل، هذا بسبب نوعي".
لم يكن لدى فينسينت ما يقوله، فقط كان يقف في مكانه وهو متفاجئ.
كان يمكن تفسير " نوعي " إلى اكثر من معنى. يمكن ان يكون عرقها يمتاز بهذا الشيء. ولكن بعض الاشخاص والطوائف يطلقوا على نفسهم " نوع" لتميز نفسهم ومعتقداتهم عن البقية.
هذه أمور قد صادفها فينسينت في عالمه السابق. مع كل موقف يحدث له، كان يسترجع بعض من الذكريات التي حبسها في داخله.
" إذا... إذا لماذا سحبتني إلى هنا؟".
نظرت له الفتاة بنظرة باردة كالمعتاد، من اعلى عرشها العظمي، كانت وكانه لا يمكن الوصول لها، كأنها كيان لا يمكن ان تكون هناك خيارات غير الخضوع له.
" همم.. السبب بسيط، احتاج مساعدتك لأخرج من هنا".
......
بين الاشجار العملاقة، والنباتات السحرية من مختلف الألوان. سار رجل كبير في السن، كان يرتدي رداء رمادي مهترئ، كما كان شعره الأبيض الطويل الذي يصل لعنقه ولحيته البيضاء القصيرة. كان يضع يديه خلف ظهره بينما توجد ابتسامة خفيفة على وجهه.
سار قليلا قبل ان يصل إلى منحدر، نظر إلى الاسفل ورأى الساحة الشبه صخرية. كانت بعض الحجارة كبيرة الحجم على الارض نصف محطمة.
' همم... أين هذا الفتى؟'
فكر راندولف في نفسه، قبل ان ينظر إلى الكهف الذي في منتصف المنحدر المقابل. غمقت عيناه بينما فكر في امر ما. نزل من على المنحدر ودخل الكهف المظلم، سار قليلا قبل ان يرى جسم ضخم على الارض، كان جسد الدب ضخم ممد عبر الارض ويمكن رؤية الدم الجاف على الارض، وفتح كبيرة في منتصف جبهته. اهتزّ راندولف قليلا من المشهد.
' هل فعل هذا؟.'
فكر راندولف قبل ان يكمل طريقه حتى خرج من الكهف، ورأى الاشجار عبر جانبي الطريق وبحيرة كبيرة لا يمكن رؤية نهايتها امامه. وقف عن نهاية الطريق ونظر إلى البحيرة.
' ممم.. ما هذا'
نظر راندولف ورأى جسم فضي يلمع من الشمس، التقطه وأمعن النظر به.
' هذا!...'
تحولت عينى راندولف قليلا، وكأنه رأى شيئا من الماضي، بعد القليل من الوقت نظر نحو البحيرة، وفي هذا الوقت، تحولت عينه اليسرى واصبحت ذهبية اللون، خرج ضوء خفيف ذهبي منها.
" هاهاهاهاها!"
ضحك راندولف بصوت مرتفع لدرجة ان الماء امامه اهتزت.
" لماذا كنت متوتر من الاساس، انه مثابر ومن الصعب قتل نوعه في النهاية."
بعد ان قال ذالك، رفع السيف ورماه بقوة نحو قاع البحيرة، كانت الماء وكأنها جدار يتم تحطيمه عن طريق حيوان ضخم، لم يكن هنالك مقاومة.
" اظن ان هذا سوف يساعدك في المستقبل القريب ايها الصغير."
بعد ان قال ذلك، وضع راندولف يداه خلف ظهره وعاد ادراجه بإبتسامة على وجهه .
_______
احم احم… حسنا اعتذر، لم استطع ان انشر في الامس وحتى الفصل الثاني قبل امس لم استطع نشره، لذلك لن أوعد بتعويض هذه المرة. خوفا من ان لا أفي به
رأيكم في الفصل