وقف فينسينت بجانب جسد لوريا الممدد على الارض، يحدق في الدماء القرمزية التي امتزجت بالأخضر السام وهي تغرق الأرض الصخرية تحتها. كان صدرها بالكاد يرتفع وينخفض، لكن الحياة بدأت تترك جسدها بسرعة. حملت عيناها نظرة ممتلئة بالغضب والاحتقار، تلك النظرة التي لم يستطع فينسينت تجاهلها رغم أنه كان المعتاد على تلقيها.
انسحب النصل الفضي من جسدها بحركة هادئة، والدماء تقطر من حدّه اللامع كأنه يروي عطشه. لم يتفوه بكلمة، فقط وقف بصمت، يحاول إدراك الشعور الذي غمره الآن. هل كان نصراً؟ أم مجرد خطوة أخرى في هذا الصراع الذي يبدو بلا نهاية؟
صوت الدم المتساقط على الأرض كان الرتم الوحيد في هذا السكون المريب. الضوء الخافت الصادر من الأحجار الكريمة المحيطة به ألقى ظلالاً متقطعة على وجهه، ليظهر تعابيره المزيج بين الإرهاق واللا مبالاة.
ركع ببطء بجانب جسدها، مشيراً بالنصل المحطم نحو الأرض. مدّ يده ولمس شعرها الأزرق الداكن الذي بدا الآن باهتاً، كما لو أن الحياة التي كانت تشع منه قد ذبلت.
"كنتِ خصماً قوياً، لكن هذا العالم لا يترك مجالاً للضعفاء." قال بصوتٍ منخفض وكأنه يخاطب نفسه أكثر مما يخاطبها.
على الرغم من قتله لها، شعر بشيءٍ من الغرابة. لم تكن مثل اي من البشر الذين أزاحهم من طريقه. كانت لوريا شيئاً آخر، روحاً عنيدة، مليئة بالعزة، حتى في لحظاتها الأخيرة. لم يقابل كائن مثل هذا من قبل . لم يكن يعرف، هل كانت هذه طبيعة الاشخاص في هذا العالم، ام هل هو عرقها، ام هل هي حالة شاذة عن البقية؟.
غالبا الذي يقتلهم ما كانوا يتوسلون لحياتهم، او يلعنوه ولكن ما زالوا خائفين من الموت. لكنها كانت مختلفة.
بعد القليل من الوقت، وقف فينسينت عندما علم انه لن يعرف اجوبة هذه الاسئلة. كانت لوريا من قلائل الاشخاص الذين اثروا به، كانت مثل الدرس الاول في هذا العالم الجديد كليا عليه، وكأنها دليله لما سوف يحدث له في المستقبل.
هز فينسينت رأسه وزفر، بعدها أخذ طريق آخر، بحثا عن طريق للخروج. كان الكهف الضخم المظلم هادئ جدا، لم يكن هناك صوت الوحوش التي تختبئ في الظلال، حتى ان ضوء الصخور الكريمة اصبح باهت وكأنه يخسر حياته.
سار فينسينت لمدة لا يعلمها، ولكنه شعر وكأنه لا نهاية لها. دخل من انفاق وانعطف مئة منعطف في هذا الكهف الذي لا ينتهي، ولكن ما زال لم يستطع ان يجد طريق واضح للخروج.
حاول العودة ولكن يبدو انه قد ضل الطريق. " اغغغ تبا!".
رمى فينسينت النصل الفضي على الارض وجلس في محله. كان محبط منذ قتاله مع لوريا، ويفكر في قراراته سواء كانت الحالية او في عالمه السابق. نظر إلى السقف الحجري، الذي كان مظلم وبعدها تفاجئ.
حفيف
شعر فينسينت بنسيم بارد يضرب وجهه، تفاجئ من هذا، وكان على وشك ان يعود لإحباطه، حتى استوعب ما حدث.
' نسيم بارد؟ هواء! هناك مخرج قريب!'.
وقف فينسينت على قدميه وحمل النصل الفضي وبدأ يركض في الاتجاه الذي يأتي منه الهواء. أخذ بضعة منعطفات، حتى وصل لغرفة ضخمة نسبيا.
لم يكن هناك شيء مميز بها، غير انها كانت مشابهة لغرفة عادية ولكن في كهف بالطبع. على ذلك، كان في منتصف الغرفة ضوء خافت يسقط من السقف. سارع فينسينت نحوه ونظر إلى الأعلى، ورأى فتحة صغيرة جدا يخرج منها ضوء اخضر باهت.
ظننا منه انه المخرج، تحمس فينسينت وزاد الأمل في الخروج، ولكن لم يستطع ان يجد طريقة للصعود، وبالطبع من المستحيل القفز لها.
" اغغغ تبا! ماذا يجب ان افعل إذا، أبقى محبوس هنا للابد".
صرخ فينسينت بكامل قواه. صدى صوته ركض في جميع أنحاء الكهف، من دون اي رادع. تنهد فينسينت وبدى محبط.
بعد القليل من التفكير. سمع فينسينت صوت تنقيط يأتي من احد الحوائط. بعد ان تتبع الصوت، وجد بركة صغيرة من الماء على الارض، وكان ينزل الماء من فتحة صغيرة في الحائط الذي أمامها.
لم يفهم ماذا كان هذا، هل كان يوجد بركة خلف هذا الحائط، ام ماذا. حاول ان يكسرها ولكن كان الحائط وكأنه أقسى من الحديد.
اهتزاز
تفاجئ فينسينت من الاهتزاز الذي حدث اسفله. كانت وكأن الارض كانت تهتز وسوف تتحطم إلى قطع صغيرة. بعد القليل من الوقت، شعر فينسينت بنسيم بارد يأتي من النفق الذي اتى منه، لدرجة انه شعر بعظامه تهتز من البرد، وكأنه وسط جبل جليدي.
ولكن الغريب، هو انه لم يكن يشعر بالبرد. ظهر صوت زحف يأتي من النفق، ومع كل ثانية تمر يشعر فينسينت بأن قلبه سوف يقفز من صدره ويجري بعيدا، بدأ جسده كله بالارتجاف، ولكن لم يستطع تحديد السبب.
ظهر ظل عملاق من النفق، وتحديدا كان يزحف على سقفه ويذهب إلى سقف الغرفة. كان الظل طويل جدا وكأنه لا ينتهي، كان هناك كرتين وهميتين لونهم بنفسجي باهت، كانت وكأنهم عيناه.
تحرك الظل مثل الثعبان العملاق وتجول في جميع ارجاء الغرفة. وكلما يقترب، كان جسد فينسينت يرتجف اكثر، وهنا علم السبب. لم يكن يرتجف بسبب البرد او شيء من هذا القبيل.
كانت عظامه ترتجف مع جسده، كان قلبه ينبض بسرعة، كانت قدميه ترتخيان وكأن قواهما قد خارت، كان هذا بسبب الخوف.
لم يكن يعلم كيف، ولكنه كان يشعر بالخوف، الخوف الذي جعله لا يستطيع التحرك.
نظر الظل العملاق نحوه، وكأنه ينظر إلى حشرة عشوائية. وبحركة عادية أشعت عيناه البنفسجية، وشعر فينسينت بالاندفاع الضخم للهواء، وهذا جعله يطير للخلف مثل الصاروخ يصطدم بالحائط.
تحطم الحائط اكثر وخرج منه الماء الذي كان يتصبب. خرج وكأنه كان هناك سد يمنعه من الخروج. تجمع الماء لدرجة ان فينسينت بدأ يسبح به.
اختفى الظل العملاق وشعر انه بدأ يعود لحالته الطبيعية. حاول الخروج ولكن رأى ان الماء قد سد النفق بالفعل.
بدأ الماء يرتفع ويرتفع، وفينسينت يحاول ان يجد مخرج. هبطت نظرته على الضوء الأخضر الباهت الذي يخرج من الفتحة الصغيرة في السقف، وعلم ما يجب ان يفعله.
ارتفع الماء لدرجة انه غطى كل الغرفة. حبس فينسينت نفسه وسبح نحو الفتحة الصغيرة، وحاول فتحها.
بالطبع لم تفتح بهذه السهولة، وبدأ ينفذ الهواء من رئتيه، بدأ يضرب به حتى يتحطم. لدرجة ان يديه تصبغتى باللون الأحمر. بعد القليل من الوقت، واخيراً، استطاعت قبضته ان تعبر للجهة الأخرى، وبعدها جسده كله.
__________
رأيكم في الفصل